لا يستطيع أحد في تونس معرفة مصير تعديلات قانون المحكمة الدستورية التي تحولت من أداة لتجاوز عقبة انتخاب أعضائها، إلى محل خلاف ومجال صراع بين الرئيس التونسي الرافض لها، وبين البرلمان المصرّ على تمريرها.
ودخلت أزمة المحكمة الدستورية في تونس، طورا جديدا من النزاع بين السلطات في تونس، بعد أسابيع من ليّ الذراع بين رأس السلطة التنفيذية ممثلا في الرئيس قيس سعيد، والأغلبية البرلمانية الممثلة للسلطة التشريعية في تونس.
وبعد رفض سعيد تعديلات القانون التي أقرها البرلمان في 25 مارس/ آذار الماضي بأغلبية مريحة، وردّ القانون على البرلمان في رسالة لوم مطولة في 4 إبريل/ نيسان المنقضي، نجح مجلس الشعب في تمرير التعديلات على القانون من جديد بأغلبية معززة بـ 141 صوتا، أي ما يقارب الثلثين، بشكل كشف عن توحد البرلمان من مختلف الكتل ضد موقف الرئيس، وحتى التيار الديمقراطي الذي طعن في دستورية إجراءات الجلسة مع حركة الشعب كان من باب التضامن بين المعارضة باعتبار التيار من بين مقترحي التعديل والمقتنعين بواجهته.
وتنتهي اليوم الجمعة، آجال الطعن عند المحكمة الدستورية الوقتية التي يمنحها القانون 10 أيام للإقرار بدستورية النص أو رفض طعن المعارضة، غير أن القانون يمنحها إمكانية التمديد بأسبوع قبل التصريح بالحكم.
وتشير المعطيات المتداولة إلى رفض الرئيس سعيد ختم التعديلات وإصدار القانون، وهو ما أكده شقيقه وأستاذ القانون نوفل سعيد عبر حسابه على "فيسبوك"، في منشور جاء بعنوان "هل من الممكن رتق الفتوق الدستورية؟"، مشيرا إلى أن القرار المنتظر للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين المنتهية ولايتها، لن يضفي دستورية على مشروع قانون لا دستوري، تماما مثل التصويت الثاني الذي قام به المجلس على نفس المشروع، موضحًا أن المواقيت الدستورية تختلف عن المواقيت السياسية، وأن دولة القانون تقتضي تعديل الساعة السياسية على الساعة الدستورية لا العكس، مؤكدا أن الفتوق الدستورية عصية على الرتق، خصوصا إذا ما تعلقت بالمواقيت الآمرة، بحسب قوله.
من جهته، اعتبر المقرر العام للدستور وأستاذ القانون والقيادي بحزب النهضة الحبيب خضر، أن رئيس الجمهورية يواصل خرق الدستور بامتناعه عن ختم القانون، مشيرا إلى أن سعيد مدعو لإتمام واجبه والختم ونشر القانون في الجريدة الرسمية للبلاد التونسية.
وكان خضر نشر تدوينات تفسيرية عديدة تفيد بتجاوز الرئيس سعيد للدستور، بوجوب ختم القانون بعد 4 أيام من مصادقة البرلمان على الردّ لأنه لا مجال للطعن بعد الردّ.
بدورها، قالت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم الدريدي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين سوف ترفض الطعن، وذلك لعدم الاختصاص عملا بمقتضيات الفقرة الثالثة من البند 81 من الدستور، التي تنص على أن "يختم رئيس الجمهورية القوانين، ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية في أجل لا يتجاوز 4 أيام من تاريخ انقضاء أجل الطعن بعدم الدستورية في مشروع قانون وقع ردّه من رئيس الجمهورية.
وتابعت كريم، أنه "بعد الردّ والمصادقة بأغلبية معززة كما حصل مع مشروع القانون المذكور يصبح الطعن غير ممكن.
وبينت أنه "بعد صدور قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين تعود مسألة الختم للنقاش من جديد، ورئيس الجمهورية هنا ملزم بالختم وإصدار القانون لأنه اختصاص مقيد فالمضارع في الدستور يفيد الأمر وليس لرئيس الجمهورية خيار في ذلك".
وشددت على أن الرئيس سعيد، سيضع نفسه في حالة خرق فاضح للدستور إذا رفض الختم، إلا أنه وفي غياب المحكمة الدستورية لا مجال لمحاسبته وليس من الممكن محاكمته، وبالتالي يعود مجلس نواب الشعب لمواصلة الانتخاب حسب القانون الأصلي قبل تعديله وتدخل هذه التعديلات في عداد الأموات.
وقالت أستاذة القانون الدستوري، إن سعيد منح لنفسه صلاحيات غير دستورية خاصة أن المحاسبة غائبة تماما، مشيرة إلى أنه مع سعيد فقد الدستور مكانته، وأصبح مجرد برنامج سياسي دون أدنى قوة إلزامية وخصوصا في غياب المحكمة الدستورية التي تعد وحدها المؤهلة لتأويل الدستور.
وأضافت بأن "الامتناع عن الختم كرفض تنظيم موكب أداء اليمين، هو خرق للدستور في مجال اختصاص مقيد لرئيس الجمهورية".