- تزايد القلق بين الحلفاء حول مستقبل الدعم الأميركي للناتو وأوكرانيا، خصوصًا مع احتمالية عودة ترامب للرئاسة، مما يستدعي البحث عن سبل لضمان الأمن الأوروبي والأميركي.
- الناتو يعمل على تعزيز قواته وزيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة التحديات، رغم الانتقادات الموجهة له بسبب عدم إلغاء معاهدة الشراكة مع روسيا وتخلف بعض الدول عن الإسهام المالي.
احتفال حلف شمال الأطلسي (الناتو) بذكرى تأسيسه، اختلف هذه المرة، بالنظر إلى ضخامة الأهداف، التي يطمح لتحقيقها، وجملة التحديات المطروحة أمامه، وأهمها الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تزداد اشتعالاً، وتحقق روسيا فيها تقدماً ملحوظاً، في الوقت الذي يتباطأ فيه الدعم الغربي، خاصة الأميركي، لكييف. ومن أجل ذلك ارتفع صوت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محذّراً من أن بلاده ستخسر الحرب، ما لم يقرّ الكونغرس الأميركي حزمة المساعدات العسكرية البالغة 60 مليار دولار. جرى الالتزام بإحياء ذكرى تأسيس حلف شمال الأطلسي في الرابع من إبريل/نيسان 1949. والتقى وزراء خارجيته في مقره ببروكسل، من أجل مناقشة العديد من القضايا الرئيسية.
أبرز التقرير السنوي للحلف لعام 2023 أن الأوروبيين وكندا زادوا الإنفاق الدفاعي للعام التاسع على التوالي
لكن الاحتفال الكبير تم ترحيله إلى القمة الدورية المقرر انعقادها بواشنطن في يوليو/تموز المقبل، وينتظر أن تكون ذات طابع مختلط احتفالي من جهة، ومن جهة أخرى محطة للخروج بتصورات تخص جملة من المسائل، لا تتعلق بجدول الأعمال بين قمتين، بل تتجاوزه نحو خلاصات استراتيجية، منها رفع عديد قوات الحلف، وتحقيق قدر من التوازن بين قوات الدول المنضوية فيه، الأمر الذي سيؤدي إلى نسبة تجييش كبيرة، وزيادة الإنفاق الدفاعي بما يناسب تحديات المرحلة المقبلة.
أجواء شك بمستقبل حلف شمال الأطلسي
وهناك ملاحظة مهمة تستوجب الإشارة إليها، وهي أن هناك أجواء من الشك وعدم اليقين حول مستقبل الحلف، الذي ينظر إليه بعض المحللين الغربيين على أنه دخل في عامه الخامس والسبعين، وهو يمر بمرحلة من الترهل والتردد والخشية من الشيخوخة، على حد تعبير الكاتب البريطاني ستان رايننغ، مؤلف كتاب "الناتو، من الحرب الباردة إلى أوكرانيا، تاريخ للتحالف الأقوى في العالم". ويتم النظر إلى تراخي الموقف تجاه أوكرانيا كمثال على ذلك. وتسود شكوك بأن بعض الدول تفضل استنزاف روسيا في أوكرانيا على تحقيق النصر العسكري عليها. وبدلاً من تعزيز الردع بوجه روسيا، التي تهدد باستخدام السلاح النووي ضد أعضاء في حلف شمال الأطلسي هناك حالة تردد، على عكس الحماسة التي دبت في صفوف الجميع في بداية الحرب.
وبدا ظل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مخيماً على الحلف، وظهر في لهجة الصحافة الغربية، التي غطت المناسبة، أن الخشية من وصوله للرئاسة في انتخابات الخريف المقبل، حضرت في كواليس اجتماعات وزراء الخارجية. وتحدث دبلوماسيون غربيون، إلى وسائل الإعلام، عن مقترح تقدم به الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، يتضمن أن يأخذ "الناتو" على عاتقه العمل، تحسباً لتطورات من بينها خفض الدعم الأميركي لأوكرانيا، إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. ولم تكف لطمأنة الحلفاء تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن في المناسبة أنه "حلف مقدس".
وهناك مؤشرات عديدة على اجتماعات وتحركات، يقوم بها بعض أعضاء "الناتو" الفاعلين، مثل بريطانيا وفرنسا، من أجل تفادي حصول مفاجأة من قبيل عودة ترامب، الذي قد لا يتوقف عند التهديد والوعيد، بل يمكن أن ينفذ ذلك، وينسحب من الحلف. مع العلم أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي خلال جزء من ولاية ترامب، ذكر في كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث: مذكرات من البيت الأبيض" (The Room Where It Happened: A White House Memoir)، أن الرئيس الأميركي السابق كان على وشك اتخاذ قرار الانسحاب من "الناتو" قبيل قمة الحلف في بروكسل عام 2018.
وقد جرى التوقف مطولاً خلال اجتماع وزراء دفاع الحلف منتصف فبراير/ شباط الماضي، عند نقطتين أساسيتين. الأولى، هي وفاء الدول الأعضاء بتخصيص نسبة اثنين في المائة من الناتج المحلي لموازنة الحلف الدفاعية. وكان ترامب أعلن، أخيراً، أنه "سيشجّع روسيا على مهاجمة أي دولة منضوية في الناتو لا تنفق ما يكفي على الدفاع".
