استمع إلى الملخص
- الجولة تعكس محاولة الصين لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي في مواجهة التوسع الأمريكي وتطويق نفوذها، وتسعى لاستمالة دول المنطقة وتعزيز التعاون والثقة المتبادلة، خاصة في ظل وجود نزاعات بحرية.
- تشير الجولة إلى رغبة الصين في تجاوز التوترات السابقة مع أستراليا واستكشاف فرص جديدة للتعاون، وتواجه تحديات في تأمين مصالحها الإقليمية مع ماليزيا والغرب، مما يدفعها لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
يبدأ رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، اليوم الخميس، جولة خارجية تشمل نيوزيلندا وأستراليا وماليزيا، ومن المقرر أن يعقد اجتماعات مع مسؤولين من الدول الثلاث ويتبادل معهم وجهات النظر في القضايا الثنائية والدولية. وتكتسي جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية طابعاً تجارياً، لكون جميع الدول المضيفة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للصين في إطار الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي أكبر اتفاقية تجارية بين دول آسيا والمحيط الهادئ. كذلك تحمل جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية، وفق مراقبين، أبعاداً سياسية، لها علاقة بمحاولات بكين استمالة دول الجوار الإقليمي، في ظل التوسع الأميركي في المنطقة وسعي واشنطن المستمر لتطويق الصين وتأجيج صراعاتها مع جيرانها، خصوصاً الذين لديهم نزاعات بحرية معها.
جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في إفادة صحافية أمس الأربعاء، أن جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية ستشمل نيوزيلندا وأستراليا وماليزيا خلال الفترة من 13 إلى 20 يونيو/ حزيران الحالي. وخلال زيارته لأستراليا، سيشارك رئيس مجلس الدولة الصيني (أي رئيس الوزراء) في رئاسة الاجتماع السنوي التاسع لقادة الصين وأستراليا مع رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز. وفي نيوزيلندا، سيجتمع لي مع قادة البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون، لتبادل وجهات النظر في العلاقات الثنائية وكذلك القضايا الإقليمية والعالمية ذات الاهتمام المشترك. وقال لين جيان إن بكين تأمل من خلال جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية تعزيز الاتصالات وتعزيز الثقة المتبادلة وتعميق التعاون، مشيراً إلى التنمية المستقرة والسليمة للعلاقات الثنائية.
تشمل جولة رئيس الوزراء الصيني، نيوزيلندا وأستراليا وماليزيا
يذكر أن الدول الثلاث (ماليزيا، ونيوزيلندا، وأستراليا) أعضاء في اتفاقية دفاعية خماسية تعرف بـ"ترتيبات دفاع القوى الخمس"، وتضم أيضاً سنغافورة والمملكة المتحدة، وهو تحالف دفاعي تأسّس عام 1971 يعقد اجتماعاته سنوياً بالتناوب بين الدول الأعضاء. وكان التحالف قد أعلن على هامش منتدى حوار شانغريلا الأمني الذي عقد في سنغافورة في 31 مايو/أيار الماضي، أنه سيطلق مناوراته العسكرية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. في أعقاب ذلك، سلّطت الصحف الصينية الضوء على هذه الأنشطة، وقالت إن مشاركة القوات الماليزية في المناورات العسكرية مع الغرب، تعكس مخاوف هذه الدولة بشأن النزاع مع بكين في بحر الصين الجنوبي. وأضافت أن التدريبات العسكرية والتفاعلات مع القوات الغربية، ستسمح للجيش الماليزي بتعلم استراتيجيات تكتيكية وعملياتية جديدة من شركاء أكثر تقدماً وخبرة، وهو ما من شأنه أن يثير قلق بكين.
