جمع السلاح في سورية... فصائل الشمال الشرقي والجنوب تعقّد مهمة الإدارة الجديدة

10 يناير 2025
عناصر من "قسد" في الحسكة، 26 يناير 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في الشمال الشرقي لسوريا، تضع قوات سوريا الديمقراطية شروطًا صعبة لجمع السلاح، مثل الاعتراف بالإدارة الذاتية، وتخشى من عملية عسكرية تركية، بينما تتلقى دعمًا من الولايات المتحدة وفرنسا، مما يعقد المفاوضات.

- في الجنوب، تتعقد الأمور مع محاولات إسرائيل للتدخل، وترفض الفصائل المحلية تسليم السلاح، مفضلة الحوار لتجنب التصعيد، ويطالب الفصيل المدعوم من الإمارات بتشكيل وزارة دفاع وجيش وطني.

- في السويداء، تتجه الفصائل نحو تشكيلات موحدة استعدادًا للانخراط في الجيش الوطني، مؤكدين على وحدة الأرض السورية ورفض المشاريع ذات البعد المناطقي أو المذهبي.

تواصل الإدارة الجديدة جمع السلاح في سورية في مناطق عدة، لكن الأمر لم يصل بعد إلى الفصائل المحلية في جنوب البلاد وشمالها الشرقي بعد. ففي الشمال الشرقي هناك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ذات الصبغة الكردية، وخاصة لجهتي القيادة والتوجيه، والتي تضع شروطاً تبدو أنها غير قابلة للتحقيق، لعل أبرزها بقاء سيطرتها في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة وبعض ريف حلب، مع الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" التي أنشأتها "وحدات حماية الشعب" الكردية. ورغم أن "قسد" رفعت علم الثورة والاستقلال عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي إلا أنها لا تزال عند موقفها الرافض تسليم المناطق التي تسيطر عليها، وهي الأغنى في سورية بالثروات، إلى الإدارة الجديدة.

وفي تصريحات صحافية نشرت أول من أمس الأربعاء، كشف قائد "قسد" مظلوم عبدي أن لقاء، وصفه بالإيجابي، جمع قيادتي قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الجديدة في سورية نهاية ديسمبر/ الماضي في دمشق لكنه لم يتطرق إلى موضوع جمع السلاح في سورية. وأكد أنه تم الاتفاق في الاجتماع على رفض "أي مشاريع للتقسيم" تهدد وحدة البلاد، مؤكداً دعمه لـ"مساعي الإدارة الجديدة لأن يكون هناك استقرار في سورية من أجل تهيئة الأجواء لحوار بناء بين السوريين"، مطالباً الإدارة الجديدة بالتدخل من أجل وقف إطلاق النار في عموم سورية. ولا تزال "قسد" تتخوف من عملية عسكرية واسعة من قبل الجانب التركي ضدها، لذا تحاول قدر الإمكان تجنب هذا السيناريو، وهو ما يفرض عليها تقديم تنازلات كبيرة، يبدو أن تياراً داخل هذه القوات يرفض حتى اللحظة تقديمها.

وأبدت إلهام أحمد الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، في تصريحات صحافية أول من أمس الأربعاء، الاستعداد لأن تتولى الولايات المتحدة وفرنسا مسؤولية تأمين المنطقة الحدودية في شمالي شرق سورية. وتتلقى قوات سوريا الديمقراطية دعماً من الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما يجعلها تتشدد في شروطها للتوصل لتفاهمات مع الإدارة الجديدة حول مصير الشمال الشرقي من البلاد. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، قبل أيام، أن باريس لن تتخلى عن قوات سوريا الديمقراطية. ولكن من المستبعد قبول تركيا وجود قوات أجنبية على حدودها الجنوبية، ولا سيما أنها هددت أكثر من مرة بدفن المقاتلين الأكراد في سورية مع أسلحتهم إذا لم يسلموها إلى الإدارة الجديدة في البلاد.

