استمعت المحكمة الابتدائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، اليوم الاثنين، إلى قائد الجيش التونسي السابق، الجنرال السابق رشيد عمار، وتم الاستماع له بخصوص القضية عدد 30 المتعلقة بأحداث الثورة، وملف مقتل أنيس الفرحاني.
وبيّنت المحكمة أنه تمت دعوة الوزيرين السابقين، محمد الغنوشي ولطفي الحاجي، ووزير التنمية المحلية في حينه، أحمد نجيب الشابي (بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2011)، شهودًا بطلب من القائمين بالحق الشخصي للاستماع إليهم بخصوص ملف القضية.
وأكدت المحكمة أن عمار يمثل اليوم شاهدًا، وأدلى القسم أمام هيئة المحكمة، مبينة أن القضية تتعلق بأحداث ثورة الحرية والكرامة، يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2011، وأدت إلى وفاة عدد من المتظاهرين في تونس، وكان عمار حينها رئيس أركان جيش البرّ، وأشرف على خلية الأزمة بوزارة الداخلية.
وقال الجنرال رشيد عمار، خلال الاستماع إليه، إنه خلال أحداث الثورة، تحديدا في شهر يناير، انتشرت قوات من الجيش الوطني بكامل أنحاء البلاد التونسية، وأمنت الوحدات الموجودة نحو 150 موقعا، منها مؤسسات حساسة، قضائية ومالية، وفضاءات عامة وأخرى خاصة. وأن التمركز بهذه المواقع كانت تحددها وزارة الداخلية.
فراغ أمني خلال الثورة
وأفاد عمار، أنه في 13 يناير علم بسقوط ضحايا أثناء الاحتجاجات في العاصمة، وأن الجيش أمن أيضا وزارة الداخلية، والكنيسة، وسفارة فرنسا، والمغازات الكبرى، والمؤسسات المالية، وأنه اضطلع بمهمة التنسيق بين وزارتي الداخلية والدفاع منذ 2002، وأنه في ذلك اليوم لم يتوجه إلى وزارة الداخلية، مؤكدا أنهم كانوا يتابعون جميع الأحداث الهامة التي تشهدها البلاد خلال الثورة، لاتخاذ التدابير الأمنية لحماية البلاد، وتواصلت تلك المهمة إلى أن غادر وظيفته في الجيش الوطني.
وفي ذلك اليوم، أضاف عمار، أنه لم يغادر مقر وزارة الدفاع الوطني، ولم ينسق مع وزير الداخلية، ولا مع بقية الإطارات بوزارة الداخلية، وأنه يوم 10 يناير أصدر برقية، استظهر بها في الملف لدى المحكمة، طلب من خلالها عدم إطلاق النار على المتظاهرين، مؤكدا أنه لو لم يتغير النظام لكان مصيره السجن بسبب ذلك القرار.
وبين عمار أن حضوره في وزارة الداخلية كان للتنسيق، ولكنه لا يعلم إن كانت الوزارة قد أصدرت قرارا بإطلاق النار على المتظاهرين أم لا، وأنه وظف خبرته في إدارة مثل هذه الأحداث للحفاظ على الأمن.
وقال عمار، إن الرئيس بن علي، يوم 28 ديسمبر/كانون الأول، أكد في خطاب له عزمه على التصدي بكل حزم، وكان يقصد السلاح.
ونفى عمار أن يكون قد أصدر أوامر للجيش بإطلاق النار على المتظاهرين، خاصة عند محاولة اقتحام وزارة الداخلية التى كان يؤمنها الجيش، ولم تشهد أي مناطق يحرسها الجيش تهديدا قبل 14 يناير، وأشار إلى أنه طلب من الوحدات عدم استعمال الرصاص ضد المتظاهرين، سيما أن الاحتجاجات كانت سلمية، واهتمت الشعارات المرفوعة بالشغل والعدالة الاجتماعية، مبينا أن الأماكن التي يحرسها الجيش الوطني عادة ما تكون مؤمنة بحواجز حديدية، فلا يمكن للجيش إطلاق النار إلا في حالة وجود خطر أو تهديد مباشر، وهو ما لم يحصل من طرف المتظاهرين. وبالتالي، فإن الجيش الوطني لم يستعمل السلاح.
وبين عمار أن البلاد عاشت فراغا أمنيا كبيرا خلال الثورة في 14 يناير، وكان على وزارة الدفاع المحافظة على الاستقرار، مشيرا إلى أنه طُلب منه إيقاف مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، إلا أنه رفض، كما رفض تعليمات تلقاها بإطلاق النار على عائلة الطرابلسية (أصهار بن علي) في المطار، ورفض المس بأي شخص.
للحقيقة لا للتشفي
وتساءلت المحامية، لمياء الفرحاني، شقيقة أنيس الفرحاني، ما إذا كانت تعليمات كتابية قد صدرت بإطلاق النار؟ مؤكدة أنهم ساعون لكشف الحقيقة وليس للتشفي، بل من أجل الحق في العدالة، ودولة القانون والمؤسسات.
وقالت الفرحاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "شهادة الجنرال عمار مهمة حيث تم إيضاح عدة مسائل"، مؤكدة أنه "تم الاستماع لعمار بعد تحميله المسؤولية من وزير الدفاع أحمد فريعة، باعتباره الماسك بزمام الأمور في وزارة الداخلية في ذلك الوقت"، مشيرة إلى أن "الجنرال تمسك بأن مهمته كانت التنسيق فقط وسيطالبون لاحقا بالمكافحة بينهما".