لم تخرج اجتماعات أستانة التي انتهت يوم الخميس الماضي، بأي قرارات من شأنها أن تحرز تقدماً في أي من الملفات التي تحملها المعارضة السورية في كل جولة من جولات هذا المسار، الذي حقق من خلاله نظام بشار الأسد انتصاراً كبيراً على المعارضة بطردها من معظم "مناطق خفض التصعيد" التي كانت تسيطر عليها، ليتم تهجير أكثر من مليوني سوري من سكان تلك المناطق وحشرهم في الشمال السوري.
وجاء البيان الختامي لاجتماعات أستانة الأخيرة عبارة عن كلام إنشائي مكرر حول الالتزام بوحدة الأراضي السورية ورفض التوجهات الانفصالية، والالتزام بمحاربة الإرهاب، وبالتهدئة في آخر مناطق خفض التصعيد. في حين لم يتطرق البيان الختامي لذكر العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في الشمال السوري، كما لم يأتِ على ذكر ملف المعتقلين ولا مناطق ريف إدلب الجنوبي التي استولى عليها النظام خارقاً اتفاقات أستانة والتفاهمات الروسية التركية، ما يعني أن الضامن التركي يتعامل معها كأمر واقع على الرغم من وعوده بمساعدة المعارضة باستعادتها.
إلا أن الجديد في الجولة الأخيرة من أستانة هو وضع وفد المعارضة بمزيد من الإحراج، عبر طرح إيران أن تكون الجولة المقبلة في طهران، ومطالبة روسيا بتغيير مكان اجتماعات جنيف ونقلها إلى بلد آخر، وتأييد النظام بطريقة ببغاوية لهذا الطرح.
ويؤدي ذلك إلى إدخال اللجنة الدستورية المعطلة أصلاً بمزيد من التعطيل والمماطلة التي يتناوب عليها النظام وروسيا منذ بداية عمل اللجنة، سواء من خلال إدخال اللجنة بأجندات شرح المشروح، مثل الاتفاق على البديهيات والثوابت الوطنية، التي عطّل النظام من خلالها عمل اللجنة لأكثر من سنة، أو من خلال طرح مسائل غير دستورية لا علاقة لها بعمل اللجنة وخلق خلافات عليها بهدف تمرير جلسات لا طائل منها.
من جهتها، كانت موسكو تختلق بين الحين والآخر الذرائع لتعطيل عمل هذه اللجنة والتي جاء آخرها الطلب الروسي بتغيير مكان اجتماعات اللجنة من جنيف إلى بلد آخر. هذا الأمر يشير إلى أن موسكو ما زالت اللاعب الرئيسي في القضية السورية على الرغم من انشغالها بغزو أوكرانيا، وأن الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية في سورية ما زال بعيداً، فيما الإرادة الدولية لفرضه ليست متوفرة حتى اللحظة.