يقف حزب "الأصالة والمعاصرة"، ثاني قوة سياسية في الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، على مفترق طرق مفصلي قبل ساعات قليلة من انطلاق مؤتمره الخامس للتصويت على تعيين أمينه العام، فيما تسود مخاوف من توتر داخلي جراء الغموض وتباين المواقف في صفوفه بخصوص من سيدير دفة الحزب خلال السنوات الأربع المقبلة.
ومما يزيد حالة الترقب عدم ترشح أي عضو بالحزب لخوض سباق الأمانة العامة، منذ فتح باب تلقي الترشيحات، الجمعة الماضية.
وبينما يبدي الأمين العام الحالي لـ"الأصالة والمعاصرة"، عبد اللطيف وهبي، رغبته في الاستمرار على رأس الحزب شريطة ألا تترشح رئيسة المجلس الوطني فاطمة الزهراء المنصوري لمنافسته، يدور حديث في صفوف الحزب عن وجود توجه لدعم المنصوري أو وزير الثقافة والشباب محمد مهدي بنسعيد لتسلم مفاتيح رئاسة الحزب خلال المؤتمر الخامس، وذلك انسجاما مع المسار الذي اختاره الحزب منذ نشأته، حيث دأب مختلف الأمناء العامين على الاكتفاء بولاية واحدة على رأس الحزب.
ويتوجه نحو 3000 مؤتمر من جميع أنحاء المغرب إلى محطة المؤتمر الخامس الذي سيعقد على مدى يومين بمدينة بوزنيقة (جنوب العاصمة الرباط)، والحزب يمر بواحدة من أسوأ مراحله جراء الزلزال التنظيمي والسياسي الذي ضربه في الأسابيع الأخيرة بعد اعتقال اثنين من قيادييه البارزين في ملف يتعلق بالاتجار في المخدرات على الصعيد الدولي وهما سعيد الناصري رئيس مجلس عمالات الدار البيضاء وعبد النبي بعيوي رئيس جهة الشرق.
وكان لافتا إصدار رئيسة المجلس الوطني للحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، نداء دعت من خلاله إلى ما وصفته بـ"تجديد النخب" خلال المؤتمر، و"النأي بالحزب عن الشبهات". وقالت: "الشفافية هي أن تكون لنا الجرأة لنقول نريد أن نكون فوق كل الشبهات ولن يتحمل المسؤولية في صفوفنا إلا أناس بأخلاق عالية ومبادئ صادقة وقناعات صافية".
وفي ظل عزوف القياديين بـ"الأصالة والمعاصرة" عن الترشح لمنصب الأمين العام للحزب المعروف اختصارا بـ"البام"، يبقى احتمال حدوث انسداد أمرا غير مستبعد، فيما رجحت بعض التحليلات إمكانية طرح مقترح تشكيل لجنة مؤقتة لتسيير الحزب كخيار ثالث.
اليونسي: الأصالة والمعاصرة يواجه تحديات عدة
تعليقاً على هذه التطورات، يرى أستاذ العلوم السياسية عبد الحفيظ اليونسي، أن مستقبل الحزب "مرتبط بالجواب عن سؤال ما هي وظيفة الأحزاب مستقبلا في ظل تواري وظيفة مواجهة الإسلاميين بعد سقوط العدالة والتنمية المدوي بعد انتخابات 2021"، موضحا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الجواب عن السؤال لن يقدمه المؤتمر، وإنما سيأتي من خارج الحزب ليبين الدور الذي سيلعبه الحزب في مواجهة التحديات السيادية والاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب".
وبحسب رأي اليونسي فإن حزب "الأصالة والمعاصرة" يواجه تحديات عدة يبقى أبرزها "إثبات حاجة الدولة أو بعض مراكز القوى داخل الدولة إليه"، مضيفا أنه يواجه تحدياً ثانياً يتمثل في "تطبيع وضع الحزب داخل المشهد الحزبي وهو تطبيع ينهي مع أسلوب الهيمنة الذي اتهمه به حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتهمة التحكم التي وجهها إليه حزب العدالة والتنمية".
في حين يتمثل التحدي الثالث، وفق اليونسي، "في القدرة على تخفيف وزن الحزب الزائد انتخابيا نتيجة البروفيلات التي يكسب بها الحزب الانتخابات، وهي بروفايلات تتابع اليوم بجرائم خطيرة من قبيل الاتجار الدولي في المخدرات".
وإلى جانب التحديات السابقة، تجد قيادة "الأصالة والمعاصرة" نفسها في مواجهة تحد أخير هو مدى قدرة الحزب على تعزيز دور مؤسسات الوساطة التي تواجه اليوم تحدي استمرارها في الوجود، على حد تعبير الأستاذ الجامعي.
لزرق: فكرة الأصالة والمعاصرة حاجة مجتمعية
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، رشيد لزرق، أن "فكرة الأصالة والمعاصرة كمشروع فكري سياسي وطني، هي حاجة مجتمعية لا محيد عنها"، معتبرا أنه "يبقى مطلوبا من المؤتمر الخامس أن يكون محطة للنقد الذاتي الرصين وللنقاش الأيديولوجي الجريء على اعتبار أن سقف المواجهة المرفوع يفرض الوعي الجمعي بخطورة الاندثار التنظيمي لمشروع الحزب في الظرفية السياسية الراهنة بالمغرب".
وأضاف لزرق في حديث لـ"العربي الجديد" أن "سقف المواجهة المرفوع يفرض على المؤتمر الخامس إفراز حركة مجتمعية حقيقية وبوجوه قيادية وأجندة واضحة أي أن ينطلق من عملية التطهير الذاتي، كي نصل إلى ربيع حزبي حداثي، قوامه إدماج القوى المدنية الحية داخل البنية الحزبية، من أجل الترافع السياسي والتدافع السلمي في مواجهة تنظيمات التيار الرجعي".
وتابع: "تبعا لتداعيات ما يعرف بملف إسكوبار الصحراء ينبغي أن يكون الأمين العام القادم من خارج المجموعة المسيرة له حاليا حتى يستطيع رفع التحدي ويقوم بعملية التطهير الذاتي".
وبقدر ما يعكس نداء رئيسة برلمان الحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، نقداً ذاتياً ويشي بوجود "إرادة" للقطع مع ممارسات الماضي القريب، إلا أن الثابت وسط مرحلة الارتباك التي أحدثها زلزال اعتقال اثنين من قياديي الحزب على خلفية ما بات يعرف إعلاميا في المغرب بملف "إسكوبار الصحراء"، أن ارتداداته لن تتوقف، وأن ما قبل هذه المرحلة ليس كما بعدها بالنسبة لمستقبل الحزب الذي يوصف بأنه مقرب من السلطة.