بعد تفاؤل اليومين الماضيين بخصوص إمكانية حلحلة الأزمة السياسية في تونس؛ عاد الجميع صباح اليوم الخميس إلى المربع الأول، في مشهد أصبح شبيهاً بالبورصة السياسية بسبب حالة التردد والغموض التي تميز كل اللاعبين السياسيين.
وتناقلت الساحة السياسية في تونس خبر موافقة الرئيس سعيد على تعديل حكومي بشروط، بتفاؤل كبير بعد لقائه رؤساء الحكومات السابقين؛ إلا أن مصادر حزبية ونقابية أكدت لـ"العربي الجديد" أن لا جديد في هذا الاتجاه، وأن الرئيس قد يكون تراجع عن هذا الأمر قبل سفره إلى إيطاليا، دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك، مرجحة أن يكون إطلاق سراح رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي، من بينها، وتُنتظر عودته لاستطلاع أجواء الأيام القادمة.
وصباح اليوم الخميس، أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، كمال سعد، أن المنظمة النقابية قررت سحب مبادرتها للحوار الوطني مع رئاسة الجمهورية وعدم التعامل مع رئيس الدولة. وقال كمال سعد في تصريح لإذاعة شمس الخاصة، إن رئيس الجمهورية يُدلي بتصريحات ومن ثم يتراجع عنها.
وإذا ما صح هذا التحول في موقف المنظمة النقابية فإن توازنات المشهد السياسي في تونس ستتغير بشكل كبير، وهو ما يرجح إمكانية تراجع الرئيس سعيد عن تصريحاته.
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، قد شن هجوماً كاسحاً على الرئيس قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وقال للصحافيين قبيل افتتاح مؤتمر نقابي، إن تصريحات رئيس الدولة قيس سعيد التي اعتبر فيها أن الحوار الوطني السابق بقيادة الرباعي ليس وطنياً: "عفواً أخطأت المرمى هذه المرة".
وشدّد الطبوبي على أن "المنظمات الوطنية وطنية غصباً عن كل إنسان، والحوار الوطني قادته قامات كبرى كحسين العباسي ووداد بوشماوي ورابطة حقوق الإنسان وعمادة المحامين... ولا ننتظر شهادة من رئيس الجمهورية أو غيره، ومن يحترمنا نحترمه ومن لا يحترمنا لا نحترمه مهما كان موقعه".
وحول تصريحات رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بشأن محدودية عمل الموظف التونسي والتي قال فيها إن "التونسي يشتغل ربع ساعة فقط"، قال الطبوبي إن "الغنوشي من أسباب البليّة"، داعياً الجميع إلى "احترام أنفسهم، ومن لا يستطع تقديم أي شيء للبلاد فعليه الابتعاد عن المهاترات والغوغائية".
ويشكل هذا الهجوم الحاد من اتحاد الشغل إشارة واضحة إلى متغيرات ممكنة في الأيام القادمة بخصوص الحوار الوطني، خصوصاً أن هناك تياراً داخل المنظمة النقابية يدفع منذ مدة نحو حوار وطني بلا رئاسة الجمهورية، إذا كانت مصرة على موقفها المتأرجح بين قبول الحوار أحياناً ثم التراجع عنه، وهو ما أفقد المنظمة النقابية الكثير من مصداقيتها، بينما يرى آخرون أنه من الضروري إقناع الرئيس، وذهاب جميع الفرقاء إلى حوار يحد من آثار الأزمة السياسية التي تهدد الوضع العام في تونس.
في جانب متصل، كان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد دعا الثلاثاء إلى حوار وطني يقود إلى الاتفاق على نظام سياسي جديد وتعديل دستور 2014، وطالب بحوار وطني يمهد لإصلاحات سياسية من أجل وضع نظام سياسي ونظام انتخابي جديدين، بعد أن "أثبتت التجربة أن التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أديا إلى الانقسام وتعطل السير العادي لدواليب الدولة". وتحدث سعيد عن مرحلة انتقالية تقود إلى تلك التعديلات، معتبراً أن دستور البلاد الحالي مليء بالأقفال.
واعتبرت النائبة عن حركة الشعب، ليلى الحداد، أن "لقاء سعيد مع رؤساء الحكومات السابقين من 2011 الى الآن، خطوة إيجابية تشير إلى أن رئيس الجمهورية منفتح على مختلف التجارب ويريد ممن تحملوا مسؤوليات في الدولة تقييم الوضع وتقديم مقترحاتهم للخروج من الأزمة الخانقة التي تمر بها تونس، وقد تؤدي للإفلاس لو استمر الوضع"، مشيرة إلى أنه "رغم زيارات رئيس الحكومة الحالي المتعددة لعدة دول؛ فإنه لا وجود لمؤشرات إيجابية لانتعاشة خزينة الدولة".
