تتسارع وتيرة التعقيد السياسي في ليبيا، وسط الفشل الواضح الذي سيطر على الجهود والمساعي الرامية لإنجاز إطار دستوري وقانوني للانتخابات الوطنية المفترض أن تجرى في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، حيث كشفت مصادر ليبية مطلعة قرب انتهاء عدد من مكونات شرقي ليبيا تشكيل حكومة موازية شرقي البلاد لتعمل تحت مضمون "حكومة طوارئ".
وأوضحت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الإعداد لتشكيل الحكومة على يد عدد من الشخصيات السياسية وأعيان القبائل شرقي البلاد قد شارف على الانتهاء، فيما تجرى نقاشات عن موعد الإعلان عنها وأسبابها مستفيدة من الخبرات التي راكمتها أثناء وجود الحكومة السابقة برئاسة عبد الله الثني في مدينة البيضاء.
وجرت المداولات بشأن شكل الحكومة ومهامها وموقعها خلال أكثر من ستة اجتماعات مغلقة احتضنتها عدة مناطق شرقي ليبيا، ومن بينها معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الرجمة شرق بنغازي، وفقاً للمصادر، مشيرة إلى اتصالات لا تزال جارية مع أعيان وشخصيات شرقي البلاد لتوسيع قاعدة التأييد الشعبية للحكومة عند الإعلان عنها، وللتوافق على مواقعها الوزارية للحد من أي خلاف قد ينشأ على عدم تمثيل أي طرف قبلي فيها.
وفيما أكدت المصادر أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وحفتر وراء فكرة إنشاء الحكومة ويقدمان كل التسهيلات للقائمين على تشكيلها؛ أكدت أن صالح طلب تأجيل الإعلان عنها حتى انتهاء مجلس النواب من عدة إجراءات؛ منها إعلان قانون الانتخابات وتوزيع الدوائر الانتخابية حسب خريطة جديدة تولي أولوية لمنطق المحاصصة وفق أقاليم ليبيا الثلاثة، لإفساح المجال للظروف المقبلة كأرضية مقبولة للإعلان عن الحكومة.
ومن بين الأسباب المتداولة في اجتماعات تشكيل الحكومة عدم قدرة حكومة الوحدة الوطنية على توحيد مؤسسات الدولة، والقضاء على المركزية، وحفظ حقوق إقليم برقة السياسية والاقتصادية.
وفي منتصف الشهر الماضي تحدثت مصادر ليبية لـ"العربي الجديد" عن مداولة عقيلة صالح مع حفتر فكرة دعم الحل الفدرالي بشكل غير مباشر، كورقة ضاغطة لفرض مصالحهما في المشهد المقبل.
وأكدت المصادر وقتها أن صالح ناقش مع حفتر، أثناء زيارته له في مقره العسكري في الرجمة في 16 يوليو/ تموز المنصرم، فكرة إحياء "المكتب السياسي لإقليم برقة"، الذي أنشأته مجموعة فيدرالية شرقي البلاد عام 2013، وأفكاراً مشابهة تصب في خانة إنشاء حكومة ذاتية لإقليم برقة، واتهام حكومة الوحدة الوطنية بالمركزية وتهميش الأقاليم الليبية.
وزادت مواقف حفتر وقراراته العسكرية مؤخراً، وتصريحاته بشأن رفضه انصياعه لأي سلطة في البلاد؛ من قتامة المشهد المقبل للبلاد، لا سيما قراره المفاجئ بإرجاع رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، عبد الله الثني، إلى المشهد مجدداً، بعد تسليم مهام حكومته في مارس/ آذار الماضي لحكومة الوحدة الوطنية، وتعيينه رئيساً للمكتب السياسي لقيادته.
وعكست تصريحات حديثة لعقيلة صالح، في مقابلة أجرتها معه وكالة "سبوتنيك" الروسية أمس الإثنين، الأسباب ذاتها، فقد اتهم حكومة الوحدة الوطنية بعدم العمل على توحيد المؤسسات، موضحاً أن "توحيد المؤسسات يعني مشاركة كل الليبيين في جميع أجهزة الدولة، والحكومة لم تضع آلية لذلك بل زادت من المركزية في طرابلس".
وفيما شدد صالح، خلال المقابلة ذاتها، على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، وفق قانون الانتخابات الذي سيصدره مجلس النواب خلال أيام، وحذر من أن "إلغاء الانتخابات سيؤدي إلى التقسيم والفوضى واستمرار الحرب".
