وجد وزير الدفاع الجزائري الأسبق الجنرال خالد نزار، على امتداد مساره العسكري ودوره السياسي، نفسه أما جدلٍ واسع، أو تهم تلاحقه في الداخل والخارج، أو متاعب مختلفة تجدد مشكلاته، حتى بات اسم الرجل يظهر إلى الواجهة في محطات فارقة من تاريخ البلاد.
في بداية سبتمبر/ أيلول من عام 2023، عاد اسم نزار إلى الساحة، بعد إعلان محكمة سويسرية توجيه لائحة تهم له بممارسة تعذيب أعضاء منتمين إلى حركات إسلامية في الجزائر خلال الأزمة الأمنية في البلاد بداية التسعينيات، وهي تهمة ليست الأولى من نوعها التي تلاحق الرجل منذ أكثر من عقدين، فقد لاحقته أيضاً التهمة ذاتها بعد أحداث أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1988، فضلاً عن اتهامات سياسية توجه له بالمسؤولية عن الأزمة الأمنية الدامية التي شهدتها البلاد في التسعينيات، والتي خلفت ما يقارب 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين والخسائر المادية.
الهروب إلى الثورة
يُنسب وزير الدفاع السابق إلى ما كان يعرف في الجيش الجزائري بجنرالات فرنسا، وهم كتلة من العسكريين الذين كانوا ينتسبون إلى الجيش الفرنسي وبرتب متقدمة، لكنهم قرروا قبيل بداية عام 1958 الالتحاق بصفوف ثورة التحرير.
تخرج نزار من المدرسة الحربية الفرنسية، وكانت المعارف التقنية والتنظيمية التي اكتسبها خلال فترة تكوينه وخدمته في الجيش الفرنسي (خدم والده أيضاً في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى تحت التجنيد القسري)، مهمة بالنسبة لقيادة جيش التحرير للمساعدة في بناء جيش منظم، سُمح له بالتمركز في صف متقدم في الجيش بعد الاستقلال، على الرغم من اعتراضات حادة من قبل بعض قيادات الثورة وعقداء جيش التحرير على وجود "جنرالات فرنسا". كانت هذه الاعتراضات تعتبر أن هذه المجموعة مدسوسة لتحضيرها للحكم والسيطرة على السلطة بعد الاستقلال والحفاظ على مصالح فرنسا.
في عام 1982، عُين الجنرال نزار قائداً للمنطقة العسكرية الخامسة ومقرها قسنطينة شرقي الجزائر، وارتقى بسرعة إلى الصف الأول في الجيش، عندما عُيّن عام 1987 قائداً للقوات البرية، ونائباً لرئيس أركان الجيش قبل عام واحد من انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول، التي أطاحت نظام الحزب الواحد، وهي الانتفاضة التي شهدت موجة اعتقالات وتعذيب للشباب في مراكز الأمن، وكذلك إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. ومع أن نزار لا ينكر أنه كُلف بمهمة حفظ وإعادة النظام، لكنه يبرره في مذكراته التي نشرها قبل سنوات بأن الجيش والشرطة لم يملكا الرصاص المطاطي، وكان عليهما إطلاق الرصاص لحماية المنشآت الحيوية واستعادة الأمن.
مع دخول الجزائر عهد التعددية السياسية بعد إقرار دستور فبراير/ شباط من عام 1989، كانت البلاد تستعدّ لفورة سياسية ساخنة، سريعاً دخلت الجزائر في مناخ من الصدام السياسي كان طرفاه الإسلاميين والجيش، وكان نزار قد اعتلى في يوليو/ تموز من عام 1990 سدة وزارة الدفاع، حيث بات الرجل الأقوى في السلطة، وشكل رفقة قائد جهاز المخابرات الجنرال محمد مدين، ووزير الداخلية الجنرال عربي بلخير، ثلاثياً بدأ يخطط مبكراً لكيفية التخلص من الحركات الإسلامية، وقد أبدى نزار حزماً كبيراً في مواجهة تمدّد الإسلاميين، وقام بقمع الاعتصام الذي نفذته الجبهة الإسلامية للإنقاذ في يونيو/ حزيران من عام 1990، والذي سقط فيه عشرات الضحايا. وعلى الرغم من هذا القمع، إلا أن دور الرجل الأبرز سيأتي لاحقاً، تحديداً مع اعتقال قيادات جبهة الإنقاذ، وعلى رأسهم عباسي مدني وعلي لبلحاج.
