حكومة نتنياهو تبحث عن شركاء لتحمل مسؤولية الإخفاق

10 أكتوبر 2023
لم تتمكن قوات الاحتلال من استعادة مستوطنات (جاك كوز/فرانس برس)
+ الخط -

لم تستوعب دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد حجم الضربة التي تلقّتها من عناصر المقاومة الفلسطينية على غفلة من أمرها، في إطار معركة "طوفان الأقصى". ولا تزال تعيش حالة إرباك وصدمة غير مسبوقة منذ عقود، وعدم يقين إزاء فهم ما حدث، وحجم الخسائر البشرية التي تكبدتها، وعدد الأسرى والمفقودين، عقب فشل استخباراتي كبير، لم يتوقع مثل هذا الهجوم.

وفي الوقت الذي تتعامل فيه دولة الاحتلال مع أكثر من 900 قتيل، وما يزيد على 2000 جريح، وعدد كبير من الأسرى، بينهم ضباط وجنود، يصب جيش الاحتلال جام غضبه على قطاع غزة وسكانه، مخلفاً عدداً كبيراً من الشهداء ودماراً كبيراً، فيما عينه الأخرى على الحدود اللبنانية والضفة الغربية.

يأتي هذا على الرغم من عدم تمكن قوات الاحتلال بعد من استعادة السيطرة على عدد من المستوطنات والبلدات المحاذية لقطاع غزة، في الأراضي المحتلة عام 1948، أي المناطق التي تعتبرها إسرائيل في نطاق سيادتها، الأمر الذي لا يحمل انتصاراً عسكرياً للمقاومة في اعتباراتها، ولكن أيضاً ذلاً لمؤسسة الاحتلال ونظرياتها الأمنية.

لا استخلاص للعبر من حرب أكتوبر

وفي الفترة التي أحيت فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي ذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، أو ما تسميها هي "حرب الغفران"، وكثر فيها الحديث عن استخلاص العبر من الحرب التي باغتت فيها مصر وسورية إسرائيل في حينه، تبيّن أن العبر لم تُستخلص من المنظور الإسرائيلي، وأن المقاومة الفلسطينية استغلت حالة التراخي الإسرائيلية، والأزمة الداخلية لمباغتتها ونجحت في ذلك.

يبدو أن الحرب التي أعلنتها إسرائيل لن تستهدف غزة وحدها

على مدار الشهور الماضية بدا أن المقاومة الفلسطينية في غزة غير معنية بالدخول في جولة جديدة من المعارك، فيما تحوّلت الأنظار إلى الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية المحتلة، والعمليات الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية، رداً على استفزازات المستوطنين وممارسات الاحتلال، في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

ونجحت عملية التمويه، إن كانت كذلك، في توجيه لكمة قوية، جعلت دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية تترنح منذ ثلاثة أيام، وتبحث عن استعادة سيطرتها على الوضع، وقبل ذلك هيبتها، لتعلن قرار الحرب، مبررة ذلك بعدد القتلى الكبير والتطورات الخطيرة.

حرب إسرائيل قد تتوسع لجبهات غير غزة

ويبدو أن الحرب التي أعلنتها إسرائيل، لن تستهدف غزة وحدها، ولكن جبهات أخرى، خاصة في ضوء التصعيد الحاصل في الضفة وارتقاء عدد من الشهداء منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" السبت الماضي.

وفي ظل توجه الأنظار إلى ما يدور في غزة والمناطق المحيطة بها، ليس مستبعداً أن تباغت إسرائيل "حزب الله" اللبناني بضربة استباقية، أو أن تحاول دفعه إلى فعل تتذرع به لشن حرب على لبنان.

ولم تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن التحليق في أجواء المناطق الشمالية في اليومين الماضيين، كما اخترقت الأجواء اللبنانية، بالإضافة إلى تعزيز جيش الاحتلال الإسرائيلي قواته، في اليومين الماضيين، في المناطق الشمالية القريبة من الحدود مع لبنان التي نقل إليها عدداً كبيراً من الجنود والمدرعات والآليات العسكرية.

كما أصدرت قيادة الجبهة الداخلية توصيات لسكان المستوطنات والبلدات الحدودية بإخلاء منازلهم، وهو ما ينذر بأن الأمر قد يكون أكبر من مجرد انتظار تحرك من "حزب الله" اللبناني في ظل الأحداث الأمنية.

التوغل البري الإسرائيلي بغزة مهمة انتحارية

يدرك المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي أن محاولة غزو غزة براً قد تكون بمثابة مهمة انتحارية لقوات الاحتلال، التي ذاقت قبل سنوات ويلات حي الشجاعية ومناطق أخرى في القطاع ألحقت بها خسائر فادحة، جعلت حكومتها تتخذ قراراً بمغادرتها.

