تنتظر الحكومة المغربية الجديدة، التي عيّنها العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول من أمس الخميس، ملفات وتحديات اجتماعية واقتصادية صعبة، جراء التداعيات التي خلّفتها جائحة كورونا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وبانتظار التنصيب البرلماني، الأسبوع المقبل، من خلال تصويت الأغلبية المطلقة لمجلس النواب على البرنامج الحكومي، تثير التشكيلة الحكومية المعلن عنها العديد من الملاحظات، بعد أن شهدت تغييرات في الوظيفة والشكل، في إشارة واضحة إلى طبيعة المرحلة المقبلة وما تطرحه من ملفات.
بسط التحالف الحكومي الجديد سيطرته على مجلسي البرلمان من شأنه أن يسهم في استقرار المؤسسات
وبدا لافتاً حرص رئيس الحكومة الجديدة عزيز أخنوش، بعد لحظات من التعيين الملكي لحكومته الخميس الماضي، على بعث رسائل إلى من يهمه الأمر، بالتأكيد أن الحكومة "تزخر بكفاءات ستعمل على الاستجابة لتطلعات المغاربة، من خلال تطبيق الورش الملكي الكبير للنموذج التنموي الجديد"، وأنها "ستكون، بفضل وجوهها الجديدة، حكومة عمل ونتائج". واعتبر أنها "واعية بالانتظارات المهمة للمواطنين، وستعمل على معالجة القضايا الكبيرة المطروحة". وأكد أخنوش أن حكومته "تستمد قوتها من تحالف ثلاثة أحزاب سياسية، تتوفر على أغلبية مهمة جداً ومريحة، سواء على المستوى الوطني، وكذلك على مستوى الأقاليم والجهات"، معتبراً أن "من شأن هذا الانسجام أن يتيح التطبيق الأمثل والناجح، وفي أحسن الظروف، للبرنامج الحكومي الذي ينسجم مع التوجهات الكبرى للعاهل المغربي وبرنامج النموذج التنموي الجديد".
وتضم الحكومة الجديدة 25 وزيراً ووزيراً منتدباً، منهم 18 وزيراً يمثلون الأحزاب السياسية الثلاثة المشكلة للأغلبية الحكومية (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال)، و6 وزراء من دون انتماء سياسي. وعلاوة على منصب رئيس الحكومة، حصل "التجمع الوطني للأحرار" على 7 حقائب وزارية، وذلك على غرار حليفه حزب "الأصالة والمعاصرة"، في حين أسندت لحزب "الاستقلال" 4 حقائب وزارية.
وعلى خلاف حكومة سعد الدين العثماني، التي عاشت طيلة مدة ولايتها على إيقاع الخلافات والتناقضات بين مكوناتها، أثرت على حصيلتها وعلى مبادراتها، تبدو الطريق سالكة أمام حكومة أخنوش لتمرير قراراتها، وإقرار مشاريع القوانين والإصلاحات التي تستجيب للتطلعات الكبيرة المعلقة عليها، وكذلك التحديات التي سيكون عليها مواجهتها منذ أول يوم من بداية عملها.
وبرأي المراقبين، فإن بسط التحالف الحكومي الجديد سيطرته على مجلسي البرلمان المغربي (مجلس النواب والمستشارين) من شأنه أن يسهم في استقرار المؤسسات، وتجنّب ما عاشته الحكومات المتعاقبة من إعادة ترتيب أغلبيتها، وإجراء تعديل على الفريق الحكومي بسبب هشاشة التحالفات وعدم انسجامها. كما يمكّن من تقليص التوتر مع السلطة التشريعية.
ويبقى من أكبر العوائد السياسية للسيطرة العددية للائتلاف الحكومي الجديد على مجلسي البرلمان (270 مقعداً من أصل 395 في مجلس النواب، و85 مقعداً من أصل 120 في مجلس المستشارين)، اشتغال الحكومة المغربية الجديدة بأريحية أكبر، بفضل ما توفره لها الأغلبية العددية في مجلسي البرلمان من دعم مريح لم تتمتع به الحكومات المغربية المتعاقبة منذ دستور الربيع العربي في عام 2011.
