يكبر الصراع الإقليمي والدولي على الساحة الليبية، في ظل حالة استقطاب وتنافس بين مصر والجزائر، يسعى خلالها البلدان لفرض رؤيتهما. ففي الوقت الذي تدعم فيه الجزائر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، فإن مصر تساند الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.
ترتيبات لعقد لقاء بين السيسي والمشري
وبدأ رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، أمس الإثنين، زيارة القاهرة، قبيل استئناف اجتماعات لجنة المسار الدستوري بين ممثلي مجلسي النواب والدولة في العاصمة المصرية في 15 مايو/أيار الحالي.
واستهل زيارته بلقاء السفير الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند. ونقل حساب السفارة الأميركية على "تويتر" عن نورلاند قوله: "في اجتماعي اليوم مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في القاهرة، اتفقنا على الحاجة إلى دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة والتي تهدف إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت ممكن حسبما يطالب به الناخبون الليبيون".
وأضاف "أشجّع جميع المشاركين في اجتماع القاهرة المقبل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على العمل نيابة عن الشعب الليبي والتوصل إلى الإجماع اللازم لوضع القاعدة الدستورية للانتخابات".
من جهته، قال المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، إن اللقاء أكد على أن أقرب الطرق للوصول إلى الانتخابات "هو توافق مجلسي الدولة والنواب على قاعدة دستورية وإصدار قوانين سليمة"، مشيراً إلى أن المشري ونورلاند شددا على ضرورة إنجاح عمل لجنتي مجلسي الدولة والنواب لإنجاز المسار الدستوري.
كما أشار بيان المجلس إلى أن اللقاء تطرق إلى أزمة إغلاق النفط في ليبيا، حيث أكدا الطرفان على ضرورة فتح الحقول والموانئ النفطية، مع إيجاد آلية تضمن شفافية إنفاق العوائد النفطية.
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية مقربة من اللجنة الوطنية المعنية بملف ليبيا تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن هناك ترتيبات لعقد لقاء رسمي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمشري قبل انطلاق اجتماعات لجنة المسار الدستوري. وذكرت المصادر أن التقديرات المصرية غير مرتفعة بشأن إمكانية التوصل لنتائج إيجابية خلال جولات الحوار المرتقبة للجنة.
ترتيبات لعقد لقاء رسمي بين السيسي والمشري قبل انطلاق اجتماعات لجنة المسار الدستوري
وقالت المصادر إن القاهرة تحاول جاهدة في الوقت الراهن تقوية معسكر حكومة باشاغا، لمنحها قوة فعلية على الأرض تمكنها من الحصول على اعتراف دولي.
وأشارت إلى أن تعاطي مصر مع المشري الذي تصنفه الأجهزة المصرية المعنية بالملف الليبي في خانة "الإخوان"، في إشارة لانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، يعد تطوراً كبيراً في إطار تعاملها مع الملف الليبي.
وأرجعت المصادر التطور الذي يشهده الموقف المصري حالياً، إلى المأزق الذي تواجهه القاهرة في ظل الموقف الجزائري الداعم لحكومة الدبيبة، وهو الدعم الذي تسعى القاهرة لحصاره، ومنع توسع النفوذ الجزائري في الملف الليبي خلال الفترة الراهنة.
وبحسب المصادر، فإن القاهرة تسعى من خلال مشاوراتها مع المشري، إلى التوافق على أرضية مشتركة، تتمثل في دعم مصر إجراء الانتخابات في وقت قريب، ولكن عقب تسليم الدبيبة السلطة، وإشراف حكومة باشاغا على العملية الانتخابية، مع إمكانية التوصل إلى تعهد من قبل باشاغا بعدم الترشح للانتخابات المقبلة.
وأوضحت أن القاهرة تدرك رغبة المشري ومجلس الدولة في إجراء الانتخابات بعد التوافق على القاعدة الدستورية، وأنه غير متمسك ببقاء حكومة الوحدة الوطنية. ووفقاً للمصادر، فإنه "كلما سارت العلاقات بين مصر وتركيا في مسار إيجابي على الصعيد السياسي والتنسيق الأمني، سنشهد تطورات على صعيد توجهات القاهرة بشأن المكونات الليبية وبالتحديد في الغرب الليبي".
تقليل ليبي من الرهانات على زيارة المشري للقاهرة
كما كشفت المصادر عن ترتيبات مصرية لعقد اجتماع بين المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في القاهرة برعاية مصرية، من أجل تقريب وجهات النظر بين الرجلين، في وقت ترى فيه القاهرة أن التوصل لمثل هذا التحالف ربما يكون حاسماً في إنهاء مهمة الدبيبة.
