تتزايد الضغوط الدولية والأممية، ومن منظمات حقوقية عالمية مختلفة، على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، لإنهاء حربه في إقليم تيغراي شمالي البلاد، والمستمرة منذ بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ضد "جبهة تحرير تيغراي"، القوة المهيمنة السابقة على الحكم في البلاد. وتتقاطع تقارير عدة، دولية وأممية، وحتى استقصائية صحافية، لتؤكد ارتكاب القوات الإثيوبية مجازر بحق مدنيي الإقليم، منذ بدء حملتها العسكرية، وتزامناً مع كل "تقدم عسكري" تؤكد أنها حققته على الأرض في المنطقة.
ووفق آخر تقرير صدر أول من أمس الجمعة عن منظمة العفو الدولية، وهو ليس تقريرها الأول حول الموضوع، فإن مجزرة قد أوقعت مئات القتلى من المدنيين في يوم واحد، في منطقة أكسوم، ونفّذها الجيش الإريتري، المتهم من قبل السكان المحليين، بمساندة أديس أبابا في هجومها. ويأتي ذلك في ما يتعقد الصراع الذي لم يُفض إلى حسم عسكري للوضع لأي من الجهتين المتحاربتين، مع تأكيد تقارير عدة أن الحرب في الإقليم ستطول، وقد تتحول إلى حرب عصابات يدفع المدنيون ثمنها بشكل أساسي، قتلاً وتهجيراً، وفي سياق أزمة إنسانية متفاقمة.
وتشي التقارير التي لم تتمخض بعد عن تحقيق رسمي، بأن المجازر التي تجري في الإقليم، تحصل وفق ما يبدو منهجية انتقامية، مع مشاركة إريتريا فيها، وهي العدوة اللدود لـ"جبهة تحرير تيغراي"، وكذلك إقليم أمهرة المجاور لتيغراي. لكن الجديد، أن الضغوط الدولية بدأت تتكثف على أبي أحمد، لا سيما مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، وسط إمكانية أن يقود ذلك إلى "محاصرته" بتحقيق أممي، ودفعه لتقديم تنازلات. في الأثناء، تؤكد أديس أبابا على موقفها الرسمي، وعلى "شرعية" عملها العسكري في الإقليم، فيما لفتت لجنة حقوقية إثيوبية مستقلة إلى أنها تقود تحقيقاً بدورها في الموضوع.
مجزرة مروعة في بلدة أكسوم راح ضحيتها المئات
وقالت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها صدر الجمعة، إن جنوداً إريتريين قتلوا "مئات المدنيين" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في إقليم تيغراي، في مجزرة قد تشكل جريمة ضد الإنسانية. وجمعت المنظمة في تقريرها، شهادات ناجين من المجزرة التي وقعت في بلدة أكسوم التاريخية، شمالي الإقليم. وأكد مدير المنظمة في شرق وجنوب أفريقيا، ديبروس موشينا، أن "الأدلة مقنعة وتشير إلى نتيجة مروعة. القوات الإثيوبية والإريترية ارتكبت جرائم حرب عدة في الهجوم الذي شنّته للسيطرة على أكسوم، بل لقد قتلت القوات الإريترية بشكل منهجي مئات المدنيين بدم بارد، وهو ما يبدو أنه يشكل جرائم ضد الإنسانية". ولفت موشينا إلى أن "هذا العمل الوحشي يعتبر من أسوأ ما تمّ توثيقه حتى الآن في النزاع"، داعياً إلى "إجراء تحقيق عاجل بقيادة الأمم المتحدة" حوله، ومحاكمة المتورطين. كما جدّد دعوة المنظمة "للحكومة الإثيوبية للسماح للمنظمات الإنسانية والحقوقية والإعلامية بدخول تيغراي من دون عوائق".
ووفق التقرير، فإن "العفو الدولية" تحدثت إلى 41 ناجياً، أفادوا بأنه في 19 نوفمبر الماضي، سيطرت القوات العسكرية الإثيوبية والإريترية على أكسوم "في هجوم واسع النطاق، وأدى إطلاق النار العشوائي والقصف إلى قتل وتشريد المدنيين". وأضاف الشهود أنه "في الأيام التسعة التي تلت ذلك، انخرط الجيش الإريتري في عمليات نهب واسعة النطاق لممتلكات المدنيين وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء"، مشيرين إلى أنه كان من السهل التعرف على الجنود الإريتريين من خلال مركباتهم ولغتهم والوشوم التقليدية على وجوههم، كما أنهم أعلنوا صراحة عن هويتهم.
ووقعت أسوأ أعمال العنف وفق الشهود، عندما هاجمت مجموعة صغيرة موالية لـ"جبهة تحرير تيغراي"، قاعدة للجنود في 28 نوفمبر، فردّ هؤلاء بالانتقام من البلدة التي اقتحموها وخلّفوا وراءهم الكثير من الجثث. وقال سكان للمنظمة إن العديد من الضحايا في أكسوم كانوا عزّلاً وأصيبوا بالرصاص خلال فرارهم. وروى شاهد أنه رأى جنوداً أمام منزله يأمرون 6 رجال بالوقوف في صفّ قبل إطلاق النار عليهم من الخلف. وذكرت المنظمة أنها جمعت أسماء أكثر من 240 من الضحايا، لكنها لم تستطع التحقق بشكل مستقل من العدد الإجمالي للقتلى. ومع ذلك، فإن الشهادات والأدلة تجعل من المعقول "تقدير موت المئات".
