في الوقت الذي يترقّب فيه الجمهور الأميركي، اليوم الثلاثاء، سابقة تاريخية ستحمل الرئيس السابق دونالد ترامب على الوقوف أمام قاعة المحكمة في مانهاتن، تكثّف مصالح الأمن الأميركية في مختلف الأجهزة الفيدرالية جهودها لجمع أكبر قدر من المعلومات استباقًا لأي سيناريو مماثل لما جرى في السادس من يناير/كانون الثاني 2019، حينما اقتحم أنصار ترامب قاعة الكونغرس بينما كان المشرّعون بصدد التصديق على فوز جو بايدن في الانتخابات. ورغم أن السلطات لم تعثر في الوقت الحالي على أي "أدلة مقلقة" تنذر بهذا السيناريو، إلا أنها لا تستبعد حدوث مفاجآت.
قوة أكثر تدريبًا من جيوش وطنية
وبحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مديرية الشرطة في نيويورك، ووكالات إنفاذ القانون في الولاية، وجهاز الخدمة السرية، وخدمة المارشالات الأميركية التابعة لوزارة العدل، تنسّق جهودها في جمع المعلومات الاستخبارية من أجل تأمين الحدث غدًا، في حين أرسلت الشرطة أوامر لـ35 ألف عنصر بالبقاء على أهبة الاستعداد، وهذه، بحسب تعبير الصحيفة، "قوة أكبر وأفضل تدريبًا من جيوش بعض الدول".
وتنقل الصحيفة عن رئيس مديرية الشرطة في نيويورك المتقاعد العام الماضي، كينيث كوري، قوله إن المعلومات التي جمعتها الدائرة "لا تشير حتى الآن إلى تهديدات"، لكنه استدرك بالإشارة إلى أمور لا تزال مجهولة بالنسبة للشرطة، "من المجتمعون (أمام قاعة المحكمة)؟ كم عددهم؟ وما مزاجهم؟".
بالتوازي مع ذلك، نقلت "سي أن أن" عن مسؤول أميركي مطّلع على الخطط الأمنية لمحاكمة الثلاثاء قوله إن "أي مؤشرات تتصل بالخطاب العنيف، أو بظهور تهديدات ناشئة، تتم تصفيتها من خلال القنوات الفيدرالية في وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)". لكنه عاد وأكد أن المصالح الأمنية "لا تستبعد أي شيء وهي في حالة يقظة دائمة".
وبينما تراقب أعين الاستخبارات الأميركية الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل العامة، أبدى مسؤولون حاليون وسابقون من مجتمع الأمن القومي الأميركي، تحدثت إليهم "سي أن أن"، قلقهم من أن متطرفين من أقصى اليمين باتوا أكثر حرصًا الآن على استخدام الاتصالات المشفّرة للتخطيط لخطوتهم التالية. "العناصر الأكثر حنكة لا يتحدثون على الأرجح عبر المنتديات العامة"، يضيف المصدر الأمني ذاته الذي تحدثت إليه الشبكة الأميركية.
في السياق، تنقل "نيويورك تايمز" عن مصادرها خشيتها من وجود "ذئاب منفردة"، مدفوعة بـ"رسائل مهيّجة"، بين المتظاهرين، كما كان عليه الحال قبل وقت قصير من اقتحام الكابيتول، مذكّرة بأن الشرطة عثرت على أنبوبتين متفجرتين قرب مقرات الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ذلك اليوم.
وتتطابق تلك الاستخلاصات مع تقرير أصدرته شركة "النهوض بالديمقراطية"، هذا الأسبوع، خلص إلى عدم وجود أي جهد منظم من قبل أنصار ترامب لاستخدام العنف أو تعطيل الحدث. لكن التقرير وجد "تعليقات متناثرة" على مواقع التواصل تدعو إلى العنف، وتحديدًا ضد المدعي العام في مانهاتن، ألفين براغ، وعناصر شرطة نيويورك، من قبيل: "كان (مدعي عام مانهاتن) يستحق الإعدام أساسا من أجل ما هو أقل بكثير من هذا".
وكان ترامب قد دعا أنصاره بالفعل، الشهر الماضي، عبر شبكة "تروث سوشيال" التي أسسها، للتوجه إلى نيويورك والتظاهر. لكنه لم يكرر تلك الدعوة بعد الإعلان رسميًّا عن استدعائه للمحكمة من أجل اتهامه، ومن غير المعروف ما هي نوايا الرئيس السابق حتى الآن، خصوصًا ما إذا كان سيُلقي خطابًا أمام أنصاره في نيويورك أثناء توجهه إلى المحكمة أم لا.
تأييد للمحاكمة وشكوك بين الأنصار
وفي الوقت الذي شهدت فيه البلاد مظاهرات محدودة، وتحديدًا في ساوث كارولينا وكاليفورنيا، تظهر بعض المعطيات تراجع الحماسة في أوساط مناصري ترامب للمخاطرة في مغامرة من قبيل تعطيل عمل سلطات إنفاذ القانون.
ورصدت "سي أن أن" ما وصفته بـ"السمة الثابتة" في المحادثات الجارية داخل المنصات المؤيدة لترامب؛ وهي الخشية من احتمال أن تكون الدعوة إلى التظاهر "فخًّا" من قبل السلطات الفيدرالية؛ إذ تنقل في هذا السياق ما كتبه أحدهم، على سبيل المثال، في منشور على قناة "براود بويز" المتطرفة على "تيليغرام": "هل تتذكرون ما حدث حينما دعانا ترامب آخر مرة للتظاهر، لقد رمانا جميعًا تحت الحافلة"، في إشارة إلى المحاكمات التي تبعت اقتحام الكابيتول، وشملت أحكامًا مغلّظة بحق أكثر من 100 شخص من أنصار الرئيس السابق.
بالتوازي مع ذلك، خلص استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي أن أن"، إلى أن 62% من الأميركيين يؤيدون محاكمة ترامب واتهامه، بينما أبدى 21% ممن عرّفوا أنفسهم بأنهم جمهوريون، تأييدهم للاتهام كذلك. في استطلاع آخر أجرته "إيه بي سي"، أبدى 38% من الجمهوريين تأييدهم للمحاكمة والاتهام، بينما ارتفعت النسبة إلى 88% في صفوف الديمقراطيين.
"ممر العار"
من الطرف الآخر، تحاول السلطات تخفيف حدة الاستقطاب وتجنّب استفزاز المعسكر المضاد، عبر إخراج المحاكمة بـ"الصورة الأكثر لباقة" بالنسبة لرئيس سابق.
ومن المفترض أن يظهر ترامب في مشهد "ممر العار"، إن صح التعبير، إذا ما سرى العرف الأميركي القاضي بأن يمشي المتهم أمام مرأى العامة، وهو في حوزة عناصر إنفاذ القانون، إلى داخل قاعة المحكمة.
ودعا محامي ترامب إلى استبعاد هذا التقليد في محاكمة الغد، وقال، في مقابلة مع "سي أن أن": "نأمل أن يكون هذا غير مؤلم وأنيقًا قدر الإمكان قياسًا على الحالة".
في هذا الإطار أيضًا، أشار موقع "يو أس توداي" إلى أن ظهور ترامب أمام المتظاهرين، الذين يتوقع احتشادهم في المكان، يثير بعض المخاوف الأمنية؛ لذا من المحتمل أن ينقل مسؤولو إنفاذ القانون ترامب سرًّا إلى قاعة المحكمة.