في تطور نوعي في حرب السودان، تعرض جسر شمبات على نهر النيل في العاصمة الخرطوم لضربات تدميرية، اليوم السبت، أخرجته من الخدمة تماماً. الجسر الذي ربط بين مدينتي الخرطوم وأم درمان أصبح مسرحاً للمواجهة الشرسة بين طرفي الحرب، الجيش والدعم السريع، وسط دعوات لإدانة هذه الجرائم وتحميل المسؤولية للمتسببين فيه.
ووفقاً لشهود عيان في منطقة الخرطوم بحري، لـ"العربي الجديد"، فقد سُمِعَت أصوات انفجارات قوية صباح اليوم السبت، ليتبين أن هذه الانفجارات وقعت في جسر شمبات على نهر النيل، الذي يربط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان. كما نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو توضح حجم الدمار الذي لحق بالجسر.
خسارة كبيرة
— محمد الحيدري Moh. Haidari 𐩣.𐩢 (@haidari700) November 11, 2023
جسر شمبات 🥲🥲
تبادل التهم بين الحكومة والدعم السريع بشأن تفجير جسر شبمات الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري
Exchange of accusations between the government and the Rapid Support Forces regarding the explosion of the Shambat Bridge linking Omdurman and Khartoum Bahri. pic.twitter.com/jkkqjWZAbA
وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع اتهامات بشأن التورط في تدمير الجسر، حيث أصدر الجيش بياناً، قال فيه إن "المليشيا المتمردة قامت بتدمير جسر شمبات فجرأً"، مؤكداً أن "هذه الجريمة تُضاف إلى سجل المليشيا تجاه الوطن والمواطن". وأشار البيان إلى أن "هذا الحادث يأتي في إطار مشروع تدميري للمليشيا لمقدرات البلاد وبنيتها التحتية، وكرد فعل على التقدم الذي يحققه الجيش في محور امدرمان".
وعدت وزارة الخارجية السودانية الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على الجسر، أنه "محاولة يائسة" لوقف تقدم القوات المسلحة المدعومة بالشعب السوداني. كما وصفت الوزارة هذا "العمل العدائي" بأنه "جزء من استراتيجية تدمير ممنهجة تستهدف الدولة السودانية، والتي اعتمدت عليها المليشيا الإرهابية بعد فشلها في الاستيلاء على السلطة بالقوة وهزيمتها في الميادين العسكرية".
وشددت الوزارة على أن الحادث الأخير يأتي في سياق "استمرار الجرائم التي ارتكبتها المليشيا، حيث سبق أن تم تدمير وإحراق العديد من المؤسسات الاقتصادية الاستراتيجية، والجامعات، والمستشفيات، والمراكز الثقافية والدينية في العاصمة وعدد من الولايات". وأشارت إلى "محاولة إحراق مصفاة الخرطوم التي وقعت في الأسبوع الماضي كجزء من هذه السلسلة من الجرائم".
ودعت الوزارة المجتمع الدولي إلى إدانة هذه "الجريمة الإرهابية والتصدي لجرائم مماثلة"، مؤكدة ضرورة "تحميل المليشيا والدول التي تدعمها مسؤولية هذه الأفعال". وأكدت على أن "السودان سيحتفظ بحقه في المطالبة بالتعويضات المناسبة عن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد"، وفقاً لما ورد في البيان.
"الطغمة الإرهابية"
في المقابل، ردت قوات الدعم السريع باتهامات حادة للجيش، متهمة إياه بالتورط في تدمير الجسر، ووصفت الأمر بأنه "جزء من مخطط تدمير البنية التحتية الحيوية، الذي تنفذه مليشيا عبد الفتاح البرهان الإرهابية وفلول المؤتمر الوطني". وأوضحت أن هذا الاتهام يعود إلى "اعتقاد المليشيا البرهان بأنها من خلال ذلك يمكنها هزيمة قوات الدعم السريع".
