أثار تكليف الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس حكومته الجديد أحمد الحشاني، بإعداد أمر لما وصفه بـ"تطهير الإدارة"، جدلاً كبيراً، في خطوة اعتبرها مناصروه ضرورة لإصلاح البلاد، فيما وصفها معارضوه بأنها استهداف جديد لتوجهاتهم.
وخلال لقائه الحشاني، الخميس الماضي، دعا سعيّد إلى إعداد مشروع أمر لـ"تطهير الإدارة" ممن قال إنهم "تسللوا إليها دون وجه حق، وتحولوا إلى عقبات أمام سير عمل الدولة".
وجدّد سعيّد أثناء لقائه وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، هذه الدعوة التي قال إنها جاءت لـ"تحميل المسؤولين الجهويين مسؤولياتهم، لأنهم لم يُعيّنوا في الوظائف إلا لخدمة الشعب التونسي، ومن زاغ عن هذه الطريق فليس له مكان في الإدارة".
في هذا السياق، اعتبر أستاذ القانون التونسي مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تناول مسألة تطهير الإدارة يكون وفق تحليل سياسي وقانوني في نفس الوقت، فقيس سعيّد في الحكم منذ عام 2019، وهو ضمن انقلاب يمسك بكل السلطات منذ عام 2021، وهناك تفاقم للأزمة على المستويات: السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من الواضح أنه يحاول الهروب من الأزمة من خلال تحميل المسؤولية لأطراف وهمية"، موضحاً: "سعيّد يكرر مسألة التطهير دائماً وكأن هناك من يعطل المشاريع والإنجازات".
وأضاف الحريزي: "سعيّد يستلهم أفكاره من التجربة المصرية التي سنت قانوناً لتطهير الإدارة من الإخوان المسلمين، وتسببت في مجازر تجويع ضد عائلات بسبب وشايات أو بسبب مواقف، وهو ما سبب شرخاً اجتماعياً، ويبدو أن هناك توجهاً جدياً في مسألة تطهير الإدارة في سياق تبادل التجارب والخبرات مع التجربة المصرية".
وأكد أستاذ القانون أن "هذا الأمر سيستهدف المعارضين والخصوم، وسيضيّق على العمل النقابي، وسيصبح وسيلة لتخويف وإسكات المعارضين العاملين في الإدارات، كما أنه سيكون وسيلة للضغط السياسي من قبل السلطة".
وأوضح الحريزي أنه "من الناحية القانونية يوجد قوانين مماثلة تسمى قوانين (الغربلة) وتعتمدها الأمم المتحدة، ولكن (التطهير) مصلح يتضمن عنفاً وسلبية"، مبيناً أن "هذه المسألة لا يمكن أن تكون بأمر حكومي، بل يجب سن قانون يُعرض على البرلمان ويطرح للنقاش وفق ضمانات ومسار معين".
إلى ذلك، قال المحلل السياسي التونسي محمد ضيف الله، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تطهير الإدارة هي حرب أخرى يطلقها سعيّد بهدف إلهاء وتشتيت اهتمام الناس عن المعاناة اليومية في الطوابير وشحّ المواد الأساسية وغلاء الأسعار، كما أنه يُغذي مشاعر التشفي والانتقام عند أنصاره، عن طريق استهداف المختلفين عنه سياسياً أو أيديولوجياً تحت عنوان (من تسللوا إلى الإدارة)".
وأكد ضيف الله أنّ هذه الخطوة ستكون "الخيار السهل" بالنسبة لسعيّد في ظل هذا الوضع، إذ إنّها لا تتطلب ميزانية ولا موارد إضافية.
واعتبر القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني، عبر "فيسبوك"، أنّ كل هذا يأتي من أجل "التغطية على الفشل الذريع في الإنجاز، وإدخال البلاد في معارك وهمية وهامشية، وإلهاء الرأي العام بحكايات الخرافات والحكواتي"، بحسب تعبيره.
من جانبه، قال رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو/ تموز، عبد الرزاق الخلولي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن ما يسمى بـ"تطهير الإدارة هو مطلب شعبي وهو يستهدف تطهير الإدارات ممن تسللوا إليها بسبب الولاءات والانتماءات السياسية خلال العشرية الماضية".
وأضاف الخلولي: "نحن نساند حملة الرئيس لتطهير الإدارات والوزارات ممن يقفون عثرة أمام الإصلاح ودفع التنمية في البلاد، ويعرقلون مسار التنمية".