- يواجه العراق تحديات أمنية بسبب وجود 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح بين المواطنين، المليشيات، والجماعات المسلحة، مما يعيق فرض القانون والنظام.
- النقاد والناشطون يرون أن الجهود الحكومية لم تكن كافية لمواجهة تحدي حصر السلاح، مشددين على ضرورة تطبيق القانون بشكل صارم وتطوير استراتيجيات أكثر فعالية.
مضت نحو 5 أشهر على إعلان السلطات في العراق، إطلاق مشروع "حصر السلاح في يد الدولة"، عبر شراء الأسلحة من العراقيين، في إطار تنفيذ جزء من برنامج رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بهدف سحب السلاح من المواطنين، إلا أن هذا المشروع فشل إلى حد كبير، ولم يحقق أي شيء من أهدافه.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أنها أقدمت على شراء السلاح من العراقيين، من عبر بوابة "أور" الإلكترونية الحكومية (موقع إلكتروني)، بالإضافة إلى فتح 697 مركزاً لشراء الأسلحة من المواطنين. وبالرغم من كونها المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات في العراق إلى شراء الأسلحة من المواطنين، إلا أن الإقبال ضعيف، في حين أن بعض المراكز لم تشهد شراء ولا قطعة سلاح واحدة.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد تعهد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بإنهاء ظاهرة "السلاح المنفلت" في برنامجه الحكومي، وهو نفس الشعار الذي رفعته كل الحكومات منذ عام 2005، دون التقدم في هذا الملف، لكن التحديات التي يتحدث عنها نواب وسياسيون، في هذا الملف، تعيق التقدم فيه.
في السياق، قال عضو مجلس النواب، عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "الحكومة تسعى إلى استدراج السلاح من المواطنين، وهي طريقة ناجحة حتى وإن لم تشهد إقبالاً كبيراً، لكنها على الأقل تهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة، وخطوات الحكومة لن تقتصر على هذا الإجراء، ربما هناك إجراءات أخرى في المستقبل"، مبيناً أنّ "الأوضاع الأمنية السيئة التي شهدها العراق، دفعت ملايين المواطنين إلى شراء الأسلحة لحماية أنفسهم، لكن لم يعد هناك حاجة لهذا السلاح، ولابد أن تسيطر الدولة على السلم المجتمعي من خلال جمع السلاح".
من جانبه، وصف عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر إسكندر، برنامج وزارة الداخلية في تسجيل أسلحة المواطنين في العراق بأنه "الخطوة الأهم بعد 2003 في حصر الأسلحة وخلق قاعدة بيانات رسمية لها"، لكنه أشار إلى ضعف في الإقبال على تسجيل الأسلحة.
وقال إسكندر، في حديث صحافي، إنّ "ضعف الإقبال على تسجيل الأسلحة من قبل المواطنين مع بداية تطبيق البرنامج، أمر متوقع، بسبب هواجس القلق والخوف التي تنتاب الكثيرين"، معتبراً أن "تراكمات ما بعد 2003 وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الحكومة من خلال فرض القانون وفق سياقات واضحة، أمر حيوي، ويحتاج إلى الصبر والمتابعة".
لكن الناشط العراقي أيهم رشاد، أشار إلى أن "هذا المشروع يهدف إلى شراء الأسلحة من المواطنين فقط، مع العلم أن العراقيين يستغيثون ليس من سلاحهم العادي الذي يستعدون للتخلص منه، بل من السلاح المنفلت بيد العصابات والمليشيات التي تستعرضه بعد كل أزمة سياسية، وتهدد به الناشطين والصحافيين".
وأكمل رشاد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السلاح الذي يرهب العراقيين في الحقيقة، هو سلاح المليشيات، التي تمتلك ترسانة كبيرة تهدد المجتمع والدولة معاً، بل إنها تمتلك الصواريخ التي تواجه به خصومها، وقد شهدنا أن جماعات مسلحة تمادت في استخدام سلاحها ضد المتظاهرين، ولا ننسى أن هذه الجماعات قصفت منزل رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي، بالتالي فإن سلاح المليشيات هو الذي لابد أن يكون مقصوداً، ثم سلاح العشائر".
واتفق النائب في البرلمان، سجاد سالم، مع رشاد، بالقول إن "حملات الحكومة العراقية لحصر السلاح المنفلت غير مجدية، وإن السلاح المنفلت ما يزال في مخازنه وتحميه جماعات لها تأثيرات على الوضع العام"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "حصر السلاح يتطلب تطبيق القانون وإنفاذه، وعدم الخضوع لأي تأثيرات سياسية".
واعتبر الناشط علي الحميداوي، أن الحملة "لا تغري المليشيات وعصابات الجريمة المنظمة"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن السلاح بالنسبة للمليشيات والعصابات وشبكات الجريمة المنظمة هو من يجلب لها المال والنفوذ، بالتالي لا يشكل عرض الدولة أسعار للأسلحة مغريات لها". واعتبر أن الحل مع تلك الجماعات هو فرض القانون وليس استدرارها بالمال.
وتجري وزارة الداخلية حملة للسيطرة على السلاح المنفلت، عبر حملة شراء السلاح من المواطنين وبتخصيص مالي يبلغ 15 مليار دينار وبواقع مليار دينار لكل محافظة، أما الحملة الأخرى فهي فتح باب تسجيل سلاح المواطنين وبواقع قطعة سلاح خفيفة واحدة فقط لكل منزل.
وسبق أن أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد ميري، أن "استراتيجية سحب السلاح وحصر السلاح المنفلت من قبل وزارة الداخلية مستمرة إلى نهاية العام الحالي كسقف زمني، ومن ثم ننتقل إلى مراحل أخرى". وبيّن في تصريحات صحافية أنه "تم تشكيل لجنة وتحديد أسعار الشراء ولم يبق إلا المصادقة عليها، والوزارة جادة في تنفيذ البرنامج الحكومي".
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق استتباب الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة في العادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق كلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط العراق.
وتملك غالبية هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلّحة، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين للتفكير في الدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.