محللون وصحافيون إسرائيليون: لا يمكن الفصل بين تهم الفساد التي يواجهها نتنياهو وبين أكبر إخفاق استخباراتي منذ 1973

وتواجه القوات الإسرائيلية في معقلها، وعلى ما تعتبره أرضها، داخل الأراضي المحتلة عام 1948، صعوبات جمة في التصدي لعناصر المقاومة الفلسطينية، الذين ألحقوا بجيش وشرطة الاحتلال خسائر كبيرة بالأرواح، وقاموا بأسر عدد منهم، كما اقتادوا رهائن آخرين، ما سيدفع الاحتلال للتفكير ملياً قبل دخول وحل غزة. كل ذلك، فيما تعجز إسرائيل حتى الآن عن رصد جميع المفقودين وتوفير إجابات لذويهم.

في المقابل، قل حديث المستوى السياسي الإسرائيلي، في الأيام الثلاثة الماضية، عن الأسرى الإسرائيليين. ويبدو أن القصف العنيف الذي طاول غزة، قد يشير إلى أنهم ليسوا ضمن أولويات بعض أقطاب الحكومة في المرحلة الحالية. وحتى أن عائلاتهم لا تجد عنواناً لدى الحكومة للاستفسار عن مصيرهم.

تحليلات
التحديثات الحية

ورغم تعيين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسؤولاً خاصاً لمتابعة شؤونهم، يشعر الاحتلال إلى حاجة لصورة تمنحه انتصاراً قبل أي شيء.

ويشير إلى ذلك ما صرّح به وزير المالية الإسرائيلي، الوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، الذي يبدو أنه يفضّل الانتقام على استعادة الأسرى. وقال، في جلسة الحكومة السبت الماضي: "علينا أن نبدي قسوة أكبر الآن، وألا نفكر كثيراً في الأسرى". وعليه قد يبقى قصف غزة من الجو خيار إسرائيل الأسهل، في هذه المرحلة خاصة بعد فشل سنوات من الحصار.

"حماس" تمكنت من خداع إسرائيل

في المقابل، اعتبر الكاتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" آفي يسخروف، أن حركة حماس تمكّنت من خداع إسرائيل، وخاصة حكومتها، بجعلها تعتقد أن الحركة تحولت إلى نظام يمكن إبرام صفقات معه، ومن ثم جاءت الضربة الموجعة والمهينة لإسرائيل.

وأشار يسخروف إلى حالة التخبط بشأن التوغل البري، فمن جهة "إسرائيل ملزمة برد غير مسبوق على المجزرة غير المسبوقة، والقضاء على حماس، وإرسال رسالة لكل المنطقة من أجل منع العمليات القادمة ضد إسرائيل"، ومن ناحية أخرى، ربما استعدت "حماس" جيداً لذلك على مر سنوات، كما أن هذه الخطوة قد تغري "حزب الله" اللبناني لفتح جبهة أخرى. وأعرب عن اعتقاده أن كل ما يحدث قد يكون منسقاً بين "حماس" و"حزب الله" الذي ينتظر دوره لشن هجوم مباغت.

وتقف دولة الاحتلال أمام تخبط آخر، بحسب يسخروف، يكمن في كونها ملزمة تجاه مواطنيها في الجنوب، وأن الامتناع عن القيام بعملية برية، قد يرسل إشارات ضعف لأعداء إسرائيل، تدفعهم للمزيد من العمليات ضد أهداف إسرائيلية، ونحو الحرب المقبلة، وأن هذا سيؤدي إلى ترك المستوطنين في المناطق المحيطة بغزة، وحتى على الحدود مع لبنان بيوتهم، بل إن "الثمن قد يكون أكبر من ثمن العملية (البرية) نفسها".

وإلى جانب الفشل الاستخباراتي، الذي لا يزال يشغل إسرائيل، وسيبقى كذلك لفترة وسيتم حتماً التحقيق فيه، بدا جيش الاحتلال حتى داخل البلدات والمستوطنات الإسرائيلية بلا حول ولا قوة في الأيام الثلاثة الماضية، وهو ما أكدته وسائل إعلام عبرية، منها صحيفة "هآرتس"، التي أشارت، أمس الاثنين، إلى صعوبات لوجستية أيضاً وحالة من الإرتباك وإخفاقات كبيرة.

تأثير الأزمة الداخلية والفشل الاستخباراتي

لا يمكن الفصل بين تهم الفساد التي يواجهها نتنياهو والأزمة الداخلية الإسرائيلية المرتبطة بخطة التعديلات القضائية، التي تأتي بالدرجة الأولى لحمايته وخدمة لأجندات ائتلافه الحاكم، وبين أكبر إخفاق استخباراتي منذ 1973، وربما منذ قيام إسرائيل، بحسب ما يراه العديد من المحللين والصحافيين الإسرائيليين.

يضاف إلى ذلك الاستخفاف بجدية المقاومة الفلسطينية، والتشكيك المتتالي في كفاءة جيش الاحتلال، في ظل إعلان عدد كبير من جنود الاحتياط عدم الامتثال للخدمة العسكرية احتجاجاً على خطة إضعاف القضاء. وفي اليومين الماضيين، عاد جيش الاحتلال وجنّد أكبر عدد من جنود الاحتياط.