وبعد الدور الأول للانتخابات النيابية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1991، والتي سيطرت على نتائجها جبهة الإنقاذ، كان نزار ومجموعة الجنرالات قد اتخذوا قرار توقيف المسار الانتخابي ومنع إجراء الدور الثاني، ويقر نزار بالمسؤولية في ذلك، ويكشف عن مفاوضاته مع الرئيس الشاذلي بن جديد لدفعه إلى الاستقالة التي كتب رسالتها نزار نفسه، ويعتبر ذلك إنقاذاً للجمهورية من "خطر الإسلاميين" .
لاحقاً، سيلعب خالد نزار دوراً أكبر في تدبير تشكيل المجلس الأعلى للدولة، كهيئة انتقالية رئاسية، واستدعاء المناضل الثوري محمد بوضياف من القنيطرة بالمغرب لترأسه، بعد استقالة الشاذلي بن جديد، في يناير/ كانون الثاني من عام 1992، وتعود إليه مسؤولية إنشاء معتقلات الصحراء التي نقل إليها الآلاف المعتقلين من نشطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي قرار حل الجبهة، في مارس/ آذار من العام نفسه، ومطاردة قياداتها، وفي نفس الفترة بدأت تبرز قصص الفقدان القسري التي يتهم خالد نزار بالمسؤولية السياسية عنها أيضاً، تعرض خالد نزار في تلك الفترة لمحاولة اغتيال من مسلحين، لكنه نجا منها، قبل أن يقرر التنحى عن المسؤولية طواعية من منصبه كوزير للدفاع، في أغسطس/ آب من عام 1993، وفقاً للالتزام والقسم المعلن من قبل أعضاء المجلس الرئاسي بعدم شغل أي منصب بعد انقضاء عهدة المجلس.
من المحاكم إلى الكتب
مع أن نزار تقاعد من الجيش، لكنه بقي على صلة به، إذ حاول إقناع عبد العزيز بوتفليقة باعتلاء سدة الحكم في ندوة الوفاق الوطني التي عقدت في نهاية عام 1994، لكنه أخفق في ذلك. وبعد عام 1999 ومع تسلم بوتفليقة سدة الحكم، وجد نزار نفسه منذ عام 2001 ملاحقاً في المحاكم خارج البلاد.
أول هذه القضايا التي كان يحاكم عليها نزار هي قضية رفعها أفراد عائلة واحدة وطالب جامعي كان مسجوناً في التسعينيات، وأصدر كتاباً بعنوان "في زنزانات نزار"، بتهمة ممارسة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، ثم قضية ثانية رفعها في حقه تسعة جزائريين ينتمون إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، في عام 2002، وحاول نزار عكس الهجمة القضائية، ورفع دعوى قضائية في محكمة الجنح في باريس ضد ضابط سابق في الجيش الجزائري بتهمة التشهير، على خلفية اتهامات وجهها الأخير لنزار والعسكريين في الجزائر بارتكاب مذابح خلال الأزمة الأمنية في التسعينيات.
وفي عام 2011، أوقفت الشرطة السويسرية خالد نزار على خلفية قضية رفعها منتمون إلى الحركات الإسلامية ضد نزار بتهمة التعذيب، وتبنت القضية منظمة تنشط في مجال محاربة التعذيب والإفلات من العقاب، وبدأت ومعركة قضائية أخرى ضد نزار، وتدخلت السلطات الجزائرية لترحيله إلى الجزائر، واستمرت حتى عام 2017، عندما حفظت القضية، لكنها عادت مجدداً بعد قبول طعن المنظمة والمدعين.