وأشار البيان الصادر عن قوات الدعم السريع إلى استمرار التحريض من قبل "أبواق النظام البائد المتطرفة" على تدمير جسر شمبات، مشيرة إلى أنهم "استجابوا لهذه الدعوات بتدمير الجسر اليوم". كما ألقى البيان الضوء على "إطلاق سراح قادة المليشيا البرهان من السجون لتولي قيادة حركة الخامس عشر من أبريل، وكيف أن تدمير جسر شمبات اليوم وغيره من المنشآت العامة يُعتبر جزءًا من سلسلة جرائم الحرب التي تميزت بها نظام المؤتمر الوطني الإرهابي".
وختم البيان بالتأكيد أن "هذه الأعمال الشنيعة لا تزيد إلا إصرار الشعب على مواصلة النضال والتصدي"، لما وُصِفَ بـ"الطغمة الإرهابية"، وأن قوات الدعم السريع ستظل حازمة في تحقيق رغبات الشعب الصابر والمقاتل، مع التأكيد على أن ردها سيكون قاسياً تجاه "الإرهابيين الجبناء".
تورّط الدعم السريع
لكن الخبير العسكري العميد متقاعد بهلول بابكر كودي، أكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه يميل إلى تقديم تفسير يدعم الجيش السوداني في الاتهامات التي وجهت لقوات الدعم السريع بالتورط في تدمير الجسر. وفي تحليله، أوضح كودي أن "فعل الدعم السريع في قصف الجسر قد يكون خنقاً لنفسه عسكرياً، حيث يعتبر الجسر وسيلة حيوية للإمداد العسكري إلى مدينة أم درمان ومناطق أخرى، مما يجعل من الصعب عليها الاستفادة من الجسور الأخرى".
وأوضح كودي أن "قصف جسر شمبات، إذا حدث فعلاً، سيسهم في تعزيز قدرة الجيش على تحرير مدينة أم درمان، خاصة مع تصاعد نشاطها القتالي في هذه الأيام".
وردّ اللواء المتقاعد مازن إسماعيل على الأحداث الأخيرة في السودان بتسليط الضوء على ما وصفها بـ"محاكاة" للهجمات التي يشهدها قطاع غزة من جانب الاحتلال الإسرائيلي الذي رفض الاعتراف بالهزيمة وظهر بمظهر التوحش.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد" توقع إسماعيل أن "تستمر قوات الدعم السريع في مخططاتها التخريبية بتدمير المواقع الرئيسية تحت سيطرتها، مثل وسائل الإعلام والقصر الجمهوري ومقرات التصنيع الحربي وغيرها".
من ناحية أخرى، أكد الخبير الأمني والعسكري أمين مجذوب أن "تدمير جسر شمبات يعد استمراراً لسلسلة عمليات التخريب والنهب التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع في ولاية الخرطوم". وأشار إلى أن "الأهداف الواضحة للدعم السريع قد فشلت في تحقيق أهدافها، مما يظهر غياب القيادة والتحكم الفعّال، وتجاوب تصرفاتها بشكل مستقل وغير منسق".
وفي نفس السياق، أشار مجذوب إلى "وجود عمليات هروب جماعي من قبل المتطوعين في مليشيا الدعم السريع إلى الحواضن العرقية والقبلية"، ورأى في "أعمال التدمير الحالية نهايةً للحرب العبثية التي تعرض لها الشعب السوداني".
ورداً على التطورات الأخيرة وتدمير جسر شمبات، أكد المتحدث الرسمي باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، أن هذا "الحادث يمثل استمرارًا للأعمال العدائية في أقل حدودها الأخلاقية والإنسانية".
ورأى أن "هذه الحادثة سجلت دخولاً لمرحلة جديدة، حيث تم التخلي عن فكرة التفاوض، والتي رغم عدم الالتزام بوقف إطلاق النار من قبل أطراف الصراع، إلا أنها كانت ملزمة بتوصيل المساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين في دارفور والخرطوم".
وأشار إبراهيم إلى أن "هذا الحدث الكبير يستدعي من الجميع التفكير العاقل والتحرك بقلب سليم نحو استئناف عمليات التفاوض لإنهاء الحرب والتوصل إلى حل سلمي".