وتزامن صدور التقرير مع الكشف عن تقرير سرّي للحكومة الأميركية، أفاد بتنفيذ مسؤولين إثيوبيين وعناصر مليشيات عملية تطهير عرقي ممنهجة في تيغراي. ووثّق التقرير الذي كتب في وقت سابق من فبراير/شباط الحالي، نهباً للمنازل وتهجيراً للقرى في الإقليم، وأصبح الآلاف من الأشخاص في عداد المفقودين. وأشار إلى أن مسؤولين ومقاتلين من إقليم أمهرة المجاور دخلوا تيغراي لدعم أبي أحمد. وكانت وزارة الخارجية الأميركية استبقت تقرير "العفو الدولية" الذي قالت المنظمة إنها أطلعت أديس أبابا عليه قبل إصداره، معربة الخميس الماضي، عن بالغ القلق مما وصفته بـ"تقارير ذات مصداقية" حول انتهاكات لحقوق الإنسان في تيغراي، وأكدت أنها "حثّت الحكومة الإثيوبية باستمرار لضمان حماية المدنيين"، مطالبة القوات الإريترية بضرورة الانسحاب من الإقليم "فوراً". من جهتها، أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، عن القلق "إزاء التقارير التي تشير إلى مشاركة القوات الإريترية في الصراع في تيغراي، ومزاعم تورطهم في قضايا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وكان بيان للمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، أليس ويريمو انديريتو، قد ذكر بداية فبراير/شباط الحالي، أن المنظمة الأممية تلقت تقارير عدة حول "عمليات قتل خارج القانون، وانتهاكات جنسية، وسرقة، وتصفيات جسدية جماعية"، في الإقليم، بالإضافة إلى إعاقة وصول المساعدات الإنسانية". بدورها، تحدثت "هيومن رايتس ووتش" في 11 فبراير، عن قصف خارج نطاق القانون نفذه الجيش الإثيوبي ضد المناطق المأهولة بالسكان في تيغراي. وكان تقرير مماثل لـ"العفو الدولية" صدر في 13 نوفمبر الماضي، قد لفت إلى مجزرة أخرى نفذها الجنود الإثيوبيون في بلدة ماي كاديرا جنوب غربي الإقليم، في ليلة 9 نوفمبر، مرجحة "طعن المئات أو تقطيعهم حتى الموت" في البلدة.
أعربت واشنطن عن قلقها البالغ مما وصفته بـ"تقارير ذات مصداقية" حول انتهاكات لحقوق الإنسان في تيغراي
وتزامن تقرير "العفو الدولية" الجديد، مع تحقيق لـ"سي أن أن"، تضمن سرداً لعمليات قتل مروعة وفق شهود، لمجزرة "طاولت كهنة ومسنين ونساء وعائلات بأكملها، بالإضافة إلى 20 تلميذاً"، يتحدرون من بلدة إيداغا هاموس في تيغراي. ونفذ المجزرة جنود إريتريون بحسب الشبكة، في 30 نوفمبر الماضي، في كنيسة ماريام دينغالات في قرية دينغالات القريبة من إيداغا. وروت "سي أن أن" كيف لاحق الجنود الهاربين من الكنيسة إلى منازلهم لقتلهم، مجبرين الأمهات على ربط أيدي أطفالهم قبل تصفيتهم. وقالت الشبكة إن هذه الجريمة استمرت 3 أيام.
وتعليقاً على تقرير "العفو الدولية" الجديد، لفتت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان (هيئة عامة مستقلة)، إلى أنه "يجب أن يؤخذ على محمل الجد"، موضحة أنها "تحقق في هذه المجزرة التي لم تكتمل، لكن قتل خلالها عدد غير معروف من المدنيين على يد جنود إريتريين في أكسوم". لكن وزير الإعلام الإريتري يماني غبريميسكل هاجم المنظمة، واصفاً تقريرها بـ"الكاذب". وأكد غبريميسكل أن بلاده "غاضبة وترفض بشكل قاطع الاتهامات السخيفة الموجهة إليها"، مضيفاً أن المنظمة لم تحاول الحصول على معلومات من أسمرة.
وإقليم تيغراي معزول بعد قطع الإنترنت عنه، ويصعب دخوله منذ بداية النزاع، ما يجعل صعباً تأكيد حصول أعمال عنف أو نفيها. لكن سكاناً محليين وعمال إغاثة ومسؤولين في المنطقة، كانوا وثّقوا لـ"فرانس برس"، وجود القوات الإريترية في إثيوبيا، رغم نفي أديس أبابا وأسمرة. وخاضت إريتريا حرباً حدودية دامية مع إثيوبيا بين 1998 و2000 عندما كانت "جبهة تحرير تيغراي" تهيمن على التحالف الحاكم في البلاد. ويعود حصول أبي أحمد على جائزة نوبل للسلام في 2019، في جزء كبير منه إلى بدئه تقارباً مع إريتريا التي لا يزال رئيسها أسياس أفورقي العدو اللدود للجبهة.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)