إبراهيم مسلم: إذا انضمت قسد إلى الجيش السوري القادم سيبقى السلاح لديها لحماية المنطقة من الإرهاب

تعقيدات جمع السلاح في سورية

وتناور هذه القوات كي تحصل على القدر الأكبر من مطالبها، وخاصة لجهة الاعتراف بها جزءا من المنظومة العسكرية للبلاد، فضلاً عن التشارك في الثروات، والحقوق الثقافية للأكراد السوريين، والاعتراف بهم في الدستور المقبل. ولكن هوامش المناورة تبدو محدودة في ظل رفض أنقرة لأي وجود عسكري في شمال شرقي سورية ذي صبغة كردية. وتأمل أنقرة بتغيّر الموقف الأميركي بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة في 20 يناير الحالي حيال هذه القوات يسمح لها بتقويضها عسكرياً. وبيّن المحلل السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك مفاوضات بين "قسد" والإدارة الجديدة في دمشق، و"إذا انضمت قسد إلى الجيش السوري القادم سيبقى السلاح لديها لحماية المنطقة من الإرهاب". ووفق مسلم، فإن الشمال الشرقي من سورية يتعرض لتهديد واضح من قبل فصائل "الجيش الوطني"، الموالي لتركيا، "لذا من المفترض على إدارة العمليات العسكرية جمع السلاح في سورية من كل الأطراف".

فصائل الجنوب

وفي جنوب سورية، لا يبدو المشهد أقل تعقيداً، حيث تحاول إسرائيل خلط الأوراق هناك، عبر التوغلات في ريفي درعا والقنيطرة متجاوزة اتفاق فك الاشتباك الذي يعود إلى 1974، في خطوة يبدو الهدف منها "التشويش" على الإدارة الجديدة في دمشق. ورغم تأكيد الإدارة الجديدة على ضرورة جمع السلاح في سورية لا تزال الفصائل والمجموعات في محافظتي درعا والسويداء ترفض عملياً تسليم السلاح للسلطة الجديدة، التي وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع هذا التحدي الكبير، لذا تُفسح المجال للتحاور والتفاوض لتفادي أي عمل عسكري من شأنه تأزيم الأوضاع في جنوب البلاد. واستحوذت هذه الفصائل، سواء في درعا أو السويداء، على سلاح ثقيل ومتوسط من المراكز العسكرية والمطارات التي كانت تابعة لقوات النظام المخلوع بُعيد انسحابها منها في السابع من ديسمبر الماضي.

فايز الأسمر: رفض تنفيذ أوامر السلطة الجديدة يعتبر تمرداً

وطلبت إدارة العمليات العسكرية في سورية، أمس الخميس، من جميع من يحمل السلاح في محافظة القنيطرة تسليمها، في مهلة أقصاها اليوم الجمعة. واعتبر المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عدم تسليم فصائل الجنوب للسلاح موقف "لا ينم عن وطنية"، مضيفاً: رفض أوامر السلطة الجديدة وعدم الانصياع لها يعتبر تمرداً عليها، وهذا ما سيشجع أو شجع فصائل ومجموعات أخرى مسلحة على سلوك نفس الطريق، وأقصد هنا فصائل السويداء ومليشيا "قسد". وتابع: على إدارة العمليات عدم الرضوخ لأي فصيل لا يلتزم ويسلم سلاحه وعتاده للدولة، وعدم السماح مطلقاً بوجود سلاح منفلت خارج إطار الشرعية والتصرف الحازم والسريع تجاه هذا الأمر.

وبنظرة على المشهد العسكري في محافظة درعا، يظهر أن الفصيل الذي يقوده أحمد العودة، وهو قيادي سابق في "الجيش السوري الحر"، هو من الأكثر تأثيراً. وكان الفصيل يسمّى بـ"اللواء الثامن" قبل سقوط نظام الأسد، ويضم المئات من الشباب الذين كانوا في صفوف المعارضة، وأجروا تسويات مع النظام، بقوام يصل إلى نحو 1500 مقاتل يتمركزون في عدة مناطق في درعا، وخاصة في ريفها الشرقي، وكانوا أول الداخلين الى دمشق فجر الثامن من الشهر الماضي. ويتم التداول على نطاق واسع أن الرجل يندرج ضمن نفوذ دولة الإمارات.

