قال الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إنه قد يلجأ إلى إصدار مراسيم خاصة لتنفيذ قرارات محكمة الحسابات فيما يتعلق بالجرائم الانتخابية. وانتقد في وقت متأخر من مساء أمس الإثنين، بطء تعامل القضاء مع تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات التشريعية والبلدية.
وقال سعيّد في اجتماع مع العميد الصادق بلعيد، وأستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ ''هناك تباطؤ حتى تمر الآجال وتُلغى إمكانية إسقاط القائمات، ولا بد من تصوّر جديد.. أليس من العدل أن نرتب الآثار القانونية اللازمة ونختصر الآجال؟ ما قيمة نص قانوني وُضع من قبل عشرات النواب في حين أن تمويلهم تمويل أجنبي؟''.
وتابع قائلا ''ثبتت الخروقات لمحكمة المحاسبات، فماذا ينتظرون؟ أعتقد أنه لابد أن نتخذ إجراءات أخرى في إطار المراسيم''.
وكانت القاضية بمحكمة المحاسبات، فضيلة القرقوري، كشفت في ندوة صحافية، أن المحكمة أحالت أكثر من 30 ملفا على أنظار النيابة العمومية لدى القضاء العدلي المختص، في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2021، تعلّقت بشبهات جرائم انتخابية، على غرار الإشهار السياسي والتمويلات غير المشروعة، داعية في هذا الخصوص إلى "مراجعة الإجراءات والآجال وإيجاد آليات للتنسيق بين مختلف أجنحة القضاء، حتى يكون القضاء ناجزا".
تنص أغلب العقوبات على إسقاط القائمات المستفيدة من تمويل خارجي وخطايا مالية
ولكن إصدار الأحكام يبقى من إختصاص القضاء، وتنص أغلب العقوبات على إسقاط القائمات المستفيدة من تمويل خارجي وخطايا مالية.
وينص الفصل 163 من القانون الانتخابي على أنّه مع مراعاة مقتضيات الفصل 80 من نفس القانون، إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أن المترشح أو القائمة قد حصلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنها تحكم بإلزامها بدفع بخطية مالية تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفا لمقدار قيمة التمويل الأجنبي.
وبمقتضى هذا القانون، "يفقد أعضاء المجلس المتمتعون بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشح لرئاسة الجمهورية المتمتع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدة خمس سنوات". و"يحرم كل من تمت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية من أعضاء قائمات المترشحين من الترشح في الانتخابات التشريعية والرئاسية الموالية".
ولكن مرسوم الأحزاب يمنع في فصله 19 كلّ تمويل مباشر وغير مباشر نقدي أو عيني صادر عن جهة أجنبية. ويبقى السؤال حول ما يريده الرئيس فعليا من وراء هذا التوجه، فإصدار قرارات بإسقاط قائمات حزبية لا معنى له اليوم في غياب البرلمان، وتعويضها يتم عبر انتخابات جزئية لتعويضها، فما الذي يرمي إليه الرئيس تحديداً من وراء هذا التوجه؟
أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، الذي حضر مع الرئيس اجتماع أمس الاثنين، وهو من أكبر داعميه، قال في تدوينة سابقة على صفحته على "فيسبوك"، إن "الأحزاب السياسية التي تمكنت من الفوز في الانتخابات التشريعية بفضل التمويل الأجنبي، وهو ما يمنعه مرسوم الأحزاب و قانون الانتخابات، يجب تطبيق العقوبات اللازمة عليها وهي: فقدان مرشحيها المنتخبين لعضوية مجلس نواب الشعب وحل الحزب".
وإذا ما صدر قرار قضائي نهائي بوجود جريمة انتخابية، فتحال الأحكام على هيئة الانتخابات لتنفيذها، وتضمن إسقاط كل القوائم الانتخابية التابعة للحزب أو الجهة المستقلة المدانة، وهو ما يعني آليا إسقاط عضوية كل نوابها الفائزين بمقاعد في البرلمان.
وكما تقوم الهيئة بإعادة احتساب الحاصل الانتخابي مجددا بعد حذف الأصوات والنسب التي حصلت عليها القوائم المسقطة، وتصعيد القائمات التي تليها.
فهل ينوي سعيد مثلا إعادة تشكيل البرلمان الحالي بعد إسقاط قائمات، أم أن الهدف الحقيقي هو حل هذه الأحزاب أو ضرب مصداقيتها الانتخابية والسياسية أمام الرأي العام، تمهيدا لمرحلة أخرى، أم هي ضغوطات إضافية على القضاء؟
أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، اعتبرت في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "مجال إصدار المراسيم هو مجال محدد في الفصل 65 من الدستور وهو مجال القوانين ولها صبغة القوانين"،
وتابعت "بالتالي الأوامر لا ينبغي أن تتدخل في مجالات غير المجالات التي أعطاها المشرع التأسيسي في الفصل 65 من الدستور، ولذلك فإن محاولة إخراج المراسيم من هذا المجال هي تعد على اختصاصات لم يمنحها الدستور للمشرع ولم يمنحها الأمر 117 لرئيس الجمهورية".