ولتلافي الحرب والتقسيم دعا صالح إلى ضرورة انتخاب رئيس للدولة، مؤكداً أنه سيكون "له أثر مهم من حيث العمل على إخراج كافة الأجانب والأتراك من البلاد، كما سيعيد قوة الدولة وتماسك أبنائها وإعادة اللحمة الوطنية".
وفي تناقض واضح أكد صالح رفضه الوجود العسكري التركي من جانب وتمسكه بالدعم الروسي من جانب آخر، وقال إن الاتفاقية التي جاءت بالقوات التركية "لن يزيلها إلا انتخاب الرئيس الجديد".
أما عن الجانب الروسي فقد أكد تمسكه به، وأنه "لا يمكن ممارسة الضغط علينا لإبعاد أحد أو تقريبه، نحن نحترم الأصدقاء، نحترم من يقف إلى جانبنا في زمن الشدة لكن لا أحد يستطيع أن يقول لنا أبعد روسيا"، ودون أي إشارة إلى وجود قوات روسية في ليبيا؛ أكد أن روسيا "لا يمكن الاستغناء عنها".
واللافت في تصريحات صالح أنها تزايدت في الفترة الأخيرة في اتجاه التلويح بحلول بديلة، ففي تصريح لتلفزيون "سكاي نيوز عربية"، كشف عن وجود مبادرة جاهزة سيتم طرحها في حال فشل إجراء انتخابات وطنية في موعدها المقرر في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وأشار صالح، في التصريح ذاته، إلى أن المبادرة ستطرح تصوراً لتوحيد مؤسسات الدولة، وأكد عزمه على التدخل في حال فشلت حكومة الوحدة الوطنية في "أداء عملها لإصلاح ما تم من خطأ"، دون تفاصيل أخرى.
وفيما يلفت المحلل السياسي الليبي مروان ذويب إلى أن عقيلة صالح كان أول من طرح فكرة الحل على أساس الأقاليم التاريخية للبلاد (طرابلس وبرقة وفزان) وسعى لترسيخها في كل مفاوضات الحل الليبي؛ فإنه فشل في كل محاولاته، ومنها محاصصة المناصب السيادية بين الأقاليم، وقال: "عقيلة يريد الآن التقدم خطوة إلى الأمام باللعب بورقة الفدرالية، وفرضها كأمر واقع للحل والمناورة بها"، مضيفاً أنه بتصريحاته الأخيرة يريد القول إما القبول بانتخاب رئيس الدولة وفق شروط قانون الانتخابات الذي سيصدره وإما التقسيم أو الحرب.
وتبقى كلّ السيناريوهات مفتوحة أمام هذا السعي، وفقاً لرأي ذويب، لكنه يرى أن العواصم الكبرى، ومنها واشنطن، لن تسمح بكلا النتيجتين، سواء الحرب أو التقسيم.
وتابع المحلل السياسي الليبي حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول: "قد يكون فشل حكومة الوحدة الوطنية في إدارة البلاد صحيحاً؛ لكن عقيلة صالح لا يمكنه تبرير مشاركته في إفشالها بعدم تمرير مقترحات ميزانيتها رغم استجابتها لشرط منح أموال لحفتر، والأخير لا يمكن تبرئته من عرقلة توحيد المؤسسة العسكرية وملف المناصب السيادية، وهو الأهم بين مؤسسات الدولة، صالح من يعرقله".
لكن ذويب يرى من جانب آخر أن تبني صالح للحل الفدرالي قد يفرض نفسه مقابل إبعاد شبح عودة الحرب ومخاطر التقسيم، معبراً عن مخاوفه من إخفاق المساعي الأميركية الحالية التي يجريها السفير الأميركي لاحتواء التناقضات سواء الداخلية في ليبيا أو الإقليمية كما هي الحال بين مصر وتركيا.
وقال: "ذلك يفسح المجال أكثر لموسكو ويمكنها من تكثيف حضورها وربما الاعتراف بوجودها العسكري، لكن ذلك أيضاً سيبقى رهين قدرتها على إعادة تماسك تحالفاتها داخل البلاد، وتجاوز أي مواقف رافضة لاتجاه الحل الفدرالي من قبل دول الجوار ذات الصلة المباشرة بليبيا، ومنها الجزائر ومصر، التي يبدو أن لها مقاربات أخرى للحل بعيداً عن الطرح الفدرالي".