 خالد محاميد: الهيكلية الجديدة لوزارة الدفاع غير سليمة وهو ما خلق حالة من عدم الثقة

وإلى جانب هذا الفصيل، هناك مقاتلون محليون يتبعون اللجان المركزية التي كانت موجودة قبل سقوط النظام، فضلاً عن وجود لهيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى أقل تأثيراً. وشكلت هذه الفصائل والمجموعات غرفة عمليات الجنوب التي ترفض حتى اليوم حل نفسها قبل "تشكيل وزارة دفاع وجيش سوري وطني"، بحسب الناطق باسمها العقيد نسيم أبو عرة، الذي قال، في تصريحات لتلفزيون سوريا، الأربعاء الماضي: "ما زلنا بانتظار طرح عملي من الإدارة الجديدة في دمشق لرؤيتها والآليات التي ستتبعها لإنشاء الوزارة لمناقشتها". من جانبه، قال رجل الأعمال خالد محاميد، وهو شخصية متنفذة في محافظة درعا، وعلى علاقة وثيقة مع فصيل "اللواء الثامن"، وقائده أحمد العودة، ومجمل الفاعليات في محافظة درعا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الهيكلية الجديدة التي اعتمدتها الإدارة الجديدة بما يخص وزارة الدفاع "غير سليمة وهو ما خلق حالة من عدم الثقة".

وأضاف المحاميد، المقيم في الامارات: "وضعوا على رأس الوزارة قياديين في هيئة تحرير الشام ما يعني تشكيل جيش من لون واحد، وهو ما يخيف الآخرين. وتابع: يجب إعادة النظر في هذا الأمر وتشكيل جيش وطني لحماية البلاد. الدولة تبنى على الكفاءات ولا يجوز منح رتب عسكرية لمدنيين. وأشار إلى أن هناك ضباطاً منشقين من رتب عالية "لذا على الإدارة الجديدة مراجعة نفسها على هذا الصعيد لتعطي تطمينات أكثر للسوريين".

وعلى الأرض، دخل، أمس الخميس، رتل تابع إلى إدارة العمليات العسكرية إلى مدينة طفس غربي درعا، وأقام نقطتين أمنيتين، فيما نشرت صفحات محلية صوراً ترصد عمليات تسليم السلاح في مدينة الصنمين شمال درعا لإدارة الأمن العام، وهو ما يعكس رغبة شعبية في التخلص من الحالة الفصائلية وجمع السلاح في سورية، وفق ناشطين محليين. وفي محافظة السويداء المجاورة، هناك العديد من الفصائل، لعل أبرزها "حركة رجال الكرامة"، و"شيخ الكرامة"، و"لواء الجبل". وتؤكد فصائل الجنوب السوري رفضها المطلق لأي مشاريع ذات بُعد مناطقي أو مذهبي، وتقول إنها تنتظر خطوات أكثر جدية في طريق تشكيل جيش وطني تسلمه السلاح الذي يُستخدم حالياً لـ"حماية الأهالي"، وفق هذه الفصائل.

تشكيلات أكثر انضباطاً

وبيّن الناشط الإعلامي المتابع للمشهد الفصائلي في السويداء منيف رشيد، لـ"العربي الجديد"، أن "كبرى الفصائل في السويداء اتجهت لتشكيلات أكثر انضباطاً من خلال توحدها في تشكيلين كبيرين، ودعوة الفصائل الصغيرة للالتحاق بها"، معتبراً أن هذه التشكيلات الجديدة "هي المقدمة اللازمة للانخراط بالجيش الوطني". وأضاف: بكل تأكيد نراقب التعيينات الحالية والترفيعات والرتب الجديدة في الجيش بكثير من القلق والخيبة في بعضها، فقد تجاوزت التعيينات اللون الواحد إلى تعدد الجنسيات، وهذا لا يدل على جيش وطني، ويبعث على التساؤل وحتى الشك في ماهية الجيش وأهدافه ليصبح القلق والشك أمرا مشروعا.

وكان فصيلا "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" أعلنا، في بيان الثلاثاء الماضي، اندماجهما واستعدادهما للانخراط في الجيش الوطني ضمن هذه الشروط. كما أُعلن أول من أمس الأربعاء اندماج ثلاثة من الفصائل المعروفة، وفي مقدمها "شيخ الكرامة" الذي يقوده ليث وحيد البلعوس، في تشكيل واحد، أكد في بيان الحرص على "وحدة الأرض السورية والمصير السوري ضمن حكومة وحدة وطنية ودستور وطني لا يميز بين المواطنين في الانتماء الديني والعرقي والطائفي".