لا يفصل تونس عن انقضاء الفترة الاستثنائية المحددة بشهر سوى أسبوعين فقط، ينتهيان يوم 25 أغسطس/آب الحالي، من دون أن يعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن رئيس الحكومة الجديدة وعن مصير البرلمان المنتخب وخريطة طريق الخروج من الأزمة، وسط دعوات من مؤيديه وأنصاره بالتمديد إلى أفق غير معلوم.
وتكاثفت مطالب المنظمات الوطنية والحقوقية للرئيس سعيد للمسارعة بإنهاء الفترة الاستثنائية وإعادة المؤسسات الدستورية وتكريس الفصل بين السلطات، رافقها قلق متزايد على مكاسب الثورة التونسية ومستقبل ديمقراطيتها الناشئة.
وينتظر الشعب بفارغ الصبر إعلان اسم رئيس الحكومة الجديد والفريق الحكومي الذي سيقود مرحلة الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي، لمساعدة الرئيس على إدارة الجهاز التنفيذي في سياق صحي واجتماعي متفجر، بعد أن منح سعيد نفسه صلاحيات الإشراف على السلطة التنفيذية بأكملها وتوجهه لتعيين رئيس وزراء يساعده.
ومر أسبوعان على التونسيين من دون أن يكشف قصر قرطاج الرئاسي عن مسار إنهاء الفترة الاستثنائية التي اتسمت بالغموض منذ بدايتها، سوى من بعض إشارات من الرئيس عقب محادثاته ولقاءاته مع ضيوف تونس وشركائها إلى الالتزام بالدستور والشرعية واحترامه الحريات وحرصه على المسارعة بالخروج من الوضع الاستثنائي.
"أخبار سارة"
وفي تعليقه على مطالب تشكيل الحكومة وإعلان خريطة الطريق، قال مستشار الرئيس وليد الحجام إن الرئاسة "تتفهم هذه المطالب المشروعة"، مشيراً إلى أن "هناك أخباراً سارة تنتظر المواطنين".
وتابع الحجام في تصريحات صحافية بأن الرئاسة تقوم "بعمل كبير على مستوى التفكير والتخطيط، لوضع الخطوط العريضة لخريطة الطريق تشمل الأزمة السياسية والدستور والأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية"، وفق تعبيره.
وبين المتحدث أن المرحلة تستدعي التروي والتريث في اتخاذ القرارات، مشيرا إلى أن "لا حوار مع الفاسدين، هو خيار لن يتراجع عنه الرئيس".
ويستمر الغموض سيد الموقف، ذلك أن سعيد متمسك بخياره التدرج في خطواته بكل بطء ليترك كل الفاعلين في المشهد في حالة ترقب للخطوات القادمة، وهو ما دفع "الاتحاد العام التونسي للشّغل" إلى إعلان تأجيل تقديم خريطة الطريق إلى حين تشكيل حكومة جديدة، مطالبا الرئيس بتوضيحات عن خطته للخروج من الوضع الاستثنائي وإعادة البلاد لوضعها الطبيعي.
إلى ذلك، تتصاعد أصوات مساندي الرئيس وداعميه، خصوصا من قيادات "حركة الشعب" التي أكدت تواصل الحالة الاستثنائية لأشهر قد تصل إلى نصف سنة، مرجحين توجه سعيد لإعلان تمديد تعليق عمل البرلمان، فيما ذهب أمين عام الحزب زهير الغزاوي إلى أن البرلمان الحالي الذي أفرزته انتخابات 2019 انتهى، ومصيره الزوال، وستتم محاسبة الفاسدين من النواب والأحزاب البرلمانية.
وشدد الغزاوي في تصريحات صحافية على أنه "لا يمكن الرجوع إلى وضع ما قبل 25 يوليو/تموز بنفس القوانين ونفس الفاعلين، و30 يوما لا تكفي لتشكيل حكومة ومحاسبة من أجرموا والذهاب لانتخابات"، بحسب قوله.
ويمضي سعيد في تكليف معاونين له في تسيير الحكومة من دون العودة للبرلمان، حيث عين 4 مكلفين بتسيير وزارات، في وزارة الداخلية رضا غرسلاوي وفي وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار سهام البوغديري نمصية، وعلى رأس وزارة تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي، وللإشراف على وزارة الصحة العميد، الطبيب بالجيش، علي مرابط.
تعد حكومة تونس الحالية أغرب الحكومات من حيث التنظيم والتسيير
وتعد حكومة تونس الحالية أغرب الحكومات من حيث التنظيم والتسيير، فعلاوة على غياب رئيس للوزراء، ما زالت 5 وزارات شاغرة من دون وزير أو مكلف بتسييرها، منها وزارتا سيادة بالغتا الحساسية وهما وزارة العدل ووزارة الدفاع الوطني، بالإضافة إلى شغور وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية والحوكمة.
كما تسجل حكومة تونس الانتقالية 5 وزارات بالنيابة، وهي أملاك الدولة والشؤون العقارية، ووزارة الصناعة والطاقة والمناجم، ووزارة الشؤون المحلية والبيئة، ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة والإدماج المهني، في مقابل وجود 11 وزيرا فقط مباشرين على رأس وزارات في انتظار حسم مستقبل الحكومة الجديدة.
ومنذ 25 يوليو/تموز/، يرأس سعيد الحكومة ويشرف على العمل الوزاري بنفسه، في وقت يغيب كامل الفريق الحكومي عن المشهد، إلا وزيري الخارجية والصحة فقط أثناء قيامهما بتسهيل عملية جلب اللقاحات وفي مجابهة وباء كورونا.
وفي هذه الأثناء، عبرت البحرين، وبعد حوالى أسبوعين على قرارات سعيد، عن دعمها لإجراءات الرئيس التونسي، حيث أكد وزير خارجيتها عبد اللطيف بن راشد الزياني أن بلاده "تعتبر ما حدث في تونس أمرا سياديا لا يحق لأي جهة التدخل فيه، وتدعو المجموعة الدولية إلى مواصلة دعم تونس والتضامن معها لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجهها".
وكان الزياني محملا برسالة شفوية موجهة إلى الرئيس التونسي من الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
بدوره، قال سعيد، وفق بيان للرئاسة التونسية، إن "ما تم اتخاذه من تدابير استثنائية يهدف إلى وضع حد للعبث بالدولة ومقدراتها".