أصدر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين، مساء اليوم السبت، بياناً حول وضع القضاء التونسي، دعا فيه رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية بكامل مكوناتها إلى احترام استقلال السلطة القضائية.
وجاء في البيان: "في سياق الضغوطات الكبيرة وغير المسبوقة التي يتعرض لها القضاء، على أثر الإيقافات والتتبعات التي شهدتها البلاد في المدة الأخيرة، والتي شملت نشطاء سياسيين، وقضاة، ومحامين، ونقابيين، وصحافيين، وإعلاميين، وما صاحبها من تهديد ووعيد موجه للقضاة المتعهدين بتلك الملفات، من رئيس الجمهورية، أعلى هرم الدولة، ومن بعض الصفحات والناشطين على شبكة التواصل الاجتماعي المساندين والداعمين له".
ولفت البيان إلى "ما آل إليه الأمر من منعرج خطير تمثل في اتخاذ رئيس الجمهورية قرار إيقاف أحد قضاة التحقيق الأول بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب عن العمل، وإغلاق مكتبه بعد تغيير أقفاله، وإحالته على المجلس المؤقت للقضاء العدلي، تمهيداً لإعفائه على خلفية أحد الملفات القضائية التي تعهد بها في الأسابيع الأخيرة، في خضم حملة الإيقافات، وباشرها دون إصدار بطاقة إيداع في حق المظنون فيه، بغاية معاقبة القاضي المعني، وإشاعة الخوف والرعب في أوساط غيره من القضاة، وحملهم جميعاً على الانصياع الكامل إلى أوامر وتعليمات السلطة التنفيذية المباشرة في ما يعرض عليهم من قضايا".
وجدّد المكتب تأكيد "الدور الكبير والمحوري الموكول للقضاء، بمختلف أصنافه وأجهزته، في مكافحة جميع مظاهر الفساد، وكل أنواع الجرائم مهما كانت طبيعتها ومصدرها، ومهما كانت صفة مرتكبها، في نطاق التطبيق السليم للإجراءات والاحترام الكامل لمبادئ المحاكمة العادلة".
ونبّه إلى "الخطورة الكبيرة التي تكتسيها تصريحات وخطابات رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) تجاه القضاة بخصوص القضايا المعروضة عليهم، لما تمثله من تدخل مباشر وصريح في سير الأبحاث، وفي الإجراءات المتبعة فيها، ومن انتهاك واضح وصارخ لمبدأ التفريق بين السلطة، ومعايير المحاكمة العادلة، واستقلال السلطة القضائية، عماد دولة القانون".
ودعا المكتب رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية، بكامل مكوناتها، إلى "احترام استقلال السلطة القضائية، واحترام اختصاصاتها وصلاحياتها الدستورية والقانونية، والكف عن التدخل في أعمال السادة القضاة، وفي ما تعهدوا به من ملفات بأي وجه من الوجوه، والامتناع عن كل خطابات التهديد والوعيد تجاههم، لما يمثله ذلك من ضغط سياسي عليهم يتنافى كلياً وطبيعة عملهم، الذي يستند بالأساس إلى التطبيق السليم للقانون والإجراءات، وحماية الحقوق والحريات، ومبادئ وضمانات المحاكمة العادلة في كنف الحياد التام، لا على تعليمات السلطة التنفيذية ورغباتها".
وطالب المكتب وزارة العدل والسلطة التنفيذية بـ"الكف عن جميع الإجراءات الانتقامية ضد القضاة، وعن استعمال جهاز التفقدية العامة بغاية هرسلتهم والتنكيل بهم على خلفية قراراتهم واجتهاداتهم القضائية المتخذة بكامل الاستقلالية".
وجدّد المكتب الدعوة إلى كل القضاة، وخاصة منهم قضاة السلسلة الجزائية، "رغم هذه الظروف غير المسبوقة، إلى التمسك باستقلالهم وحيادهم في أدائهم لرسالة القضاء بكامل النزاهة، والتحلي بالشجاعة والجرأة، وبالتطبيق السليم للقانون على الجميع، وعدم الالتفات لما قد يبلغهم من تهديدات، أو ضغوطات، أو تعليمات مباشرة أو غير مباشرة مهما كان مصدرها، تفعيلاً لمبادئ المحاكمة العادلة، وإعلاءً لقيم دولة القانون، وحمايةً لحقوق المواطنين والمتقاضين، وحرياتهم".
واستغرب المكتب "سياسة الصمت المطبق واللامبالاة التي ينتهجها المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، تجاه الوضع الخطير والمزري الذي آلت إليه السلطة القضائية بتجريدها من كامل مقومات استقلالها منذ إعفاء القضاة بصفة منفردة من السلطة التنفيذية، خارج مبادئ وإجراءات وضمانات المساءلة العادلة والنزيهة".
وطالبت الجمعية المجلس الأعلى المؤقت للقضاء بـ"الخروج عن صمته الطويل، والانفتاح على محيطه، ولعب دوره في الحفاظ على استقلال القضاء، وفق نص اليمين الذي أداه أعضاؤه، وحماية القضاة من كل التهديدات والتعديات التي تطاولهم، والتصدي لكل الإجراءات التعسفية التي تستهدفهم وتمس استقلالهم واستقلال قراراتهم".
ودعت الجمعية جميع المنظمات الوطنية والدولية، وكل مكونات المجتمع، إلى "الوقوف إلى جانب القضاء المستقل، وحماية القضاة المستقلين الذين يعملون تحت وطأة سيف الإعفاء، من كل ما يتعرضون له من ضغوطات وترهيب، وما يلحقهم من إجراءات تعسفية تستهدفهم بغاية إشاعة الخوف في صفوفهم، والتأثير على قراراتهم وتطويعهم، بقصد دفعهم إلى تطبيق التعليمات بما يؤول إلى تقويض سلطة قرارهم المستقل في التطبيق السليم للقانون، وحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك أياً كان مصدره".