غير أن مصادر ليبية مقربة من المشري، بينهم أعضاء في مجلس الدولة، تقلل لـ"العربي الجديد" من الرهانات على زيارة المشري إلى القاهرة، مرجحة ألا تسفر عن شيء مؤثر لنقل سياق الخلاف حول الحكومتين إلى المسار التوافقي.
مصادر ليبية ترجح ألا تسفر زيارة المشري عن نقل الخلاف حول الحكومتين إلى المسار التوافقي
وأوضحت المصادر أن القاهرة تسعى للحصول على موقف واضح من المشري تجاه حكومة الدبيبة (إمكانية التخلي عنها)، خصوصاً أنه لم يأخذ موقفاً سلبياً من تكليف باشاغا ولم يمانع ذلك، وإن كان وصف خطوة تكليف البرلمان لرئيس وزراء جديد قبل عقد جلسة من قبل المجلس الأعلى للدولة بأنها إجراء غير سليم. في المقابل، فإن المشري، بحسب المصادر نفسها، يسعى من خلال زيارته لاستجلاء الموقف المصري عن قرب.
وعن إمكانية تأثير الزيارة إيجاباً في ملف الانتخابات الليبية المؤجلة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، شددت المصادر على أن الانتخابات تبقى مرهونة بوضوح مواقف مجلس النواب ومجلس الدولة من حكومتي باشاغا والدبيبة.
في غضون ذلك، كشفت المصادر المصرية عن اتصالات جرت أخيراً بين محسوبين على الدبيبة، ومسؤولين إماراتيين، بشأن تحييد الموقف الإماراتي، وإمكانية الحصول على دعم أبوظبي من أجل بقاء الحكومة. علماً أن وسائل إعلام ليبية تحدثت في نهاية شهر إبريل/نيسان الماضي عن أن الدبيبة قام بزيارة غير معلنة إلى الإمارات.
وتتحرك القاهرة على أكثر من مسار متعلق بالملف الليبي أخيراً، في وقت تستعد فيه الجزائر لترتيب اجتماع أفريقي لبحث الأزمة الليبية خلال الأيام المقبلة، وهو ما تراه القاهرة تهديداً كبيراً لنفوذها الإقليمي.
وكان الدبيبة قد قام بزيارة أخيراً للجزائر، سلّم خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الإطار العام وإجراءات خطته الخاصة بتنظيم الانتخابات، مؤكداً حاجة الخطة إلى "دعم إقليمي ودولي من أجل تنفيذها". فيما أعرب تبون عن دعمه الحكومة وتقديره هذه الإجراءات واستعداده للتنسيق الدولي بشأنها، من خلال التحضير لعقد مؤتمر دولي تستضيفه الجزائر على مستوى وزراء خارجية الدول المنخرطة في الشأن الليبي، بهدف دعم إجراء الانتخابات.
ميدانياً، قال مصدر عسكري ليبي، لـ"العربي الجديد"، إن الأوضاع الأمنية في البلاد مرشحة للانفجار من جديد، لا سيما مع وجود حكومتين، تحظى كل منهما بدعم من مجموعة من الدول.
وقال المصدر إن "حكومة باشاغا الموازية تعهدت بتحقيق الاستقرار الوطني، ومعالجة إخفاقات حكومة الدبيبة، والتي من أبرزها إتمام عملية الانتخابات، لكن الوضع على الأرض يفرض واقعاً مغايراً، إذ لم يستطع باشاغا دخول طرابلس، على الرغم من محاولاته العديدة، وسعيه للحصول على الدعم الدولي.
وأضاف المصدر أن "أغلب الدول الفاعلة في الملف الليبي لم تعترف بحكومة باشاغا حتى الآن، مثل الجزائر التي أعلنت أنها تدعم الشرعية في ليبيا، والمتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية، وتركيا التي زارها باشاغا أخيراً، وفشل في كسب تأييدها".
وقال المصدر إن "حكومة باشاغا لن تكون قادرة على العمل إلا بفرض القوة"، مشيراً إلى "محاولات باشاغا دخول العاصمة بحشد قوات مسلحة موالية له في الغرب الليبي، وهو ما يهدد استقرار البلاد". وتابع المصدر أن "كل محاولات باشاغا لاستخدام القوة باءت بالفشل، لأنها سوف تواجه قوة عسكرية كبيرة رافضة، إضافة إلى القواعد التركية المؤيدة لحكومة الدبيبة".