يبدو أن نتائج الاستطلاعات الأميركية المتواترة التي لا تُرجح فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تُفسّر حالة "التجاهل" الرسمية في إسرائيل للمعركة الرئاسية في الولايات المتحدة، ومحاولة الابتعاد عن إعلان موقف واضح لصالح هذا المرشح أو ذاك. وإن كان موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو واضحا وليس بحاجة إلى تفسير، إذ لم يترك فرصة أو مناسبة منذ فوز ترامب بالانتخابات، في ولايته الأولى قبل أربع سنوات، من دون أن يثني عليه، وعلى مواقفه المناصرة لإسرائيل، حتى قبل ترجمتها إلى فعل.
لكن نتنياهو بدا أكثر حذراً، ودبلوماسية، الخميس الماضي، في تعليقه عند إعلان اتفاق التطبيع مع السودان، عندما ردّ على محاولة ترامب جره للمعركة الانتخابية مع منافسه الديمقراطي جو بايدن، بسؤاله ما إذا كان بمقدور "بايدن الناعس" أن يحقق مثل هذا الاتفاق. وقد اكتفى نتنياهو، للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بالتهرب من الرد الذي توقّعه ترامب منه، عندما قال مجيباً "إننا نقدّر كل مساعدة للسلام من كل شخص في الولايات المتحدة".
أطلق العنان للمستوطنين وأنصار التيار الديني الصهيوني والاستيطاني لإعلان التأييد المطلق لترامب
لا يعني هذا أن نتنياهو انقلب على ترامب، بقدر ما هو محاولة منه لتجنب توريط إسرائيل مع الحزب الديمقراطي في حال فاز بايدن في الانتخابات، وتجنب تكرار حالة التأييد والتجنّد شبه المطلق من قبل نتنياهو لصالح ميت رومني، منافس الرئيس الأسبق باراك أوباما في انتخابات عام 2012.
ويبدو أن إسرائيل الرسمية تبتعد عن أي خلاف، أو موقف، يمكن له أن يؤثر سلباً عليها، في حال حدثت مفاجأة جديدة في الانتخابات، أو تبين خطأ استطلاعات الرأي. وبهذا المعنى، فنتنياهو ليس مطالباً بمنح وإطلاق تصريحات داعمة لترامب، لأن بمقدور الأخير إعادة نشر وتعميم عشرات التصريحات الداعمة له، والمشيدة بما حققه لإسرائيل. وكان ترامب أعلن الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ومن ثم نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. كما أقرت إدارة ترامب، خصوصاً على لسان سفيرها لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، أن المستوطنات لا تشكل عقبة أمام السلام بداية، وأعلنت تأييد مشروع الضم في حال قررت حكومة نتنياهو ذلك، اعتماداً على خطة ترامب ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية المحتلة في المنطقة "سي"، لا سيما في غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى دولة الاحتلال وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية. كما أكد السفير الأميركي، في وجه تصريحات إماراتية، أن ما تم الاتفاق عليه هو فقط تعليق مخطط الضم وليس إلغاءه.
وإذا كان نتنياهو وحكومته التزموا "الصمت"، ولم يطلقوا تصريحات مساندة لترامب، أو مسيئة لمنافسه جو بايدن، فإن المسارعة والتساهل الذي أبداه نتنياهو، بعد سنوات من الرفض، في الموافقة على تزويد الإمارات بمقاتلات "أف 35"، بعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع الأخيرة، لا يترك مجالاً للشك أن هذه الاتفاقيات جاءت في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً مع البحرين والسودان، لمنح ترامب إنجازات خارجية أمام الناخب الأميركي العادي، لا سيما تحريك مصانع السلاح الأميركية. وما يعني ذلك من تحسين إدارة الاقتصاد الأميركي، وبشكل أكبر أمام المجموعات المسيحية الإنجيلية المساندة لإسرائيل، والتي تُعتبر القاعدة الانتخابية الأوسع لصالح ترامب.
اعتبر ثلاثة خبراء إسرائيليين بالشؤون الأميركية أن فوز بايدن سيعني تحولاً كبيراً في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة
في المقابل، وإزاء صمت خصوم نتنياهو أيضاً، ولا سيما رئيس الحكومة البديل، وزير الأمن بني غانتس، الذي أعلن أنه يتبنى هو الآخر خطة ترامب ويوافق عليها، فقد أطلق العنان للمستوطنين وأنصار التيار الديني الصهيوني والاستيطاني، لإعلان التأييد المطلق لترامب، باعتباره سيكون صمام الأمان لمواصلة المشروع الاستيطاني وسد الطريق كلياً أمام "حل الدولتين"، وفق ما صرح به أخيراً رئيس مجلس مستوطنات "السامرة" في الضفة الغربية، يوسي داغان، في بيان مشترك مع ممثل الحزب الجمهوري الأميركي في إسرائيل مارك تسيل. وقال داغان إن "الواقع الجديد الذي لا يرتبط فيه السلام بطرد يهود من بيوتهم (في إشارة لاقتلاع مستوطنات)، وحقيقة حصول الاستيطان في الضفة الغربية على دعم أميركي، تلزمنا بالاعتراف ورد الجميل للرئيس ترامب".
في موازاة ذلك، أقرّ ثلاثة من الخبراء الإسرائيليين بالشؤون الأميركية، في مقابلات مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، بينهم السفيران الإسرائيليان السابقان، دوري غولد ومايكل أورون، إلى جانب البروفيسور إيتان غلبواع، بأن فرص ترامب على ما يبدو ليست كبيرة. واعتبروا أنه في حال فاز بايدن، فإن ذلك سيعني تحولاً كبيراً في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، والعودة إلى مقترحات حل الدولتين، ونهاية "صفقة القرن"، ومزيدا من التوتر في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لجهة العودة الأميركية إلى اعتبار المستوطنات عقبة أمام السلام، مع احتمال العودة أيضاً إلى بيانات الاستنكار والشجب الأميركية للمشروع الاستيطاني، ومساحة المستوطنات التي ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى ما هو أقل من 10 في المائة، بحسب غلبواع. وبالتالي، فإن الصورة المستقبلية في حال فوز بايدن لن تكون وردية بالنسبة لإسرائيل.
أما دوري غولد فأشار إلى أن أخطر ما سيكون له أثر هو نية بايدن العودة إلى إبرام اتفاق جديد مع إيران، وتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة عليها. ويخلص غلبواع إلى القول إنه في حال فاز بايدن فإنه ينبغي على نتنياهو وبني غانتس و(وزير الخارجية) غابي أشكنازي العمل معاً في مواجهته بموقف موحد، لأنه "لا مكان للألاعيب السياسية والحزبية الفئوية. فعند الحديث عن بايدن، فإن العمل المشترك لكافة الأطراف في إسرائيل سيكون أكثر فاعلية".