ارتفاع الإنفاق الدفاعي
وأبرز التقرير السنوي للحلف لعام 2023 أن الحلفاء الأوروبيين وكندا زادوا الإنفاق الدفاعي للعام التاسع على التوالي، إذ ارتفع بنسبة 11 في المائة مقارنة بعام 2022، واستوفى 11 حليفاً المبدأ التوجيهي المتمثل في إنفاق اثنين في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وأوائل العام 2024، ارتفع هذا العدد إلى 18 دولة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تسهم بـ67 في المائة من الإنفاق العسكري المشترك، الذي قدر في 2023 بحوالي 1.1 تريليون دولار.
لم تتغير النظرة الروسية التي تعتبر أن الولايات المتحدة تستخدم الحلف كأداة للمواجهة
وفي 2023، أعلن الحلف عن زيادة عدد قواته التي يضعها في حالة تأهب في أوروبا من 40 ألفاً إلى أكثر من 300 ألف، كما عزز قواته الدفاعية في المنطقة الشرقية من أوروبا المتاخمة لروسيا بثماني مجموعات قتالية متعددة الجنسيات. غير أن حلف شمال الأطلسي لم يلغ حتى اليوم معاهدة الشراكة المبرمة مع روسيا عام 1997، مكتفياً فقط بتعليقها، وهذا ما أثار انتقادات كثيرة من بعض الدول الأعضاء، خاصة دول البلطيق (أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) المهددة باجتياح روسي. والنقطة الثانية، هي تسديد كل الدول حصتها في موازنة الحلف، حيث إن هناك 13 دولة متخلفة عن ذلك من أصل 32، بعد انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو".
والمؤشر الثاني، ظهور قلق في أوساط الأعضاء الفاعلين من تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا، ولخص ذلك الاستجابة الفاترة للدعوة التي أطلقها وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، خلال إحياء ذكرى تأسيس الحلف، وجاء فيها أن "بريطانيا قدمت أموالاً لأوكرانيا هذا العام". وهذا هو العنوان الأساسي الذي كان على جدول زيارته إلى واشنطن الثلاثاء الماضي.
وباعتبار بريطانيا داعما أساسيا لأوكرانيا منذ بداية الحرب، وهي التي دربت 60 ألف جندي أوكراني حتى الآن، فإنها تبدو مهتمة إلى حد كبير بعدم توقفه. وقد كانت لهجة الوزير البريطاني صريحة في هذا الاتجاه، حيث قال، في بيان بالتزامن مع الزيارة، إن "نجاح أوكرانيا وفشل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أمران حيويان للأمن الأميركي والأوروبي"، مضيفاً أنه من المهم الإثبات لبوتين أن "العدوان لا يجدي نفعاً". ولم يخف كاميرون قلق حلفاء "الأطلسي" من أن التهاون في دعم أوكرانيا له عواقب كبيرة، موضحاً أن "أي بديل لذلك لن يؤدي إلا إلى تشجيع بوتين على القيام بمحاولات أخرى لإعادة رسم الحدود الأوروبية بالقوة، وسوف يُسمع ذلك بوضوح في بكين وطهران وكوريا الشمالية".
عودة الحلف لعقلية الحرب الباردة
في المقابل، اعتبرت موسكو أن حلف شمال الأطلسي عاد إلى عقلية الحرب الباردة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، للصحافيين بعد احتفال الحلف بذكرى تأسيسه، إن "الناتو" ليس له مكان في "العالم متعدد الأقطاب" الذي تقول موسكو إنها تسعى إلى بنائه لإنهاء الهيمنة الأميركية.
ولم تتغير النظرة الروسية التي تعتبر أن الولايات المتحدة تقف وراء الحلف، وتستخدمه كأداة للمواجهة، خاصة في القارة الأوروبية. وعلى هذا الأساس تم تخطيطه وتشكيله وإنشاؤه وإدارته من قبل واشنطن. والنقطة الثانية، أن أنشطة حلف شمال الأطلسي لا تعزز حالياً الأمن والاستقرار في أوروبا، "بل على العكس من ذلك، هي عامل مزعزع للاستقرار"، حسبما ذكرت وكالة أنباء إنترفاكس الحكومية الروسية، في معرض التعليق على إحياء الذكرى. والنقطة الثالثة، بحسب موسكو، هي أن "الناتو" متورط في الصراع الأوكراني، وهو السبب الرئيسي الذي قاد روسيا لإعلان الحرب على جارتها، التي كانت تحضر نفسها لنيل العضوية فيه، وبذلك تحمي نفسها من الخطر الروسي الدائم، إذ إن المادة الخامسة من ميثاق الحلف تضمن تدخله إلى جانبها بصورة قانونية.
في الذكرى الـ75 لإنشاء حلف شمال الأطلسي ثمة انتقادات عديدة لتراجع دوره خارج حدود أوروبا في الأعوام الأخيرة، ومثال على ذلك ضمور الشراكات التي عقدها مع العديد من الدول من خارج أوروبا. وكان قد وقع خلال العقود الماضية اتفاقيات شراكة مع نحو 40 دولة حول العالم، تندرج ضمن 4 اتفاقيات رئيسية: دول شركاء سلام، ودول الحوار المتوسطي، ودول مبادرة إسطنبول للتعاون، وأخيراً اتفاقية الشركاء الدوليين. وكان من المفروض أن يسهم هؤلاء الشركاء في العمليات والمهام التي يقودها "الناتو" في مناطقهم، إلا أن هذا الأمر لم يحدث، ولذلك فإنه لا حضور له في أفريقيا أو الشرق الأوسط والمحيطين الهندي والهادئ.