لا تخدم حكومة الطوارئ نتنياهو وحده ولكن شركاءه في الائتلاف أيضاً

وعلى الرغم من الإخفاق الكبير لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلا أنها حذّرت طيلة الشهور الماضية نتنياهو من أن أعداء إسرائيل يرون ضعفاً غير مسبوق لديها على مختلف المستويات، وأن احتمالات نشوب حرب كبيرة جداً منذ حرب لبنان الثانية. ويبدو أن المقاومة الفلسطينية استغلت هذا الضعف، وحالة التراخي ونجحت في ذلك.

وساهمت عدة عوامل، أبرزها عنصر المفاجأة، في تفوق المقاومة الفلسطينية في الضربة الافتتاحية. وكشفت عن نقاط ضعف في جيش الاحتلال وعتاده العسكري، حتى في دبابة الـ"ميركافا" التي كان يفاخر بها.

الصحافي في صحيفة "هآرتس" عوديد يارون أشار إلى أن حركة حماس لجأت في الضربة الافتتاحية الواسعة إلى استخدام مبتكر لطائرات بدون طيار صغيرة ورخيصة نسبياً في قطاع غزة، تمكنت من إعطاب وتعطيل أنظمة إسرائيلية متقدّمة بقيمة مئات الآلاف، وحتى ملايين الدولارات. كما تم استخدام طائرات بدون طيار محلية الصنع. هذه الأدوات، بالإضافة إلى "المركبات الطائرة" التي تسلل بها المقاومون من فوق السياج، سمحت لحركة حماس بالتغلب على التفوق التكنولوجي الإسرائيلي ومفاجأة القوات في الميدان.

وأشار يارون إلى تفوق المقاومة بوسائلها القتالية المحدودة على دبابة الـ"ميركافا" وكشف نقاط ضعفها، حين خلص للقول إنها (أي الدبابة) صُممت للصمود في وجه القذائف المضادة للمدرعات، لكنها لم تصمد في وجه المتفجرات التي ألقيت على الجزء العلوي منها.

وعزا آخرون نجاح حماس إلى فشل جيش الاحتلال، ذلك أنه انشغل في الفترة الأخيرة بحماية المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة أكثر من انشغاله في التدريبات.

نتنياهو يبحث عن شركاء في الفشل

وجدت دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها في حالة طوارئ تفضّل فيها الحكومة على تلقي دعم من المعارضة، رغم الخلافات المستمرة بين الفريقين منذ تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، قبل أكثر من 9 أشهر، ومعها الاحتجاجات الواسعة في الشارع الإسرائيلي على خلفية خطة التعديلات القضائية.

ورغم إخفاق الاستخبارات والجيش، يتحمّل نتنياهو الجزء الأكبر من الفشل والهزيمة في الأحداث الأخيرة، بصفته رئيساً للحكومة، وهو الذي حرص مع مرور السنين على تسويق نفسه على أنه "حامي الحمى" لإسرائيل، لكن هذه الصورة تهاوت أمام ما حققته المقاومة.

وحّدت الأحداث الأمنية الإسرائيليين خلف الجيش، فيما تُطرح بقوة فكرة تشكيل حكومة طوارئ. وأبدت أوساط في المعارضة، بشروط، استعدادها لذلك، بهدف المساهمة في التأثير على مجريات الأوضاع.

وتسعى المعارضة لضمان تأثيرها في القرارات وإدارة المعارك، فيما سيخدم نتنياهو سياسياً وجود شركاء له في الفشل، عندما يتم تحميله مسؤولية الخسائر المحتملة للحرب التي أعلنتها إسرائيل.

ولا تخدم حكومة الطوارئ نتنياهو وحده، ولكن شركاءه في الائتلاف أيضاً، على رأسهم الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذان ناديا أيضاً بتشكيل حكومة طوارئ موحدة، وهما المتهمان من قبل المعارضة بوصول دولة الاحتلال إلى ما وصلت إليه.

7 أكتوبر سيبقى راسخاً

خاضت دولة الاحتلال الإسرائيلي عدة حروب سابقة أمام جيوش ودبابات وطائرات، في سنوات كانت لا تزال تتشكل فيها.

ومن المفارقات أن واحدة من أكبر الضربات الموجعة جاءتها من قبل المقاومة الفلسطينية التي تعيش حصاراً منذ سنوات طويلة، رغم بلوغ إسرائيل، بعد 75 عاماً على إقامتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مرحلة من التطور تنافس فيها دول العالم كقوة عُظمى في العديد من المجالات، خاصة في التكنولوجيا والسايبر وأنظمة التجسس، فضلاً عن تصنيعها وتصديرها أسلحة ومنظومات دفاعية للعديد من الدول.

لكن كل هذا نسفه عدد من المقاومين بين ليلة وضحاها. ومهما كان انتقام إسرائيل قاسياً، فإن المقاومة حققت نصراً مرحلياً مهماً من جانبها، وعليه سيبقى يوم 7 أكتوبر، عالقاً في أذهان الإسرائيليين، وسينضم إلى قائمة المراحل المفصلية التي تُقام في أعقابها لجان للتحقيق واستخلاص العبر.