يبدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الأحد، زيارة إلى تركيا تستغرق ثلاثة أيام، وتهدف لتعميق أواصر العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة، التي تعد الأولى من نوعها لرئيس جزائري منذ عقود، في سياق من التوترات الدولية التي فرضت على الجزائر البحث عن شركاء دوليين خارج الدائرة التي أحاطت بالجزائر منذ عقود، وفي ظل توجه لافت للجزائر نحو الشرق، بعد سنوات من المبالغة في التوجه نحو الغرب من دون أن تحقق مقتضيات اقتصادية وسياسية جديدة.
وتطرح ثلاثة ملفات رئيسة على أجندة الزيارة، ويأتي ملف العلاقات الاقتصادية، بسبب وجود رهانات اقتصادية مشتركة بين البلدين بالدرجة الأولى، من حيث رغبة الجزائر في الاستفادة من تجربة التنمية التي حدثت في تركيا منذ عام 2002، في مجال المؤسسات المصغرة والتصنيع والزراعة، خاصة وأن الاقتصاد ومنظومة البنى التحتية في الجزائر يعانيان من نفس المشكلات التي كانت تعاني منها تركيا قبل التطور الحالي.
كما ترغب الجزائر في زيادة حجم الاستثمارات التركية التي بلغت خمسة مليارات دولار، تقابلها رغبة تركية حثيثة في البحث عن دول شريكة تكون مرتكزاً قوياً في منطقة شمال أفريقيا والساحل، والشراكة مع أكبر بلد يملك كل المقدرات الاقتصادية كالجزائر، وهو ما يفسر كون الرئيس التركي رجب طيب أردوعان كان أول رئيس أجنبي يزور الجزائر مباشرة بعد انتخاب الرئيس تبون.
وفي السياق، قال المحلل السياسي ورئيس جمعية الجزائريين الدولية، ومقرها في إسطنبول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تطور العلاقات الجزائرية التركية ساهمت فيه الرغبة التركية في العودة إلى الفضاءات التقليدية للجزائر وكذلك الحاجة الاقتصادية الملحة لتركيا لتسويق منتجاتها في مختلف المجالات وحاجتها إلى الطاقة، وبالخصوص الغاز الطبيعي وهذا ما تجسد في أكبر استثمار جزائري في تركيا ممثلاً في الشراكة بين شركة سونطراك للنفط والغاز وشركة رونيسانس بولاية أضنة التركية".
وأضاف "رغبة تركيا في توسيع دائرة حضورها السياسي وضمان مصالحها الاقتصادية وتأمين الأسواق الأفريقية التي افتقدتها من قوى تقليدية نافذة في القارة وعلى رأسها فرنسا تتقاطع مع عودة الجزائر المتصاعدة إلى عمقها العربي والأفريقي وحرصها على تنمية علاقاتها مع دولة".
ملف إلغاء التأشيرات بين تركيا والجزائر
ويأتي ملف العلاقات السياسية في المقام الثاني من حيث رغبة تركية في أن تحسم الزيارة ملف إلغاء التأشيرات بين البلدين، وهو مقترح كان طرحه الرئيس التركي خلال زيارات سابقة قادته إلى الجزائر، إضافة إلى ملف التعاون السياسي والتنسيق الأمني والقضائي بين البلدين، ومراقبة حركة بعض الناشطين والمتشددين الموجودين على الأراضي التركية، خاصة مع زيادة حركة التنقل بين البلدين، إذ تفرض الجزائر رقابة مشددة على الرحلات من وإلى تركيا بسبب تزايد عمليات تهريب الأموال إلى تركيا.
وكانت الجزائر قد عبرت في وقت سابق عن مخاوفها من تسلل عائدين من تنظيم "داعش" الإرهابي إلى الجزائر عبر تركيا، وقد أبدت أنقرة تعاوناً لافتاً في هذا السياق، إذ سلمت الجزائر مطلوبين للقضاء، كان أبرزهم قرميط بونويرة السكرتير الخاص لقائد أركان الجيش الجزائري السابق (الفريق أحمد قايد صالح)، في أغسطس/ آب 2021.
لكن القضايا الاقتصادية وملفات العلاقات الثنائية، التي تطرح في هذه الزيارة في ظرف يعززه توافق سياسي، لا تحجب جملة من القضايا الإقليمية التي تفرض نفسها على أجندة الزيارة والعلاقات الجزائرية التركية، تأتي على رأسها الأزمة في ليبيا، إذ تتقاسم الجزائر الموقف نفسه إزاء دعم إجراء الانتخابات الليبية، بغض النظر عن بعض التباين فيما يخص دعم أنقرة لفتحي باشاغا مقابل رفض الجزائر لحكومته.
كما ترغب تركيا في لعب دور في مالي والنيجر بالتوافق مع الجزائر، خاصة ضد الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، وتساعد الظروف والمتغيرات الإقليمية، خاصة التحسن الكبير للعلاقات التركية مع كل من مصر والإمارات والسعودية، الجزائر أكثر على المضي في تطوير علاقاتها مع أنقرة، وتعفيها من حسابات محاور الاصطفاف عربيا خاصة.
وإضافة إلى مناقشة هذه الملفات، ستكون للرئيس الجزائري لقاءات في أنقرة مع أعضاء وجمعيات الجالية الجزائرية في تركيا، والطلبة الدارسين في الجامعات التركية، للاستماع إلى قضاياهم، فيما سيخصص اليوم الثاني للزيارة غداً الإثنين للمباحثات السياسية مع الرئيس أردوغان والتوقيع المشترك على اتفاقيات اقتصادية وتجارية وفي مجال الطاقة والتعليم العالي.
وينتقل الرئيس تبون الثلاثاء إلى إسطنبول للقاء منتدى رجال الأعمال الأتراك، لعرض فرص الاستثمارات أمام المستثمرين الأتراك والأجانب، والامتيازات التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد الذي تعتزم الجزائر إصداره في 19 مايو/ أيار الجاري.