لاقى تحركان دوليان يتعلّقان بالقضية السورية الخميس الماضي ترحيباً واسعاً لدى أوساط المعارضة السورية من هيئات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وناشطين سياسيين وحقوقيين. كان التحرك الأول على مستوى الأمم المتحدة التي قررت جمعيتها العامة الخميس إنشاء مؤسسة مستقلة معنية بالكشف عن مصير وأماكن وجود المفقودين والمختفين قسرياً في سورية، وتقديم الدعم اللازم لأسرهم. أما التحرك الثاني فجاء أميركياً من خلال إعلان وزارة الخارجية الأميركية في تقرير موجّه للكونغرس عن استراتيجية مكتوبة من أربعة محاور لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات، والاتجار بها، وتعطيل الشبكات التابعة المرتبطة بنظام بشار الأسد في سورية.
على الرغم من أهمية هذين التحركين في تحريك القضية السورية على المستوى الدولي، إلا أن العبرة هي بمخرجات هذه التحركات ومدى تأثيرها بشكل فعلي سواء على الحل السياسي، أو على ملفي المفقودين وتجارة وصناعة المخدرات اللذين حصل التحرك بشأنهما.
إقرار إنشاء مؤسسة مستقلة معنية بالكشف عن مصير وأماكن وجود المفقودين عبر الأمم المتحدة تحرّك مهم، إلا أن المجتمع الدولي يعلم وتقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن معظم المفقودين السوريين هم معتقلون مختفون قسراً في سجون النظام، إذ تبلغ نسبة المعتقلين 86 في المائة من مجموع المفقودين المسجلين والذين يبلغ عددهم نحو 156 ألف مختفٍ قسرياً.
وهؤلاء المعتقلون يتعامل معهم النظام كورقة سياسية في جميع مفاوضاته، ولم يقدم منذ نحو 12 عاماً إلى الآن أي معلومة بما يخص أماكن احتجازهم أو حتى مصيرهم على الرغم من كل الضغوط الدولية التي مورست عليه، وعلى الرغم من وجود ملف المعتقلين ضمن أجندات كل مسارات الحل السياسي، وتوثيق قتل 11 ألفاً منهم تحت التعذيب، وصدور "قانون قيصر" الأميركي، بعد كشف تلك الصور. إلا أن النظام لم يستجب لأي من هذه العقوبات والضغوط، ولم يتحقق أي تقدّم بملف المختفين قسراً، الأمر الذي يحوّل عمل المؤسسة المزمع إنشاؤها للمفقودين إلى مجرد لجنة لجمع بيانات المفقودين من ذويهم، بالإضافة إلى بعض برامج الدعم النفسي لذوي المفقودين والتي عادة تكون بلا جدوى.
أما ما يخص استراتيجية واشنطن في مكافحة مخدرات الأسد، والتي تتضمن أربعة محاور، فإنها تقوم على عدم التدخّل العسكري للقوات الأميركية في سورية بهذا الموضوع، والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية والدعم اللوجستي للدول المجاورة. هذا الأمر يجعل من كل تلك التحركات الدولية غير ذات جدوى لأنها تدور حول المشكلات من دون أن تعالج أسبابها، فمؤسسة للمفقودين بلا محاسبة من يعتقلهم، واستراتيجية لمحاربة المخدرات من دون محاسبة مصنعها، هي إجراءات بلا معنى.