أثارت حكومة إقليم كردستان العراق جدلا جديدا بشأن المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، بتقديمها مقترحات للتوافق بشأنها، وهو ما قُوبل برفض من قبل الجهات الممثلة لمكونات تلك المناطق، وسط تحذيرات من أي تفاهمات تؤثر على حقوق المكونين العربي والتركماني.
وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ظهرت ما تعرف بـ"المناطق المتنازع عليها"، وهي المناطق المختلطة قوميا، وتطالب أربيل بأن تكون تحت سلطتها، ضمن إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد، وأبرزها كركوك الغنية بالنفط، وزمار ومخمور وسنجار والحمدانية وتلعفر، وصولاً إلى خانقين على مقربة من الحدود العراقية الإيرانية.
وأضيفت مادة بالدستور الجديد عرفت باسم "المادة 140"، تنص على إجراء استفتاء شعبي لسكان تلك المناطق حول رغبتهم بالبقاء مع إدارة بغداد أو الالتحاق بمدن الإقليم، لكن منذ عام 2005، لم تنفذ تلك المادة، لأسباب سياسية وأمنية، أبرزها عمليات التغيير الديمغرافي التي طرأت عليها، وخاصة كركوك التي تسكنها ثلاث قوميات رئيسة هي العرب والتركمان والكرد.
ومنذ استعادة بغداد السيطرة على كركوك نهاية عام 2017 بحملة عسكرية واسعة أبعدت فيها قوات البشمركة عنها، إثر تداعيات تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق، يتولى إدارة المحافظة محافظ عربي وهو راكان الجبوري، إلى جانب قيادة أمنية مشتركة من مختلف القوميات في المحافظة، وتحت إشراف الجيش العراقي، لكن القوى السياسية الكردية وضعت شرط تطبيع أوضاع كركوك وعودة منصب المحافظ إلى القوى الكردية كأحد بنود الاتفاق على تأييد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني.
واليوم السبت، قال ممثل حكومة الإقليم في اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 من الدستور دزوار فائق: "قدمنا مقترحين لتنفيذ المادة 140 من الدستور، الأول تعويض العرب المستقدمين (إلى المناطق المتنازع عليها) بمبلغ 20 مليون دينار عراقي (الدولار يعادل 1448 دينارا)، أو قطعة أرض لا تقل قيمتها عن 20 مليون دينار التي يحصلون عليها مقابل عودتهم (إلى مناطقهم)"، مبينا في تصريح لمحطة إخبارية كردية، اليوم السبت، أن "المقترح الثاني يتعلق بالطلب من الحكومة العراقية تخصيص الأموال اللازمة والانتهاء من مسألة التعويضات خلال عامين".
وأكد فائق أن "فقرة التعويضات في المادة 140 لا تزال عالقة منذ 18 عاماً"، مشيرا إلى أنه "جرت مطالبة وزراتي الزراعة والدفاع العراقيتين بالسماح للفلاحين بالعمل في أراضيهم، وأن توقف وزارة الدفاع الإجراءات التي تتخذها للاستيلاء على الأراضي لمدة عامين لحين حل المشكلة، وإعادة الأراضي إلى أصحابها الحقيقيين".
وتؤكد الأطراف الكردية إحداث تغيير ديمغرافي في تلك المناطق ومنها كركوك، والاستيلاء على أراض تابعة لأكراد فيها، وهو ما تنفيه مكونات كركوك الأخرى (العرب والتركمان).
أبعاد سياسية
من جهته، أكد عضو المجلس العربي في كركوك علي العبيدي أن "المقترحات التي يتحدث عنها الكرد هي ذات أبعاد سياسية ومحاولة لاستغلال الظرف السياسي في البلاد، وعلاقة الكرد مع حكومة بغداد، لتحقيق مكاسب سياسية في كركوك والمناطق المتنازع عليها على حساب العرب والتركمان".
وأضاف العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن "الاتهامات التي توجه للعرب والتركمان بالاستيلاء على أراض لمواطنين كرد في كركوك عارية من الصحة، وهي محاولة منهم لإثارة مشاكل في المحافظة".
وأشار إلى أن "المكونين العربي والتركماني متفقان على الحفاظ على السلم والاستقرار في كركوك، وعدم إثارة النعرات القومية وغيرها، وأن الوضع في المحافظة مستقر حاليا"، مشددا على أن "مقترحات الجانب الكردي تخلق مشاكل في كركوك، وتهدد وضعها السياسي".
ولفت إلى أنه "يجب على الحكومة في بغداد ألا توافق على تلك المقترحات وألا تساوم على ملف كركوك، وأن تحافظ على التركيبة السكانية للمحافظة"، داعيا الى "إشراك ممثلين عن العرب والتركمان من كركوك في أي حوار سياسي بشأن المحافظة، وعدم اتخاذ أي قرار بمعزل عنهم".
وقررت الحكومة العراقية الجديدة، بعد تشكيلها في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إعادة تفعيل اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 من الدستور، والتي يرأسها رئيس تحالف الفتح هادي العامري.
ويعدّ ملف المناطق المتنازع عليها من أعقد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، والتي تثير حساسية المكونات (العرب، الكرد، التركمان) في تلك المناطق، والتي لا تقبل بأي تفاهمات تمس حقوقها، الأمر الذي يعقد إمكانية إبرام تفاهمات جديدة، ويضع تلك المناطق، وخاصة كركوك، على حافة مشاكل وأزمات سياسية.