استمع إلى الملخص
- المنظمات، بما في ذلك العفو الدولية وأوكسفام، تؤكد أن لديها موظفين في غزة يتأثرون بالقصف، مما يمنحها الحق القانوني في رفع الدعوى، بينما ترفض الحكومة الدعوى بحجة عدم تأثر المنظمات مباشرة.
- القضية تثير جدلاً سياسياً وقانونياً، مع دعم ثلاثة وزراء خارجية سابقين للدعوى، مما يعكس معضلة متزايدة للائتلاف الحاكم.
تواجه الحكومة في الدنمارك مأزقاً قضائياً برفع أربع منظمات إنسانية دعوى قضائية ضدها بتهمة "المساهمة المحتملة في الحرب (الإسرائيلية) غير القانونية ضد غزة". وطالبت الحكومة الائتلافية، برئاسة ميتا فريدركسن، من خلال وزير الخارجية لارس لوكا راسموسن، المحاكم الوطنية برفض الدعوى، بحجة أن من يرفعها غير متأثر مباشرة بتلك الحرب، ولأنها "مرفوعة من قبل منظمات، لا أشخاص".
ويتخذ رافعو القضية من تكرار قصف طائرات إف 35 للمدنيين الفلسطينيين نماذج على انتهاك الدنمارك للقوانين الدولية، على اعتبار أن الطائرات تحتوي على قطع مهمة تصنعها شركة تيرما للتقنيات العسكرية الدنماركية. وقال راسموسن في تصريحات صحافية، اليوم الخميس، إن الحكومة "غير مذنبة" في تصدير غير قانوني للأسلحة، مشدداً على أنه لن يسمح للمحاكم المحلية في الدنمارك بأن تقرر ما إذا كان من غير القانوني تزويد إسرائيل بمعدات إف 35.
ويتسبب الموقف الحكومي في كوبنهاغن بسجال سياسي وحقوقي متصاعد منذ بدء الحرب على غزة. ففي مارس/آذار الماضي، قررت أربع منظمات إنسانية رفع دعوى قضائية ضد وزارة الخارجية والشرطة الوطنية في كوبنهاغن، المسؤولتين عن منح ترخيص التصدير العسكري. وتتعاون منظمات العفو الدولية (أمنستي) والحق الفلسطينية لحقوق الإنسان وأوكسفام إيبيس والتعاون بين الشعوب (ميليمفولكليت سامفيركه)، على ملاحقة قضائية للحكومة الدنماركية على استمرار سماحها بتصدير المعدات.
وشدد محامي الحكومة في رده على السجال الدائر على أن رافعي الدعوى لم يتأثروا بشكل ملموس أو فردي من القصف الإسرائيلي والحرب، مستنتجاً بأنه "ليس لدى المنظمات غير الحكومية الحق القانوني في رفع دعوى قضائية ضد الحكومة أمام المحاكم الوطنية". ومن جهته، رد الأمين العام لأمنستي في الدنمارك، فيبي كلاروب، على الموقف الحكومي بالقول: "نحن بالطبع مندهشون"، متسائلاً: "هل تعتقد الحكومة الدنماركية حقاً أن احترام القانون الدولي لا يمكن اختباره في المحاكم الدانمركية؟"، وأضاف: "إذا لم تكن لهذه المنظمة التي تعمل في جميع أنحاء العالم لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي حق ومصلحة قانونية في محاكمة هذه القضية، فمن سيفعل ذلك؟".
وانتقد كلاروب بحدة ما سماه "المعايير المزدوجة" للحكومة، مذكراً وزير خارجية الدنمارك كيف أنه يتذرع في رفضه مناقشة البرلمان قضية تسليح إسرائيل على اعتبار أنها قضية سيُنظر فيها أمام المحاكم، ليأتي الآن ويقول إنه لا يحق للمحاكم النظر فيها. وشدد كلاروب على أن الحكومة تتهرب من القضية على مستوى البرلمان وعلى مستوى القضاء. وفنّد الأمين العام لمنظمة أوكسفام، لارس كوك، الموقف الحكومي، مذكراً بأنه لدى منظمة أوكسفام حوالى 30 موظفاً في غزة، يعملون على مساعدة السكان المدنيين بالمساعدات الطارئة، وهم يتأثرون بشكل ملموس، وفردياً، بالقنابل التي تسقط عليهم.
