تأجّل إطلاق القمر الصناعي التونسي "تحدي 1" من يوم السبت الماضي إلى صبيحة اليوم الإثنين، إذا سمحت الظروف المناخية بذلك، وبحسب المصنعين التونسيين فإن "تحدي 1" هو أول قمر صناعي عربي مصنع بإمكانات محلية مائة بالمائة من قبل الخبرات التونسية في شركة "تلنات" المختصة في التكنولوجيا والبرمجيات والأنشطة الهندسية، وهو قمر صناعي مختص في "إنترنت الأشياء" وسيستخدم لأول مرة في العالم بروتوكول "لورا" في اتصالات الفضاء.
هذا القمر إذاً ليس للدولة فيه أي فضل ولا دخل لها فيه من قريب أو من بعيد، وربما كان سيفشل المشروع لو تدخلت فيه وعرضت أمره على النواب الجهابذة الذين يفتون في كل شيء، ويعطلون كل شيء، وهو نتاج عمل رجل أعمال (محمد فريخة) آمن بالمشروع، ومهندسين بارعين. لم يصدق فريخة أحد عندما أطلق الفكرة في البداية إلى أن أصبحت حقيقة يتباهى بها التونسيون في عيدهم الوطني.
يريد التونسيون أن يطيروا في الفضاء، أن يحلقوا فوق أزماتهم، فوق ضجيج الساسة وهراء بعض النواب. هؤلاء المهندسون والأطباء ومبتكرو أحدث البرمجيات في العالم مقتنعون بأن بلدهم يستحق وضعاً أفضل من هذا الواقع الصعب. وهذه الخطابات التعيسة أحياناً والمعارك المتدنية أحياناً أخرى لا تشبههم ولا تنتمي لثورتهم ولا لأحلامهم. يريدون أن يطيروا عالياً ببلدهم، أحلامهم كبيرة وقابلة للتحقيق، لكن الوضع السياسي يشدهم إلى الخلف يثقلهم ويمنعهم من الانطلاق، لا يفهمون كيف تردّى الوضع إلى هذه الدرجة وهم الذين أنجزوا ثورة غيّرت وجه التاريخ وطرحت آمالاً جديدة أمام شعوب المنطقة، لا يفهمون كيف توقف الإنتاج ولماذا تأخرت اللقاحات وكيف عجزت الدولة عن سداد ديونها ولماذا فشل البرلمان على مدى سنوات في انتخاب ثلاثة أعضاء فقط للمحكمة الدستورية. لا يفهمون كيف يرفض رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان أن يجتمعوا لحل خلافات تكلف البلاد والعباد كثيراً، وربما تعصف بالتجربة كلّها، وبهم طبعاً، وكيف يمكن للشيوخ الثلاثة أن يدخلوا لعبة العناد الخطيرة، بينما شبابهم يدعوهم من كل المنابر أن يتجاوزوا هذه الخلافات وأن ينقذوا البلد قبل فوات الأوان.
"تحدي 1" هو رسالة تلخّص واقع التونسيين بشكل دقيق، شباب متعلم يرسم صورة البلد التي ثار من أجلها، يريد أن يطير بها عالياً بين الأمم الراقية، ولكن الساسة افتكوا من هذا الحلم، لكنه صامد إلى حد الآن.