حدّد رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، يوم الخميس المقبل موعداً لعقد مجلس النواب جلسة ثانية لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مانحاً القوى السياسية مهلة أسبوع لحسم خياراتها، بعكس الدعوة الأولى التي أتت مباغتة وحاصرتهم في ثمان وأربعين ساعة للتشاور.
وفشل مجلس النواب في الجلسة الأولى، التي عقدت يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، في انتخاب رئيس للجمهورية، بعد عدم تمكّن أي مرشح من تأمين غالبية الثلثين من أصوات النواب، أي ما يعادل 86 نائباً من أصل 128، وذلك في الدورة الأولى التي شارك فيها 122 نائباً، في حين ختم رئيس البرلمان الجلسة بعد إسقاط كتلته النيابية وحلفائه نصاب الدورة الثانية بمغادرتهم القاعة، مؤكداً أنه لن يدعو إلى جلسة ثانية قبل حصول نوع من التوافق السياسي.
وقال بري عند ختمه الجلسة: "إذا لم يكن هناك توافق وإذا لم نكن 128 صوتاً، فلن نتمكّن من إنقاذ لا المجلس النيابي ولا لبنان".
وخاض فريق المعارضة، على رأسه أحزاب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، و"التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط، وبعض المستقلين، المعركة الرئاسية بالمرشح النائب ميشال معوض (نجل الرئيس الأسبق رينيه معوض الذي اغتيل في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1989)، الذي حاز 36 صوتاً.
في المقابل، حازت "الورقة البيضاء" 63 صوتاً، أبرزهم يمثلون "حزب الله" و"حركة أمل" (برئاسة نبيه بري)، و"التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر عون) وحلفائهم، في ظلّ عدم توافقهم رسمياً على مرشح واحد، مع العلم أن المتقدِّم الأبرز في هذا الحلف هو رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي أعلن صراحة ترشحه للرئاسة، وللمرة الأخيرة في حال عدم فوزه، بينما صوّت نواب تكتل "التغييريين" للمرشح سليم إده (رجل أعمال ونجل الوزير الراحل ميشال اده)، الذي حاز 11 صوتاً، مع اعتذار النائبين نجاة صليبا وإبراهيم منيمنة عن عدم الحضور.
كذلك، صوّت 10 نواب بورقة كتب عليها "لبنان"، وصوّت أحد النواب بورقة كتب عليها "نهج رشيد كرامي"، فيما وضع أحد البرلمانيين في الصندوق اسم الشابة الإيرانية مهسا أميني، التي فجّرت وفاتها احتجاجات إيران، وذلك في رسالة إلى حزب الله، ومن خلفه النظام الإيراني.
ومن الأسماء التي أعلنت رسمياً ترشحها لرئاسة الجمهورية، حفيدة الرئيس الأسبق كميل شمعون، ترايسي شمعون، وهي مناهضة لحزب الله، ورجل الأعمال زياد حايك، والكاتبة المدافعة عن حقوق المرأة مي الريحاني، وكذا رجل الأعمال سايد بطرس، ورئيس حزب الإنقاذ البيئي بشارة أبي يونس، كما انضم حديثاً إلى القائمة الباحث الاقتصادي المعارض للمنظومة السياسية إيلي يشوعي.
وتؤكد معظم الأحزاب السياسية أن شيئاً لم يتغيّر منذ الجلسة الأولى حتى اليوم، خصوصاً على مستوى المرشحين، بحيث يتمسّك للحظة هذه فريق المعارضة بمرشحه النائب ميشال معوض، فيما لم يتمكن "حزب الله" من جمع حلفائه على اسم واحد، وتحديداً التوافق حول المرشح سليمان فرنجية، الذي يرفض "التيار الوطني الحر" منحه صوت تكتله النيابي، لتبقى الورقة البيضاء هي الأكثر تقدماً.
ويواصل تكتل التغييريين، بحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، مشاوراتهم لاختيار مرشحهم، مع احتمال تغيير خيارهم الأول سليم إده، الذي انتقاه النواب من بين قائمة ضمت عدداً من الشخصيات السياسية، التي تحوز المواصفات الرئاسية.
وأثبتت الجلسة الأولى، كما كل الاستحقاقات الرئيسية في لبنان، أن التسويات السياسية تغلب منطق اللعبة الديمقراطية، بحيث إن أي جلسة لن تصل إلى خواتيمها من دون التوافق المسبق على اسم الرئيس، لا سيما أن الانتخابات النيابية الأخيرة أنتجت برلماناً ذا تلاوين متعددة، ولم تمنح فريقا أو حلفا سياسيا الأكثرية الصريحة لفرض رئيسٍ.
يقول النائب في كتلة بري "التنمية والتحرير" قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن الدعوة أتت قبل أسبوع، وبالتالي في سياق حثّ الفرقاء السياسيين على إمكانية التوافق أو تسريع الخطى نحو التوافق لحين موعد الجلسة، خاصة أن أكثرية القوى أبدت رغبتها في التوافق بعد أكثر من موقف على المستوى الوطني العام، من هنا فتح الرئيس بري الباب للإسراع في التوافق.
ويشدد النائب على" أننا توّاقون للوصول إلى توافق حول شخصية تحمل المواصفات التي عبّر عنها الرئيس بري، وتحظى بالدرجة الأولى بالإجماع الوطني أو شبه الإجماع الوطني، وتكون قادرة على التواصل والحوار داخلياً وخارجياً، ونحن كفريق سياسي لدينا خياراتنا وقناعاتنا ورؤيتنا".