تكتيك صيني
في تعليقه على جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية والأهداف المنشودة، قال الخبير في العلاقات الدولية لي وين (يقيم في بكين)، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين تدرك أهمية الدول الثلاث بالنسبة إلى القوى الغربية، سواء الولايات المتحدة أو بريطانيا، لأن الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، تعتمد بشكل رئيسي على دول المنطقة ومدى استعدادها للتعاون مع واشنطن في تطويق الصين، من خلال نشر المزيد من حاملات الطائرات في المنطقة وإطلاق العديد من المناورات العسكرية المشتركة، التي ضمّت أخيراً ماليزيا، وبالتالي تجاهل هذا الحراك العسكري قد يعود بنتائج عكسية. من هنا، وفق قوله، تأتي أهمية التواصل مع هذه الدول، لتعزيز الشراكة وتذليل العقبات والحفاظ على قنوات اتصال تحول دون تدهور العلاقات، وتعمل على حلّ الخلافات على أساس من التفاهم المشترك.
وأوضح لي، أن أستراليا تعتبر أهم دولة بين الدول الثلاث بالنسبة إلى الصين، حيث شهدت العلاقات بين بكين وكانبيرا توترات كبيرة خلال السنوات الماضية، خصوصاً في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث اتخذت استراليا موقفاً عدائياً من الصين، وفرضت على منتجاتها تعرفات جمركية استجابةً للضغوط الأميركية آنذاك، فيما اعتقلت السلطات الصينية صحافية صينية تحمل الجنسية الأسترالية (تشينغ لي) لمدة ثلاث سنوات بتهمة التجسس وإفشاء أسرار الدولة، قبل أن تفرج عنها العام الماضي. ولفت لي إلى أن هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء صيني لأستراليا منذ سبع سنوات، معتبراً أن العلاقات عادت إلى مسارها الطبيعي مع وصول رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز إلى السلطة في مايو/ أيار 2022، الذي تبنّى موقفاً معتدلاً من الصين، أسهم في إذابة الجليد بين البلدين. وكان ألبانيز قد التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في بكين، كأول رئيس حكومة أسترالية يزور الصين منذ عام 2016.
زيارة لي هي الأولى لرئيس وزراء صيني إلى أستراليا منذ سبع سنوات
بكين ليست قلقة
من جهته، عارض أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث مع "العربي الجديد"، ما قاله الباحث لي وين، بشأن مخاوف الصين من التقارب بين ماليزيا والغرب، وقال إن ماليزيا تتبع نهجاً أكثر ليونة مع الصين إزاء النزاع في بحر الصين الجنوبي، مقارنة بالدول الأخرى. واعتبر أن ماليزيا تعطي أولوية قصوى للعلاقات التجارية في تعاملاتها مع الصين، على حساب أي شيء آخر، لأنها تدرك أن الصين قوة صاعدة وليست هناك حاجة لاستعدائها. وبرأيه، فإن ماليزيا قد تهدف من خلال انخراطها في تحالفات إقليمية ودولية إلى رفع سقف التعبير عن مخاوفها وتطوير إمكاناتها الدفاعية دون الدخول في مواجهة عدوانية وصريحة مع الصين، ودون أن يؤدي أي حراك في هذا الاتجاه إلى تصنيفها دولةً عدوانية. واعتبر أن هذا الأمر تدركه بكين جيداً، وبالتالي فهي ليست قلقة، بحسب قوله.
لين تشين: ماليزيا تدرك أن الصين قوة صاعدة وليست هناك حاجة لاستعدائها
أما الباحث الاقتصادي تشي جيانغ، فأعرب عن اعتقاده في حديث مع "العربي الجديد"، أن تؤدي جولة رئيس الوزراء الصيني الخارجية إلى تعزيز الاتصالات والتعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الثلاث، باعتبارهم شركاء تجاريين للصين. وأضاف تشي جيانغ أن العلاقات الصينية مع الدول الثلاث حافظت على زخم كبير خلال العامين الماضين، إذ تعمقت الثقة المتبادلة وتحققت نتائج مثمرة في البناء المشترك بما يخدم مبادرة الحزام والطريق الصينية في مساراتها البحرية. ولفت إلى أن التفاعل مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ مهم للغاية بالنسبة إلى بكين، لأنه سيرسل إشارة قوية إلى دول المنطقة بأن انفتاح الصين المستمر سيوفر إمكانات أكبر للتعاون، بعيداً عن الصراعات والنزاعات الدولية والإقليمية.