يبدو أنّ المشهد الليبي يمضي نحو المزيد من التأزيم بعد إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، رفض قرارات مجلس النواب بشأن تشكيل حكومة جديدة، وإعلانه الذهاب باتجاه المشاورات لتقديم خطة عمل لإجراء الانتخابات في يونيو/حزيران المقبل، في خطوة واضحة لرفضه أيضاً خريطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب والتي ترجئ الانتخابات لمدة 14 شهراً.
وأفادت مصادر مقربة من حكومة الوحدة الوطنية لـ"العربي الجديد"، بأنّ مشروع الدبيبة سيقوم على الدعوة إلى اعتماد مفوضية الانتخابات مشروع الدستور المقر منذ عام 2017، كقاعدة دستورية مؤقتة للانتخابات المقبلة، تمهيداً لإجرائها في يونيو/حزيران المقبل، بناءً على خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي.
وأوضحت المصادر أن مشروع الدبيبة سيدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية فقط، على أن يشكل مجلس النواب الجديد حكومة ويعمل على إجراء تعديلات على مشروع الدستور وطرحه للاستفتاء عليه كدستور دائم للبلاد تُجرى على أساسه انتخابات عامة في مرحلة لاحقة.
وطالب الدبيبة في خاطبه ليل البارحة الليبيين بالخروج في الساحات والميادين لرفض خريطة طريق مجلس النواب التي تؤجل إجراء الانتخابات إلى 14 شهراً مقبلة، مؤكداً أنه لن يسمح لـ"الطبقة السياسية المهيمنة طوال السنوات الماضية بالاستمرار لسنوات أخرى"، فيما اتهم مجلس النواب بإصدار "قرارات دون التزام اللوائح"، ومنها "سحب الثقة من الحكومة الذي جرى بالتزوير"، كما اتهمه بالسعي لاختيار سلطة موازية.
وجاء الخطاب بعد يوم من إعلان مجلس النواب قبول ملفات مترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، هما فتحي باشاغا وخالد البيباص، وقبل يوم من عزمه اختيار أيٍّ منهما رئيساً للحكومة يوم غد الخميس.
من جانبه، يرى الصحافي الليبي موسى تيهو ساي، أن "رفض الحكومة تغييرها فقط دون تغيير شامل لكل الأجسام عبر الانتخابات يُعَدّ منطقياً إلى حد بعيد، حيث لا يمكن فهم تغيير الحكومة مع بقاء مجلس الدولة والنواب على رأس المشهد، على الرغم من أنهما لديهما سنوات في الحكم"، إلا أنه اعتبر في ذات الوقت أن مجلس النواب يمارس الراديكالية السياسية بسعيه لتغيير الحكومة لإفشال مسار الانتخابات بهدف البقاء في السلطة لمدة أطول.
وقال خلال حديث لـ"العربي الجديد": "من الصعب التصديق أنّ مجلس النواب يسعى للوصول إلى انتخابات عامة لأنها ستخرجه من السلطة"، مشيراً إلى أن مشكلة البلاد "ليست في الحكومة الحالية، بل في هذه الأجسام التشريعية ومجلس النواب بالتحديد".
وبحسب رأي تيهو ساي، فإن المشهد الليبي الحالي يمرّ بمرحلة دقيقة ومفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها "العودة إلى المربع الصفر، وهو الاصطفاف العسكري"، معبراً عن أسفه في أن الحديث عن أي مسار يتعلق بالانتخابات الآن "أصبح غير منطقي، ولا يمكن أن ينجح، لأن الانتخابات تحتاج إلى الحد الأدنى من التوافق".
أما أستاذ العلوم السياسية عيسى الغزوي، فيرى أن الدبيبة تجاوز جميع الأجسام السياسية في خطابه بعد توجيهه لليبيين مباشرة، مشيراً إلى أن ذلك يتضح أكثر بقول الدبيبة إنه لن يسمح للطبقة السياسية بالاستمرار في البقاء، حتى وإن كان واضحاً أنه يقصد مجلس النواب، إلا أن تعبير الطبقة السياسية قد يشمل مجلس الدولة أيضاً، وهو ما يشكل خطراً يزيد من حجم التشظي السياسي.
ولم يعلن مجلسا النواب والدولة حتى الآن موقفهما من خطاب الدبيبة، ومشروعه الرامي إلى إطلاق تشاور واسع لإنجاز خطة لانتخابات تجري في يونيو/حزيران المقبل.
ويصف الغزوي في حديث لـ"العربي الجديد"، خطاب الدبيبة بـ"المثالي البعيد عن الواقع"، لأنه "يراهن على الشارع الذي لا يزال فارغاً، ولا يوجد أي إرهاص قد يبني عليه الدبيبة رهانه"، بحسب رأيه. وقال: "اعتماد مشروع الدستور كقاعدة مؤقتة وإجراء انتخابات برلمانية فقط واقعي وقريب للتحقق، لكنه مشروع يحتاج إلى أن يستوعب الدبيبة فيه القوى الحزبية والتيار المدني وحشد الشارع والرأي العام. كل هذا سيتطلب وقتاً أطول من يونيو/حزيران المقبل".
ويضيف الغزوي أن الدور المعرقل الذي يمارسه لمجلس النواب لأي حل ليس خافياً، إلا أن إعلان الدبيبة قد يجعله هو الآخر يمارس دور العرقلة والتعقيد، معبراً عن مخاوفه من أن تفقد حكومة الدبيبة أي سند سياسي لها "بمجاهرتها بالعداء للجميع"، معتبراً أن حديث الدبيبة عن انتخابات في يونيو/حزيران المقبل دليل على تبنيه لخريطة طريق ملتقى الحوار السياسي، وذهابه للبحث عن شرعية دولية لحكومته بعد أن شعر بتخلي الجميع عنه.
وعن توقعه لنتائج الساعات المقبلة، يؤكد الغزوي أن مجلس النواب ماضٍ في تشكيل حكومة جديدة، وقال: "خصوصاً أن مجلس النواب تراجع عن إقصاء مجلس الدولة في تشكيل الحكومة، ما يعني أنه يسعى لضمان عدم عرقلة مجلس الدولة لتشكل حكومة جديدة، وبالتالي فالمشهد مقبل على انقسام حكومي جديد دون شك".
وأضاف: "جميع الأطراف السياسية تدرك مسبقاً هذه النتيجة، وكان هدفها من البداية جرّ المشهد بعيداً عن الانتخابات بجعل الجهود تنصبّ مجدداً في معالجة الانقسام الحكومي من جديد مع بدء عملية سياسية جديدة لن تكون للانتخابات أولوية فيها".