غير أن الوضع المريح للحكومة الجديدة على جبهة البرلمان لا يجعل مهمتها سهلة، في ظل ما ينتظرها من مهمات صعبة في مسعاها لتأمين حلول لمواجهة وضع اقتصادي واجتماعي صعب فرضه تفشي وباء كورونا، واستحقاقات مستقبلية تخص على وجه التحديد مناقشة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2022، وتطبيق النموذج التنموي الجديد للمملكة، واستكمال تطبيق الإطار القانوني للورش الاجتماعية. كما تواجه الحكومة الجديدة امتحان ترجمة الشعارات والوعود الانتخابية التي كانت قد أطلقتها الأحزاب الثلاثة المشكلة لها خلال الحملة الانتخابية، وبالأخص حزب رئيس الحكومة الذي كان قد وعد في برنامجه الانتخابي بالنهوض بالوضع الاجتماعي للمغاربة، من خلال رفع الأجور ودعم الفئات الهشة، مع تعزيز العرض الصحي وإصلاح التعليم ومناخ الأعمال.
عبد الحفيظ اليونسي: تركيبة الحكومة الجديدة امتداد لطريقة وهيكلة حكومة العثماني الثانية
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في سطات (وسط المغرب) عبد الحفيظ اليونسي أن تركيبة الحكومة الجديدة امتداد لطريقة وهيكلة حكومة سعد الدين العثماني الثانية، القائمة على ثلاثة أقطاب إنتاجية خدماتية واجتماعية، وإن اختلفت التسميات، مع تقليص عدد الوزراء في حدود 25 عضواً. وسجل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، استمرار حضور ما يسمى بـ"وزراء السيادة" في الوزارات السيادية، وهي وجوه أعيد تعيينها، (وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، وزير الخارجية ناصر بوريطة، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، الأمين العام للحكومة محمد حجوي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي)، إلى جانب حضور نسائي في الحكومة بما يقارب الثلث (7 وزيرات) وشبابي في بعض القطاعات الوزارية.
ويعتبر أن حضور ثلاثة وزراء كانوا أعضاء في لجنة النموذج التنموي (رئيس اللجنة شكيب بنموسى الذي تقلد حقيبة التعليم والرياضة، وعبد اللطيف ميراوي الذي عيّن وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والخبيرة الدولية في مجال الاستراتيجية الطاقية والاستدامة ليلى بنعلي، التي أسندت لها وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة) التي كان قد شكلها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وتقلدهم مسؤولية قطاعات حيوية واستراتيجية، إشارة على الشروع في تطبيق تصورات هذا النموذج. وأشار، في المقابل، إلى أن حضور الأمناء العامين للأحزاب الثلاثة داخل الحكومة، يؤشر من الناحية السياسية إلى محاولة قيادات تلك الأحزاب تدبير الخلافات التي يمكن أن تحصل في المستقبل، وتحمّل المسؤولية السياسية للقرارات العمومية التي ستتخذ مستقبلاً.
واللافت في رحلة ولادة الحكومة الـ32 في تاريخ المملكة الحديث، بحسب اليونسي، بعد 27 يوماً من التكليف الملكي لأخنوش، هو يسر الولادة مقارنة بـ"البلوكاج" (الانسداد السياسي) الذي كان مع حكومة الأمين العام السابق لحزب "العدالة والتنمية" عبد الإله بنكيران بعد انتخابات 2016. ويسجل أن عملية التفاوض لم تكن محطة سياسية بامتياز، ووجود تكتم حتى بخصوص توجهات البرنامج الحكومي، مشيراً إلى أن ولادة حكومة "العدالة والتنمية" عام 2017، "كانت تطبعها مؤشرات الصراع مع جهات داخل الدولة، عكس حكومة "الأحرار" التي تحظى بدعم أجهزة الدولة، وهذا ظاهر للعيان، وما طريقة تدبير هذه الانتخابات إلا أحد مؤشرات ذلك".
