كان من المتوقع، أو بالأحرى من المفترض، أن يطرح الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه الأربعاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تصوراً أو إطاراً جديداً للتعامل مع وضع دولي مترنح كما لم يكن من قبل. حرب أوكرانيا، مع تداعيات كوفيد وسخونة المناخ، فضلاً عن تصاعد التوتر في جنوب بحر الصين، كلها تحديات هائلة قدمت فرصة للرئيس بايدن لإعادة التأكيد أنّ دور أميركا في العالم "لا غنى عنه"، كما كانت تقول الوزيرة السابقة مادلين أولبرايت.
لكن كلمة الرئيس الأميركي لم تكن من هذا العيار. على العكس، خلت من المبادرة، وبدت أقرب إلى خليط من رد الفعل وتكرار لمواقف إدارته المعروفة إزاء هذه الملفات، وغيرها من القضايا التي ذكرها لحسابات سياسية، مثل تشديده على "منع طهران من امتلاك السلاح النووي"، وتجديد تمسّكه بـ"حل الدولتين"، لكن من دون التزامه.
الجديد كان في تراجعه عن التصعيد مع الصين. في الآونة الأخيرة، أثار بايدن ضجة وعلامات استفهام في واشنطن، عندما خرج صراحة عن السياسة المعتمدة منذ سبعينيات القرن الماضي، ليؤكد نيته استخدام القوة العسكرية للدفاع عن تايوان إن حاولت بكين اجتياحها.
والأغرب أنه كرر ذات الموقف في أكثر من مناسبة، كان آخرها الأحد الماضي، برغم مسارعة البيت الأبيض في كل مرة إلى تصحيح تصريحه، وتأكيد عدم حصول تغيير في سياسة واشنطن المعروفة باسم "صين واحدة "، التي عاد اليوم وجدد التزامه إياها. وبدا أنه تراجع عن لغة القوة مع بكين، على إثر تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ساعات قليلة من خطاب بايدن، باستخدام النووي "جدياً" وباستدعاء 300 ألف من قوات الاحتياط.
الخطوة الروسية فرضت تعديل صيغة كلمة بايدن ليحتلّ التطور الروسي مقدمتها، وبلهجة جمعت بين التشدّد وحثّ المجتمع الدولي على الوقوف ضد موسكو وحربها في أوكرانيا، التي يمكن أن تكون ذاهبة إلى مكان آخر، وسط مخاوف في واشنطن، إلا إذا كان بوتين يتوخى من خطوته غايات أخرى، مثل توجيه رسالة إلى الغرب لوقف دعمه أوكرانيا.
ما عدا روسيا وترطيب الأجواء مع الصين، بقي وقع كلمة بايدن القصيرة نسبياً، أقل من اعتيادي ودون الوزن المفترض أن تناله كلمة الدولة العظمى في مناسبة دولية فريدة لا تحصل إلا مرة واحدة في السنة. انعكس ذلك في غياب الاهتمام بخطابه باستثناء التعليق العابر على الشق الروسي فيه.
الحديث انتقل فوراً إلى موضوع دعوى "الاحتيال" التي رفعها المدعي العام المدني في مدينة نيويورك ضد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمام المحكمة المدنية. القرار الذي صدر بعد تحقيقات استمرت عدة أشهر طلب منع المدعى عليه مع 3 من أبنائه من ممارسة الأعمال في نيويورك وحرمانهم العمل في أي شركة فيها أو الحصول على أية قروض من مصارفها لمدة 5 سنوات، مع مطالبتهم بمبلغ 250 مليون دولار لارتكاب مخالفات منها مبالغة ترامب في تقييم أملاكه وأعماله بغية الحصول على قروض ميسّرة.
ترامب أول رئيس أميركي سابق تجري ملاحقته أمام القضاء في أكثر من قضية
ولحظ الادعاء أنه عثر على مخالفات للقوانين الفيدرالية وقوانين الضريبة، لكن البتّ بأمرها يعود إلى المحكمة الجزائية التي قد تقرر الملاحقة هي الأخرى في هذا الخصوص. وبذلك انفتح باب المحاكم لملاحقة ترامب بدعاوى جزائية ومدنية ما زالت قيد التحقيق في أكثر من ولاية. وقد تكون قضية الوثائق السرية أخطرها والتي ترجح إحالتها على المحكمة.
وبذلك يكون ترامب أول رئيس أميركي سابق تجري ملاحقته أمام القضاء في أكثر من قضية، من المتوقع وفق التقديرات القانونية ألّا تكون نهاياتها لمصلحته. تطور يثير ارتياح الديمقراطيين عشية الانتخابات النصفية. وبهذا انتهى يوم كان فيه المنبر الدولي لبايدن، لكن الأضواء خطفها كل من بوتين وترامب.