وفي عام 2000، أصدر رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقاً علي كافي مذكراته، وانتقد فيها وجود من وصفهم "بجنرالات فرنسا" في الجيش منذ الثورة، وفي مقدمتهم الجنرال خالد نزار، كما اتهمهم بالفشل في قيادة الجيش، وهو ما تسبب في جدل كبير بين كافي ونزار، كما وجه له رئيس الحكومة الأسبق في نهاية الثمانينات عبد الحميد إبراهيمي تهماً تقر بأن نزار ورفقاءه من "الضباط الفارين من الجيش الفرنسي" وأنه "معادٍ للإسلام ولاتحاد المغرب العربي والانتماء العربي للجزائر، وعمل على تعزيز النفوذ الفرنسي في الجزائر".
ويعتبر نزار من أكثر العسكري الجزائري إصداراً للكتب التي توثّق محطات مختلفة من مسيرته، اذ أصدر كتاب "يوميات الحرب" عن مشاركته في ثورة التحرير، و"مذكرات اللواء"، و"الجيش الجزائري في مواجهة التضليل" عن تفاصيل محاكمة باريس عام 2000، و"الجزائر إفشال تقهقر مبرمج"، دافع فيه عن توقيف المسار الانتخابي، و"الجزائر، سلطنة بوتفليقة"، هاجم فيه سياسات الرئيس بوتفليقة وجنوحه لتمجيد نفسه.
وفي عام 2012، قطع ناشط حقوقي طريق نزار داخل مقبرة في العاصمة الجزائرية، بمناسبة الذكرى الـ20 لاغتيال الرئيس الأسبق محمد بوضياف، لمطالبته كشف حقيقة الرئيس الأسبق.
مطالبات بمحاسبته في الحراك
أكثر المراحل حرجاً في سيرة الجنرال نزار كانت بعد اندلاع الحراك الشعبي الذي طالب برأسه، كان نزار، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين من تقاعده، من بين الأسماء التي طالب الحراك الشعبي بمحاسبتها، خلال مظاهرات الحراك كانت صور نزار ترفع مصحوبة بعبارات تدينه، تصفه "بالجزار"، وتحمّله مسؤولية أزمة التسعينيات وقضية المفقودين قسرياً، وعندما أذيع خبر ملاحقته من قبل القضاء العسكري الجزائري، ومع إصدار مذكرة توقيف بحقه، كانت المظاهرات في الشارع مؤيدة بشدة لقرار الملاحقة القضائية.
واشرك نزار في اجتماع شهير، في 28 مارس/ آذار من عام 2019، وقدم استشارة سياسية لصالح شقيق بوتفليقة، تتضمن إقرار مرحلة انتقالية بعد تنحي بوتفليقة من الحكم في مرمى نيران قائد أركان الجيش حينها، الفريق أحمد قايد صالح، الذي كان يمسك بالسلطة، والذي اتهم المجموعة بالتآمر على الدولة وسلطة الجيش، وفر نزار بطريقة ما إلى الخارج، فيما تم اعتقال بقية المسؤولين الذين شاركوا في الاجتماع، وأودعوا السجن وحكم عليهم القضاء العسكري بالسحن 15 عاماً، فيما حُكم على نزار بالسجن الغيابي 20 عاماً، وصدر أمر دولي بالقبض في حقه، دفعه ذلك إلى إعلان يدعوا فيه الجيش إلى التمرد على الفريق قايد صالح، وعدم تطبيق أوامره، لكن وفاة قائد صالح في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019، قلبت الموازين وأوراق القضية أيضاً، إذ أُعيد النظر في القضية وحكم فيها بالبراءة، وأرسلت إلى نزار طائرة خاصة لعودته.
في أغسطس/ آب من عام 2022، أشرف الرئيس عبد المجيد تبون على حفل تكريم لقيادات الجيش، دُعي نزار للتكريم، لكنه اعتذر عن الحضور لأسباب صحية، يقبع نزار في بيته، وينفي باستمرار أي نشاط سياسي له، لكن الكثير من التقديرات السياسية في الجزائر، تعتبر أن سطوته السياسية ما زالت قائمة، وترى في نزار "شبكة سياسية للحكم وصناعة القرار"، خاصة بعد رحيل قائد الجيش السابق قايد صالح ومجموعته، بحكم علاقاته النافذة مع قيادات الجيش والاستخبارات وجزء من المجتمع السياسي والإعلامي، وتعتقد أنه ما زال يتمتع بقوة الاقتراح على الأقل للسلطة، إن لم تكن قوة القرار.