ويلفت هاشم إلى أن فرنجية يملك مواصفات متقدمة مقارنة مع غيره، ولكن أي مرشح يجب أن يحظى بشبه إجماع للفوز، مشيراً في المقابل إلى أنه لا يمكن أن تُطرح أسماء بعيدة عن روحية التوافق أو تشكل تحدياً أو استفزازاً.
من جانبه، يقول النائب عن التيار الوطني الحر جيمي جبور، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أسبوعاً حتى انعقاد الجلسة، وفي حال توفرت معطيات جديدة، فقد نتّجه إلى تسمية مرشح معيّن يتوافق مع خطابنا السياسي ومبادئنا الوطنية، وإلا فسنكون أمام ورقة بيضاء جديدة.
ويأمل جبور أن "يحصل التوافق وتكون الأجواء أكثر إيجابية في الجلسة الثانية لتستمرّ ويكتمل النصاب ونصل إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد"، مشيراً إلى أن الانتخابات الرئاسية تحتاج إلى توافق سياسي، أما السقوف العالية في الخطابات فهي تدعم الفراغ بشكل مباشر أو غير مباشر.
بدوره، يقول النائب في الحزب التقدمي الاشتراكي بلال عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "شيئاً لم يتغيّر منذ الجلسة الأولى حتى تغيير مرشحنا ميشال معوض، ولكن طبعاً تكتلنا اللقاء الديمقراطي سيجتمع ويستمع لتوجيهات جنبلاط، ويتخذ الموقف بناءً على اتصالات مع باقي القوى السياسية".
ويرى عبد الله أنه في الجلسة الأولى، حاول كل فريق أن يظهر قوته، لكن الخلاصة الأساسية والأهم أن لا فريق قادر وحده على تأمين نصاب الثلثين، ومن هنا تنبع ضرورة التفتيش عن مساحات مشتركة، وتفعيل الحوار.
وقال رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، إن "هناك مؤشرات غير مشجعة في الموضوع الرئاسي، منها تحديد الجلسة المقبلة يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، وهذا الأمر يدل على عدم الجدية، وفيه استهتار بالشهداء"، في تصريح يضع علامات استفهام حول ما إذا كان تكتل باسيل النيابي سيحضر الجلسة الثانية، في وقتٍ تتجه الأنظار فيه إلى النصاب القانوني، وسط ترجيحات بعدم تأمينه.
واقترح باسيل عقد حوار وطني حول الانتخابات الرئاسية، يمكن لعدد من المرجعيات القيام به، على رأسها رئيس الجمهورية "حيث بدأت تردنا دعوات إلى الخارج، بينما الأفضل أنّ نتحاور داخلياً"، مشدداً على "أننا لا نلمس جدية حتى الآن بالموضوع الرئاسي".
وجدّد باسيل التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة لتشكل ضماناً في حال حدوث الشغور الرئاسي، مكرراً أن حكومة غير مكتملة المواصفات لا يمكن أن تحلّ محل الرئيس.
وخلال مؤتمر صحافي عقده، اليوم الخميس، حول "الأوليات الرئاسية"، أشار باسيل إلى أنّه في الوقت الذي تتبارى فيه القوى السياسية في تحديد مواصفات المرشح لرئاسة الجمهورية، فإن التيار الوطني يقارب استحقاق الرئاسة الأولى انطلاقاً من مفهومه للدستور ولدور الرئيس وموقعه.
وشدد على "أننا نقارب الاستحقاق الرئاسي من زاوية الملفات لا المواصفات، فميزات الشخص على أهميتها ليست هي الأساس"، وذلك في معرض عرضه رؤية التيار للأولويات الرئاسية في السياسة الخارجية والدفاعية، والتوازن الوطني والشراكة، ومعالجة الانهيار، وفي الإصلاح الإداري والسياسي، وكذا في القضاء، وفي الثروة الوطنية والأمان والاستقرار والازدهار.
وأشار باسيل إلى أن الورقة التي تتضمن هذه الرؤية "سنعممها على عدد من الكتل والمرجعيات، التي ستكون قاعدة نقاش بيننا وبين أي مرشح"، معلناً "أننا سنزور بكركي"، مقرّ البطريركية المارونية، لتسليمها للبطريرك بشارة الراعي.
يُذكر أن تاريخ الجلسة الثانية للانتخاب يصادف ذكرى أحداث 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1990 في لبنان، وهو اليوم الذي هاجم فيه جيش النظام السوري قصر بعبدا، الذي سقط فيه عشرات العسكريين اللبنانيين، فانتقل عون وعدد من مساعديه إلى السفارة الفرنسية طالبين اللجوء السياسي، كما طلب من الجيش أخذ الأوامر من الرئيس الأسبق إميل لحود، وغادر عون منفياً إلى باريس قبل عودته عام 2005.
وقد اتُهم عون، الذي كان قائداً للجيش وقتها، بأنه هرب من قصر بعبدا تاركاً وراءه الجيش اللبناني، بينما تتعدد الآراء في لبنان حول هذا اليوم، بين من يعتبره انتصاراً ونضالاً، وهم فريق عون، وبين معارضيه، الذين يضعونه في خانة اليوم الأسود من تاريخ البلاد والأمجاد الباطلة.