تعود حرب المياه من جديد للظهور في العراق بين طرفي الصراع، كورقة للسيطرة على المدن أو منع التقدم، فيما يبقى الخاسر الوحيد حتى الآن هم العراقيون بمختلف طوائفهم وتوجهاتهم.
فبعد توقّف قوات الجيش والمليشيات المساندة له من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى، عن استخدام المياه في الحرب منذ نحو ستة أشهر، عاد من جديد استخدام هذه الورقة ليزيد من الحرب بؤساً وبشاعة على المدنيين، إذ تشهد مدينة بلد روز شرق محافظة ديالى جفافاً مخيفاً بسبب قطع مياه نهر الروز، وهو أحد الأنهار الفرعية القادمة من سلسلة جبال شهربان الحدودية مع إيران، ويستفيد منه نحو 300 ألف مواطن يسكنون على طول مجرى النهر، كما يغذي نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية.
ويقول مسؤول بلدية المدينة أحمد عطا الله مرجان لـ "العربي الجديد" إن "النهر قُطع وجفّ معه كل شيء، فالمياه قُطعت عن المنازل والمزارع في المدينة، ما أدى إلى نفق أعداد هائلة من الأسماك وانتشار أمراض لم نكن نعرفها سابقاً، غالبيتها جلدية بسبب لجوء الأهالي إلى الآبار وبرك المياه".
ويوضح مرجان أنه "في الجهة الأخرى من المدينة أدى قطع مجرى النهر إلى خروج مياهه عن مجراها، ما تسبب بإغراق القرى والبلدات القريبة، ودفع الآلاف من السكان إلى النزوح منها خوفاً من الغرق، بينما سننزح نحن عطشاً"، مشيراً إلى أن الجيش العراقي يتهم تنظيم "داعش" بالوقوف وراء إغلاق النهر من نقطة ضيقة يمر من خلالها إلى المدينة فيما ينفي التنظيم ذلك.
لكن مسؤولاً محلياً آخر في محافظة ديالى يتهم في حديث لـ "العربي الجديد"، الجيش العراقي ومن معه من مليشيات بالإقدام على قطع نهر الروز بواسطة الصخور الجيرية والحصى وكميات كبيرة من أنقاض مواد البناء عبر جرافات وعربات نقل، من أجل إغراق القرى القريبة لمنع تقدم تنظيم "داعش" إلى قاعدة رئيسية يتواجدون فيها، وذلك بعد سلسلة هجمات شنّها التنظيم على تلك القاعدة مستخدماً القرى المحيطة بها والتي أُغرقت الآن.
ويشير هذا المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن "ارتفاع منسوب النهر أغرق المنطقة الفاصلة بين الجيش وداعش بالكامل، ويمكن معرفة المتسبّب عبر التأكد من هو المستفيد من إغراق البلدات والقرى وقطع النهر، فالجيش يحاول إيقاف تمدد داعش في محافظة ديالى وهو في وضع دفاعي اليوم على عكس التنظيم"، مشيراً إلى أن كارثة إنسانية سيتعرض لها الآلاف من العائلات التي نزحت بفعل إغراق مناطقها أو تلك المحاصرة في مدينة بلد روز.
في المقابل، قال النائب عن محافظة ديالى فرات التميمي، إن "داعش" قطع النهر الرئيس الذي يغذي مناطق شرق ديالى، موضحاً "أنه لدينا ما يثبت أن التنظيم هو من قطع النهر وهو من يستخدم حرب المياه لا القوات الأمنية"، لافتاً إلى أن المياه قُطعت منذ أسبوع الأمر الذي يتطلب عملية عسكرية واسعة لحسم الملف الأمني في المحافظة.
من جهته، يعتبر الشيخ عبدالله النداوي أن سكان ديالى أصبحوا ضحية للمعارك التي تدور على أرض المحافظة بين الجيش والمليشيات من جهة، وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، داعياً في حديث لـ "العربي الجديد" إلى إبعاد المدنيين عن الصراعات المسلّحة.
ويشير إلى أن سيطرة المسلّحين على جزء من موارد المياه، والجيش والمليشيات على أجزاء أخرى، أدى إلى جعل "حرب المياه" ورقة ضغط جديدة تستخدمها الجهة التي تخسر المعركة لإغراق بعض المناطق أو تجفيف المياه عن المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر.
ويدعو النداوي عشائر المحافظة للانتفاض ضد الجهات التي تتلاعب بأمن المياه وتحرير سدود المياه من سيطرة المسلحين، بعد إعلان قائمقام قضاء المقدادية قطع المياه عن نهر مهروت شمال شرق المحافظة، ما يهدد بقطع المياه عن أكثر من مليون شخص.