بعدما أعلن صراحة تمسكه برفع الدعم عن الخبز، السلعة الأهم للملايين من المصريين، تحدّث الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمرة الأولى، عن قانون الإيجارات السكنية القديمة، الذي يمسّ أوضاع نحو 8 ملايين و900 ألف شقة تخضع لأحكامه، يقطنها بين 15 مليونا و20 مليون مواطن، وفقاً لإحصائيات شبه رسمية في مصر. وقال السيسي، في حفل إفطار الأسرة المصرية بمدينة بدر، السبت الماضي، إنّ "حل أزمة قانون الإيجارات القديمة، يتمثّل في العمل على تكثيف المعروض من الوحدات السكنية"، مستطرداً "هناك وحدات في مناطق وسط القاهرة لا يتعدى إيجارها الشهري 20 جنيهاً (دولارا ونصف دولار)، بينما قيمتها تصل إلى ملايين الجنيهات. وإذا كان من حق المستأجر أن يعيش فيها، فمن حق مالكها أيضاً أن يستمتع بقيمتها".
ورداً على توسّع الحكومة في مشروعات الإسكان، ودخولها في منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، قال السيسي: "هاخلي الناس تمشي تتكعبل في الشقق (أي سيزيد من الوحدات المعروضة)، وأي حد عاوز شقة هانقدر نوفرها، حتى نحدث توازناً نسبياً في مواجهة هذه القضية، ونحسّن من الواقع"، مضيفاً: "يجب أن تعود للملكية قيمتها ومكانتها، من خلال تعامل المواطنين مع بعضهم البعض".
البرلمان السابق نأى بنفسه عن التعرض لأزمة الإيجارات القديمة على مدى 5 سنوات
في السياق، قال مصدر برلماني مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حديث رئيس الجمهورية عن قانون الإيجارات القديمة، بمثابة ضوء أخضر لمناقشة مجلس النواب التعديلات المقترحة على القانون (قدمها ائتلاف "دعم مصر" في البرلمان السابق)، والهادفة في المقام الأول إلى تحرير عقد الإيجار بين المالك والمستأجر خلال مدة زمنية محددة، قد تصل إلى 10 سنوات في أقصى تقدير، مع إقرار زيادة سنوية على قيمة الإيجار الشهرية". وأضاف المصدر أنّ "البرلمان السابق نأى بنفسه عن التعرض لأزمة الإيجارات القديمة على مدى 5 سنوات، خوفاً على شعبية النواب في الشارع، لا سيما أنّ تعديل القانون يواجه رفضاً شعبياً، باعتبار أنّ شريحة المستأجرين، وهي الأكثر عدداً، معرضة للضرر بصورة أكبر في حال تعديل القانون، نتيجة سحب الوحدات السكنية منها لصالح المالكين، من دون توفير بدائل لها".
وتتركز أغلب الإيجارات القديمة في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، وبعض محافظات الوجه البحري، بينما يشكو ملاك العقارات الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة من ضعف القيمة الإيجارية. وينصّ هذا القانون على "عدم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر، أو تركه العين المؤجرة، إذا بقي فيها زوجه (الزوج أو الزوجة) أو أولاده، أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك".
من جهته، قال مصدر قيادي في "الحزب المصري الديمقراطي"، الذي يملك 7 مقاعد في مجلس النواب، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تعديل قانون الإيجارات القديمة يضرب استقرار المجتمع في الوقت الراهن، لأن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب طبقات تعاني في الأصل من أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة، جراء الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، وفرض الحكومة المزيد من الضرائب والرسوم". وأشار المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، إلى "أهمية مناقشة تحرير العلاقة الإيجارية للأماكن غير السكنية، وفق أحكام قانون الإيجارات القديمة، قبل الشروع في مناقشة تحرير العقود السكنية، لأنّ الجزء الأكبر من هذه الأماكن (غير السكنية) مستغل في أنشطة إدارية وتجارية، ومنها المكاتب التابعة لوزارة التموين على نطاق واسع في المحافظات، ومن الأوْلى حسم هذا الملف قبل الشروع في مناقشة عقود الوحدات السكنية".
وفي مايو/أيار عام 2018، قضت المحكمة الدستورية في مصر بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من قانون تأجير وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر رقم 136 لسنة 1981، التي تنص على أنه "لا يجوز للمؤجّر أن يطلب إخلاء المكان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، ليشمل ذلك عقود الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية، لاستعمالها في غير غرض السكن".
تعديل قانون الإيجارات القديمة يضرب استقرار المجتمع في الوقت الراهن
يذكر أنّ ائتلاف الأغلبية في البرلمان السابق "دعم مصر"، كان قد تقدّم بتعديل على قانون الإيجارات القديمة، مدعوم بتواقيع 115 نائباً، بغرض تحرير عقود الإيجار لأغراض السكن خلال مدة 10 سنوات، من خلال زيادة سنوية متصاعدة للقيمة الإيجارية، تصل إلى المثل بعد انقضاء المدة المحددة، غير أن التعديل لم يُحلْ إلى اللجان المختصة لمناقشته.
وخالف التعديل حكم المحكمة الدستورية الصادر في عام 2002، بشأن عدم أحقية الملاك في تغيير القيمة الإيجارية أكثر من مرة، في إطار الحفاظ على السلم الاجتماعي. وكذلك المادة 78 من الدستور المصري، والتي تنص على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم، والآمن، والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية، ويحقق العدالة الاجتماعية".
ويلزم التعديل المستأجر بإخلاء المكان المؤجر، ورده إلى مالكه، أو المؤجر (بحسب الأحوال)، في اليوم التالي لانتهاء مدة العشر سنوات، أو تحرير عقد الإيجار قبل انتهاء المدة باتفاق الطرفين. فإذا امتنع المستأجر، يكون للمالك أو المؤجر الحق بالتقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي يقع بدائرتها العقار، ليأمر بالطرد، وتسليم المكان خالياً من الأشخاص والمنقولات. وكانت "رابطة المستأجرين القدامى" قد حذرت في وقت سابق نواب البرلمان من تعديل القانون، والذي يخيّر المستأجر بين الطرد مباشرة، أو زيادة القيمة الإيجارية إلى حين تحرير العقد بين الطرفين، الأمر الذي يؤثر بالسلب على ملايين المستأجرين.