وتنبع حساسية القضية المرفوعة على كوبنهاغن من أن شركة التصنيع العسكري "تيرما" تقدم إلى طائرات إف 35 قطعاً مسؤولة مباشرة عن التحكم بالطائرة وعن إطلاق الصواريخ، ومع تكرار استخدامها في قصف المدارس والنازحين المدنيين يتصاعد الانتقاد الحاد، سياسياً وقانونياً، لما يسمونه "انتهاكاً دنماركياً" لاتفاقيات منع الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات العسكرية إذا كان هناك خطر أن تساهم في انتهاك قوانين الحرب المتعلقة بحماية المدنيين. ويستشهد المنتقدون بقيام محكمة هولندية على هذه الخلفية بحظر جميع مبيعات الأسلحة لإسرائيل، رغم استئناف الحكومة الهولندية الحكم.
وعلى عكس هولندا، تأتي المواقف الجديدة لكوبنهاغن من أجل إحباط جهود الدعوى القضائية بالإصرار على أنه يحق فقط للمتأثرين مباشرةً بالقضية رفع دعوى أمام المحاكم الوطنية. ويرفض محامي المنظمات صاحبة الدعوى، إميل كيربو، هذا الإصرار بإبرازه قضايا سابقة مرفوعة ضد الحكومة من قبل منظمات غير حكومية لم تكن على تماس مباشر في القضايا المرفوعة. وشدد كيربو على أنه يتشكل اتجاه لدى القضاة لإتاحة وصول هذه القضية إلى المحاكمات المحلية. وتصرّ وزارة الخارجية في كوبنهاغن على أن تصدير قطع إف 35 "يتوافق مع التزامات الدنمارك القانونية والدولية في الاتحاد الأوروبي".
وتلقى التحذيرات القانونية من أن كوبنهاغن على حافة المشاركة في انتهاك القوانين الدولية أصداءً لدى الساسة والرأي العام، مع تزايد تأييد الدعوى القضائية المتعلقة بصادرات الأسلحة. وأرسل ثلاثة وزراء خارجية سابقون، هم فيلي سوندال (من الشعب الاشتراكي) ومارتن ليدغورد (من راديكال يسار الوسط) وموينز لوكاتوفت (من حزب فريدركسن الاجتماعي الديمقراطي)، رسالة مشتركة في يوليو/تموز الماضي، اعتبروا فيها أنّ "من الجيد للدنمارك أن يكون هناك مجتمع مدني قوي يستطيع الضغط على المكابح عندما يكون هناك خطر يتمثل بضلال السلطات"، مشيرين إلى أن "القصف الإسرائيلي الشامل وتجويع السكان المدنيين العزل في غزة دخلا منذ فترة طويلة كتب التاريخ باعتبارهما شكلاً عنيفاً غير عادي من أشكال الحرب"، مؤكدين أن "المذبحة في غزة لا يمكن تحمل مشاهدتها، وكان ينبغي وضع حدّ لها منذ فترة طويلة من خلال ضغوط هائلة من جانب الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين، بما في ذلك الدنمارك".
ويُعتبر هؤلاء الوزراء مؤثرين على مستوى الأحزاب والرأي العام في الدنمارك. ومواقفهم، بالإضافة إلى مواقف ساسة آخرين وخبراء قانون، مؤشر على معضلة متزايدة للائتلاف الحاكم برئاسة فريدركسن مع التغيرات في النخبة السياسة الدنماركية والأجيال الشابة في المعسكرات الحزبية.