منذ عام 2006، قاتل محمد حمدان دقلو (حميدتي) حركات التمرد في إقليم دارفور، غرب السودان، نيابة عن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي جعل من حميدتي بيدقاً لتنفيذ كثير من الأجندة العسكرية والأمنية.
في لحظات صفاء قبل أعوام، وفي اجتماع ضمّ مختلف القيادات الدارفورية، وجّه حميدتي خطاب اعتذار عن تلك الفترة، متعهداً بعدم القتال مرة أخرى بين أبناء الإقليم، مستخدماً حكمة شعبية تقول "الشلاق ما خلا أعمى"، في ما معناه أنه استوعب الدرس ولم يعد أعمى يُقاد كما كان.
في 11 إبريل/نيسان 2019، انحازت قوات "الدعم السريع" بقيادة حميدتي للثورة السودانية، ولو ظاهرياً، وأطاحت مع قيادات في الجيش بنظام عمر البشير، لكن سرعان ما انقلب حميدتي على الثورة وعلى حراكها الثوري بما في ذلك اعتصام محيط قيادة الجيش الذي تمّ فضّه بقوة قوامها الرئيسي "الدعم السريع" (3 يونيو/حزيران 2019). واجتهد حميدتي في البحث عن حاضنة سياسية جديدة للثورة من زعماء القبائل ورجال الدين ومرتزقة السياسة، لكن بعد فترة زمنية وجيزة، عاد واتهم جهة لم يسّمها بتوريطهم في فضّ الاعتصام.
بعد ذلك، شارك حميدتي في حكومة الشراكة الانتقالية بين العسكريين والمدنيين في منصب نائب رئيس مجلس السيادة، ومسؤول عن ملف السلام مع الحركات المتمردة، ورأس اللجنة الاقتصادية، وتحرك بحرّية في العلاقات الخارجية. رغم ذلك ظلّ يتحدث عن تهميشهم وعن فشل الحكومة وأسفه على المشاركة فيها.
في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كان قائد قوات الدعم السريع الأكثر حماسة من غيره للانقلاب العسكري والاطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، فكان دور قواته واضحاً للعيان في تنفيذ الانقلاب الذي أدخل البلاد في عنق الزجاجة الحالية.
قبل يومين، خرج حميدتي بخطاب للشعب السوداني قدّم فيه سرداً لمسيرته السياسية وأكد أنه أصاب حيناً وأخطأ أحياناً أخرى، وأن آخر أخطائه مشاركته في انقلاب 25 أكتوبر، بعدما تبين له منذ اليوم الأول للانقلاب، أنه لن يكون مخرجاً للاحتقان السياسي، وتحوله إلى بوابة لعودة النظام البائد، ما دفعه نحو التراجع والرغبة الصادقة في الخروج من السلطة السياسية وتسليمها لسلطة مدنية انتقالية.
بقراءة بسيطة لتلك التجربة القصيرة، ثبت أن حميدتي ولج إلى عوالم السياسة بلا أي تأهيل أو خبرة أو رغبة في الاستفادة من الدروس والعبر، ومن الطبيعي أن يكتشف في كل مرة أخطاءه ويعدّدها ويعتذر عنها. ولو أعاد النظر مرة ومرتين في تلك التجربة سينقلب خاسراً من أخطاء أخرى، وخلو كتابه من أي صواب له قيمة حقيقية، والأسوأ في ما فيها، هو قابلية الرجل وقواته في كل مرة لأن يكونوا مجرد مطية لآخرين لتمرير أجندتهم.