وأوضحت كريم أن "هناك تجاوزا للدستور في مرحلة أولى إذا ما سلمنا بأن الدستور مازال ساري المفعول.. ولكن إذا سلمنا بعكس ذلك فإن هذه المراسيم غير المضبوطة بمجال الأمر، تمثل تعديا على الأمر ذاته الذي أصبح لديه قيمة في عقلية الرئيس أقوى من الدستور باعتبار أن كل ما يوجد في الدستور ويخالف الأمر يتم استبعاده يعني أن هذا الأمر قد تم تجاوزه".
وبينت كريم أن "إسقاط القائمات الانتخابية هو قرار قضائي، فالمحاكم تتدخل في مختلف أطوار التقاضي حتى يتم إسقاط القائمات، ولذلك تجول المسألة في الزمن لأنها تتبع الإجراءات القضائية العادية".
وشددت على أن "إصدار أحكام بمقتضى مراسيم فيه تعد صارخ على اختصاص السلطة القضائية وتعد صارخ على مبدأ الفصل بين السلط، أي أن في ذلك إقصاء لدور القضاء الذي منحه القانون هذا الاختصاص، وإصدار مراسيم في مجال السلطة القضائية هو تعد على السلطة القضائية".
وتساءلت كريم "عن الجدوى اليوم من إسقاط قائمات انتخابية في برلمان معلق بل يعتبره رئيس الجمهورية غير موجود لأن النتيجة الحتمية لإسقاط قائمة هي تعويضها بالقائمة التي تليها وليس إجراء انتخابات سابقة لأوانها".
هل يهدف سعيد إلى حل هذه الأحزاب أو ضرب مصداقيتها الإنتخابية والسياسة أمام الرأي العام، تمهيدا لمرحلة أخرى، أم هي ضغوطات إضافية على القضاء؟
وأضافت "يبدو أن إسقاط القائمات ليس الهدف الأساسي.. فلو رغب في محاسبة متلقي التمويل الأجنبي فيمكن محاكمتهم وتسليط عقوبات على من تلقوا هذه التمويلات من قبل القضاء..".
واستغربت كريم "الذهاب نحو إصدار مراسيم مماثلة خصوصا وأنها غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن" بحسب تعبيرها.
الموضوع أثار جدلا كبيرا في تونس، اليوم الثلاثاء، حيث اعتبر القيادي المستقيل من حركة النهضة سمير ديلو، أن تصريح الرئيس بخصوص تفعيل قرارات محكمة المحاسبات "من قبيل التدخل في القضاء و الضغط على القضاة" حسب قوله.
و أضاف ديلو في تصريح لاذاعة جوهرة أن" رئيس الجمهورية ليس لديه الصلاحيات للتدخل في سير القضايا الجارية" مؤكدا أن تصريحاته مساء أمس "من قبيل التدخل في سير القضايا الجارية بشكل فظ وواضح وسافر".
الدريدي: محاولة إخراج المراسيم من المجالات التي أعطاها المشرع التأسيسي في الفصل 65 من الدستو هو تعد على اختصاصات لم يمنحها الدستور للمشرع ولم يمنحها الأمر 117 لرئيس الجمهورية
وأكد سمير ديلو أن تلويح رئيس الجمهورية باستعمال المراسيم في قضايا جارية "هو شكل من أشكال الجنون التشريعي"، على حد قوله.
وتساءل النائب والمحامي مبروك كورشيد "بعد خطاب رئيس الجمهورية: هل يجوز إسقاط قوائم انتخابية بالمراسيم؟ هل دخلنا مرحلة الدعس والعفس على القوانين؟".
وأوضح في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك"، أن "المشرع لم يحدد أي جهة قضائية مختصة صراحة في القول بإسقاط القائمة، غير أن الاختصاص العام في إسقاط القوائم الانتخابية يعود إلى المحكمة الإدارية وليس إلى محكمة المحاسبات أو إلى محاكم الحق العام بعد صدور قرار قضائي بثبوت التمويل الأجنبي".
وأضاف "اليوم بات الأمر بيد رئيس الجمهورية بمقتضى أحكام الأمر عدد 117 المنظم للسلطة العمومية في حالة الاستثناء، وبغض النظر عن الشرعية لهذا الأمر والمشروعية التي دعت إليه، فإن لرئيس الجمهورية بمقتضى المراسيم أن يقوم حاليا بتعديل أحكام الفصل 163 من القانون الانتخابي؛ إما بالإقحام المباشر فيه أو بنص مستقل يحدد من خلاله الاختصاص في الحكم بسقوط القائمة وطرق الطعن فيه وآجال دخوله حيز التنفيذ".
واعتبر أن "إقحام المراسيم فى إسقاط القوائم التشريعية بصفة مباشرة سيكون خطأ جسيما يضاف إلى أخطاء أخرى كلها ستكون مادة للتأكيد على أخطاء الرئيس التي تمس بالحريات العامة والخاصة".