تعزّزت مخاوف عدة نشطاء ومنظمات تونسية من حصول مزيد من التجاوزات التي بدأها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ظل تعدّد الانتهاكات لحقوق الإنسان وازدياد عدد التجاوزات، وتراجع في المكاسب التي حققتها الثورة التونسية.
ويؤكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الانتهاكات منذ 25 يوليو/ تموز من عام 2021، متعددة وطاولت كل المجالات، من ذلك إقصاء الأحزاب السياسية من المشهد السياسي، وهي أيضاً مقصاة حتى من العمل خلال الانتخابات التشريعية بفعل المرسوم 55، الذي حوّل الانتخابات على الأفراد بدل القوائم، كما وحظرها من القيام بحملات انتخابية، وهذا انتهاك جسيم للعمل السياسي، إلى جانب إقصاء المرأة"، مؤكداً أن "المكاسب التي تحققت للشعب التونسي منذ الثورة في تراجع مستمر، سواء على مستوى الواقع المدني أو السياسي".
وتابع، أنه "لم يعد يفصلنا سوى أسبوعين تقريباً عن الانتخابات التشريعية، ولكننا نلاحظ اعتداءات على الحريات والحقوق وفق المرسوم 54، كما أن عدة محاكمات تستهدف مدونين ومعارضين وإعلاميين، فقط لأنهم تداولوا في الشأن العام"، مؤكداً أن "الشعب التونسي يتم تفقيره، وما ثار عليه الشعب في 2011، يعود مجدداً، والسلطة لا تملك حلولاً".
وقال إنه "لا يوجد تواصل مع السلطة السياسية التي تحجب المعلومات"، مبيناً أن "الوضوح حول الشأن العام غائب، ولا نعرف إلى أين نسير".
وأوضح أن "كل الحقوق أصبحت مهددة في مقابل غياب رؤيا واضحة للسلطة، الحقوق الاقتصادية بسبب الأزمة الخانقة ونفاد السلع وارتفاع الأسعار، والحقوق البيئية على غرار ما يحدث في صفاقس وغيرها من تكدس الفضلات وعجز الدولة على حل إشكال متواصل منذ أشهر، وغيرها من الحقوق التي تجعل المواطن التونسي لا يشعر بالأمان اقتصادياً واجتماعياً".
من جانبها، أكدت نائبة رئيس نقابة الصحافيين أميرة محمد، أنه "بعد 25 يوليو/ تموز 2021، أصبحت المراسيم والأوامر الرئاسية تصدر الواحد تلو الآخر، وتحولت إلى أمر واقع يتعين علينا قبوله"، مضيفةً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "منذ صدور المرسوم 117، بدأت الحريات تتآكل في تونس، بعد أن استولى رئيس الجمهورية على العديد من الحقوق، محاولاً وضع اليد على الإعلام بفعل ما تضمنته المراسيم، وصولاً إلى المرسوم 54، الذي يضرب حرية التعبير ككل وليس حرية الإعلام وحدها، كما أن آثاره يمكن أن تطاول جميع التونسيين، لأنه يتم وفق هذا المرسوم تهديد وإسكات أي ناشط، وكل تونسي أصبح متهماً إلى أن تثبت براءته".
وأضافت النائبة، أن المرسوم 54 يضم عبارات استخدمها بن علي والأنظمة الدكتاتورية الأخرى لإسكات أي صوت معارض"، مؤكدةً أن "أولية السلطة لم تكن الأوضاع المعيشية والوضع الاجتماعي والاقتصادي، بل إصدار مراسيم".
وقال المحامي إبراهيم بلغيث، الذي قدم قضية ضد المرسوم 117 في المحكمة الأفريقية، فيما يعرف بالقضية 17 لسنة 2021، أن "الحكم الصادر من قبل المحكمة الأفريقية أثبت انتهاكات سعيّد للقانون وللدستور، ما يعني إلزام الدولة التونسية بإلغاء الأمر 117"، مبيناً أن "المحكمة الأفريقية اعتبرت أن تونس خرجت عن الديمقراطية، وهي ملزمة بتنفيذ القرار (...) من حق الفرد المشاركة في الشؤون العامة لوطنه، وتقرير مصيره، بعيداً عن تفرد الرئيس بالسلطة".
وأضاف المتحدث أن "جميع السلطات مركزة في يد شخص دون وجود أي سلطة معارضة، والانتهاكات عديدة، ومنها غياب المشاركة في إدارة شؤون الوطن"، مشيراً إلى أنه "قدم عدة قضايا للمحكمة الأفريقية بحكم الالتزامات الموقعة بين تونس وبين هذه المحكمة منذ سنة 2017، وبالتالي هي ملزمة بأحكامها"، كما أنه "قدم قضية أخرى للمحكمة الأفريقية، وتم الانتهاء من الإجراءات الكتابية فيها"، إلا أنه "ينتظر التصريح بالحكم في هذه القضية أو تنظيم جلسة مرافعة فيها".
وأكد المحامي أن "هذا النوع من التقاضي استراتيجي، وهو بمثابة حل جنوبي جنوبي، إذ عادةً ما كان يتم الالتجاء إلى دول غربية للتنديد بواقع حقوق الإنسان (...) وتم إلزام الدولة التونسية في سنتين من صدور القرار القاضي بإلغاء الأوامر 117 و95 و92، بالرجوع إلى الديمقراطية الدستورية (...) وعلى الدولة التونسية، وفي أجل أقصاه 6 أشهر من صدور الحكم، تقديم تصورها للتنفيذ، كما ويجب عليها تقديم تقارير دورية، والمحكمة لها سلطة تقدير مدى التزام الدولة التونسية بالحكم".
وفيما يتعلق بعدم تنفيذ الأحكام الصادرة، قال بلغيث إنه "يفترض حسن النية في تطبيق أحكام المحكمة الأفريقية، وإذا قدمت الدولة تصوراً لا يعتبر تنفيذاً للحكم، فإن المحكمة في هذه الحالة تُعلم الاتحاد الأفريقي والجهة المخولة بتنفيذ الأحكام، وهي مؤتمر وزراء الاتحاد الأفريقي، وكلما عقد اجتماع يتم وضع هذه الملفات على الطاولة"، مشيراً إلى أن "هناك لعبة بين القانون والسياسة، وقد يغلب الجانب السياسي على القانوني (...) طبعاً لا يمكن أخذ حكم منفذ لإجبار الدولة على التنفيذ، ولكن على الأقل يتم دفعها لاحترام حقوق الإنسان، ودفع صاحب القرار إلى عدم القيام بمزيد من التجاوزات القانونية والانتهاكات".