وأوضحت الحداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اجتماع سعيد برؤساء الحكومات إيجابي، وينبئ بوجود حوار جدي وكأنه محاولةً لتشريك الجميع في إيجاد حل والبحث عن حوار"، مضيفة أن "الأزمة يجب أن تحل ولكن الدستور لا يخلو من مطبات وتأويله يبين وجود قراءات متعددة وفراغ قانوني وتشتت بين السلطات الثلاث، والدستور لم يمنح صلاحيات لأي سلطة تشريعية أو تنفيذية، ليكون لها القرار الفصل الذي يخرج تونس من المأزق الذي تمر به"، مشيرة إلى أن "الصراع بين السلطات الثلاث بيّن أن التشتت أدى إلى انهيار الدولة وضعفها، وبالتالي لا بد من مراجعة النظام السياسي وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية".
ولفتت المتحدثة إلى أن "الفشل دائماً يرتبط برئيس الحكومة، وهذا غير صحيح طالما يوجد حزام سياسي، ولكنه لا يتحمل مسؤولية الفشل"، مؤكدة أنه "لا بد من إعادة النظر في تنقيح القانون باتجاه رئاسي معدل، بعد النقاش والحوار طبعاً في اتجاه المراقبة، وتوفير ضمانات عدم التسلط، وكذلك تعديل قانون الانتخابات، وهو يدرس الآن في اللجنة البرلمانية المتخصصة". وأضافت أن "بعض تصريحات قيادات من النهضة تشير إلى السعي لإقصاء رئيس الجمهورية من الحوار ووضع شروط، والإصرار على بقاء رئيس الحكومة، وبالتالي فهي لا تريد حواراً جدياً يكون على مستوى المضامين رغم الفشل الحالي، في حين أن بقية الأحزاب قد ترفض الدخول في حوار بشروط من النهضة".
غير أن أستاذ القانون الدستوري، رابح الخرايفي، قال إن "رئيس الجمهورية إذا كان يتحدث عن تغيير النظام السياسي فذلك من باب الاقتراح فقط، ولا صفة إلزامية لذلك، خاصة أنه ليس اللاعب الوحيد والمؤثر في الساحة السياسية والبرلمانية".
وأكد الخرايفي لـ"العربي الجديد" أن "سعيد يقترح، وهناك الفاعلون السياسيون وهم متناقضون وليسوا على الرأي نفسه، ويرون أن أي طلب يجب أن يمر عبر البرلمان وهناك أيضاً الفاعل النقابي كالاتحاد العام التونسي للشغل، وبعض المنظمات ومكونات المجتمع المدني وغيرها، وكل هؤلاء يتدخلون في هذا الملف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
ولفت إلى أن "تغيير النظام السياسي غير ممكن، لأنه يخضع للمحكمة الدستورية، والعقبة الكبيرة الآن هي عدم وجودها، وبالتالي فالاستفتاء غير ممكن"، مؤكداً أنه "يمكن في المقابل الحديث عن آلية غير موجودة في الدستور، وهي آلية الاستفتاء الاستشاري، بمعنى استفتاء الشعب هل نغير أم لا؟ مبيناً أن هذه الطريقة غير موجودة دستورياً، وأن الاستفتاء لتغيير النظام السياسي معقد ويتطلب تنقيح الدستور.
ورأى الخرايفي أن الرئيس "لا يمكنه اليوم طرح استفتاء لاستشارة الشعب حول تغيير النظام السياسي، مضيفاً أن الآلية الوحيدة تكون عبر مؤتمر وطني أو حوار وطني، ومجلس نواب الشعب يقترح فصلين لتنظيم الحوار ووضع مخرجات له كفرضية سياسيةً قد تتحول إلى قانون"، مبيناً أن الرئيس "عندما تحدث عن تغيير النظام السياسي، وشخصياً قد أتفق معه لو كان بمعنى توحيد السلطة التنفيذية مع وجود رقابة عليها لتجنيب البلاد عودة الاستبداد؛ فهو يتحدث أيضاً عن الاقتراع على الأشخاص وليس على القوائم، وهذا المقترح مجرد أمانٍ بسبب رفض الأحزاب، والرئيس ليس له حزب أو كتل كبيرة، وتغيير النظام يتطلب أغلبية برلمانية".