وفي انتظار الـ100 يوم الأولى من تشكيل الحكومة لمعرفة قدرتها على الوفاء بالتعهدات التي أطلقتها الأحزاب المشكلة لها، يلفت اليونسي إلى أن الحكومة الجديدة ستجد نفسها في مواجهة العديد من التحديات، في مقدمتها تحدي الوحدة الترابية للبلاد، خصوصاً في ظل "تعدد أساليب استهداف المملكة، سواء الملف الحقوقي أو الضغط الاقتصادي، كما حصل مع قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير بخصوص اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري، اللتين تربطان الاتحاد الأوروبي بالمغرب. ويضيف أن الحكومة الجديدة تواجه تحدي التعامل مع ملف حاسم مرتبط بالتطلعات الاجتماعية، ممثلة في ورش الحماية الاجتماعية وإصلاح منظومة التربية والتكوين، و"هما مهمان ومهيكلان، ولهما علاقة وطيدة بتوفير الحاضنة الاجتماعية للاستقرار، لكن يحتاجان للسيولة المالية وحكمة التدبير، وكذا التعبئة المجتمعية التي يظهر أن الأحزاب المشكلة للحكومة تفتقد إليها". أما التحدي الثالث الذي تواجهه حكومة أخنوش فهو، كما يقول اليونسي، ملف التشغيل، على اعتبار أن البطالة وصلت إلى مستويات قياسية مع جائحة كورونا، وهو ما قد يسبب بعض القلاقل، كما وقع خلال السنوات الماضية في منطقتي الحسيمة وجرادة. وإلى جانب التحديات السابقة، يبرز، حسب اليونسي، تحدٍ اقتصادي أمام حكومة أخنوش، خصوصاً في ظل المنافسة الشرسة للأسواق التي يصدر إليها المغرب، سواء صناعة السيارات أو الفوسفات وكذلك المنتجات الزراعية، لافتاً إلى أن الدولة المغربية مطالبة اليوم بتقديم أجوبة مؤسساتية لبعض الإشكالات التي صاحبت، وستصاحب الحكومة الجديدة، والمتعلقة أساساً بالجمع بين السلطة والثروة.
نبيل الأندلوسي: استمرار وزراء السيادة في مواقعهم مؤشر على ضمور دور الحزب السياسي
في المقابل، يعتبر القيادي في حزب "العدالة والتنمية" المعارض، نبيل الأندلوسي، أن الحكومة الجديدة تفتقر إلى "بروفايلات" سياسية نابعة من العمل السياسي الميداني، في ظل استمرار ظاهرة صباغة التكنوقراط بألوان أحزاب سياسية، وهو مؤشر سلبي، ومن عناوين "موت السياسة"، و"نهاية أدوار السياسيين" بالبلاد. ويلفت إلى أن هذا الواقع لا يشجع على انخراط الكفاءات في الأحزاب السياسية والنضال من داخلها، كما أنه من المتوقع أن يخلق توترات حزبية داخلية، خاصة بالنسبة لحزب الاستقلال، الذي لا يكاد يعرف من أسماء وزرائه إلا اسم أمينه العام نزار بركة.
ويقول الأندلوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن استمرار وزراء السيادة في مواقعهم الحكومية السابقة، بل وامتداد هذه الوزارات لتشمل التعليم، مؤشر على ضمور دور الحزب السياسي، وإن العمود الفقري للحكومة هو وزارات السيادة التي لا علاقة لها بنتائج الانتخابات ومخرجاتها. ويلفت إلى أن حذف وزارة حقوق الإنسان من هيكلية الحكومة الجديدة، بقدر ما يمكن أن يقرأ على أنه مسايرة للدول الديمقراطية التي لا تخصص وزارات لحقوق الإنسان، لكونها قطعت مع الانتهاكات والخروقات، إلا أن معطيات الواقع بالنسبة للمغرب، تشير إلى غير ذلك، وهو ما يجعل حذفها من الهندسة الحكومية خياراً غير موفق، بل هو مؤشر سلبي يُضاف إلى قرار إلغاء مادة حقوق الإنسان من السلك الجامعي كمادة ثابتة، خاصة بالنسبة لكليات الحقوق.
وبالنسبة للأندلوسي، فإن الحكومة الجديدة ستواجه "تحديات اقتصادية عصيبة، ومن الصعب أن تتجاوزها في ظل هيمنة التكنوقراط (من دون انتماء سياسي) على مفاصلها، فهم يفهمون في النظرية لكنهم بعيدين عن تعقيدات الواقع وحاجيات المجتمع". ويضيف: "بكل وضوح تفتقد هذه الحكومة للنفس السياسي، وهذا ما يحمل مؤشرات فشلها، وعدم قدرتها على العمل لمدة خمس سنوات، خصوصاً أن مكوناتها رفعت سقف الوعود من دون أن يتناسب ذلك مع الإمكانيات المتوفرة بالنسبة للاقتصاد المغربي، وهذا ما سيجعل فئات عديدة من الشعب المغربي تشعر بخيبة الأمل واليأس، في حال لم يفِ الائتلاف الحكومي بالتزاماته ووعوده المقدمة أثناء الحملة الانتخابية. وأخال أن البرنامج الحكومي سيحمل مؤشرات واضحة عن تراجع مكونات الحكومة عن وعودها".