استمع إلى الملخص
- استعدادات أوروبا لعودة ترامب: الدول الأوروبية تعمل على خطط طوارئ للتعامل مع التحديات الأمنية والتجارية، وزادت من إنفاقها العسكري تحسبًا لضغوط ترامب المتوقعة على دول الناتو.
- التوترات الدبلوماسية والتحديات المستقبلية: رئاسة ترامب قد تؤدي إلى توترات مع حلفاء تقليديين وتؤثر على العلاقات مع قادة مثل إيمانويل ماكرون، مما يتطلب تعزيز استقلال أوروبا الاستراتيجي.
إذا كانت ارتدادات الانتخابات الأميركية التي تُجرى اليوم ستحدد ملامح مرحلة جديدة من تاريخ الولايات المتحدة، خصوصاً على الصعيد الداخلي، فإن تأثيرات نتائجها لن تكون أقل على العالم، لا سيما إذا ما فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب الساعي للوصول إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، بعد تجربة أولى تركت الكثير من التداعيات على صعيد العالم.
ولذلك يبدو مفهوماً حجم الترقب والمتابعة لهذه الانتخابات، خصوصاً في أوروبا، إذ إن عودة حامل شعار "أميركا أولا" إلى الحكم، ستعني صداعاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً ممتداً طيلة فترة ولايته، لا سيما أن اللا يقين يهيمن على موقفه من قضايا عدة، وهو ما يجعل التحسب للأسوأ يهيمن على صناع القرار في أوروبا، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق باحتمال وقف دونالد ترامب الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا، والضغط من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي، ما قد يزيد من الأعباء الاقتصادية على القارة العجوز، فضلاً عن الملف الاقتصادي و"الحروب" المتوقعة.
وبعد أن شهدوا رئاسة واحدة لترامب، يقول صانعو السياسة الأوروبيون إنهم أكثر استعداداً لولاية رئاسية ثانية، وهم يصوغون خطط طوارئ مختلفة بشأن الأمن والتجارة، لكنهم ليسوا موحدين في النظر إلى التعامل معه. فبينما يراه البعض خطراً مثل ما تكشفه تصريحات رئيس الحكومة البلجيكية، ألكسندر دي كرو، الذي تطرّق إلى عواقب احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بقوله إنه "سيتعين على أوروبا أن تكون حقاً بمفردها"، فإن دخوله البيت الأبيض مرة جديدة بمثابة مفاجأة سارة لحلفائه في القارة من أقصى اليمين واليمين المتطرف، وفي مقدمتهم رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان.
في المرة الماضية التي كان فيها في البيت الأبيض، واجه دونالد ترامب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كانت تعتبر أحد أقوى الزعماء في أوروبا. لكن اليوم اختلف الموضوع، إذ إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضعيف سياسياً، بعد أن خسر أغلبيته الحاكمة، كما أن المستشار الألماني أولاف شولتز غارق في أزمات داخل تحالفه ويواجه عودة اليمين المتطرف. وتساءل زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا، فريدريش ميرز، خلال تصريح صحافي الأسبوع الماضي: "ماذا سيحدث إذا تم انتخاب رئيس للمرة الثانية في أميركا أعلن أن الناتو عفا عليه الزمن ولم يعد مستعداً للوفاء بالوعود الأمنية؟" مضيفاً: "عندها سنكون بمفردنا. وبهذا لا أعني نحن الألمان فحسب، بل نحن الأوروبيين".
استبقت الدول الأوروبية عودة ترامب للحكم بزيادة إنفاقها العسكري
تشير مقابلات أجرتها صحيفة واشنطن بوست، نشرت أول من أمس الأحد، مع 15 من صناع السياسات والسياسيين والدبلوماسيين وكبار المحللين في خمس دول أوروبية، إلى أنه بغض النظر عمن سيفوز بالرئاسة في أميركا، فإن القارة العجوز يجب أن تستعد لفحص موضوع اعتمادها على الولايات المتحدة. وكانت نائبة الرئيس كامالا هاريس أعلنت، أخيراً، أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) "صلب".
لكن بعض كبار المسؤولين والدبلوماسيين الأوروبيين يعتقدون أنها كرئيسة ستتبع خطى الرئيس باراك أوباما أكثر من الرئيس جو بايدن، حيث سيصبح تركيز أميركا على شرق آسيا، خصوصاً وأن مستشارها للأمن القومي، فيليب جوردون، هو خبير أوروبي أيّد الدعم "الدائم" لأوكرانيا، لكنه دعا أيضاً إلى "صفقة أكثر واقعية بين أوروبا والولايات المتحدة". ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية مايكل ستيمبفل، لصحيفة واشنطن بوست: "بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأميركية، فإن تركيز اهتمام الولايات المتحدة في المستقبل سيكون على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. سيتعين على الأوروبيين بذل المزيد من الجهد من أجل أمنهم".
تركز المخاوف من عودة دونالد ترامب للرئاسة
لكن بأغلبية ساحقة، تتركز مخاوف المسؤولين الأوروبيين من وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة. ويوضح دبلوماسيون أن فرقة عمل للرد السريع في مقر الاتحاد الأوروبي تركز في المقام الأول على وضع استراتيجية لعودته للسلطة وإمكانية اندلاع حرب تجارية. وكان دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية على الصلب والألومنيوم في الاتحاد الأوروبي، في المرة الأخيرة التي كان فيها في منصبه.
لكن هذه المرة، يقول إنه سيذهب إلى أبعد من ذلك. ويبدو أن ألمانيا، التي كانت هدفاً متكرراً لترامب، معرّضة للخطر بشكل خاص. ويحذّر المعهد الاقتصادي الألماني، في تقرير أخيراً، من أن تعريفات دونالد ترامب قد تؤدي إلى خسائر بقيمة 162 مليار دولار للشركات الألمانية. وقد صاغ مسؤولو الاتحاد الأوروبي قوائم بالتعريفات الانتقامية مع رسم استراتيجيات التفاوض. وهم يعتقدون أنهم قد يكونون قادرين على تهدئة ترامب من خلال عرض التعاون ضد الممارسات التجارية الصينية، أو التعهد بتعزيز الواردات الأميركية لأوروبا، وفقاً لمسؤولين أوروبيين.
وتخلل الحديث عن الترتيبات الأمنية "المقاومة لترامب" المحادثات في بروكسل أخيراً، إذ إن التزام ترامب تجاه أوكرانيا في حربها ضد روسيا غير مؤكد، مع لومه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لبدء الصراع، مشيراً بشكل خاص إلى أنه سينهي الحرب بالضغط على أوكرانيا للتنازل عن الأراضي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الخطة للصحيفة. وفي حملته الانتخابية، تفاخر ترامب بأنه سيكون سعيداً بتشجيع روسيا على مهاجمة حلفاء "ناتو" الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع. وخوفاً من وصول ترامب إلى السلطة، حرص المسؤولون الأوروبيون على المضي قدماً في تقديم حزم المساعدات لكييف قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. كما تولت قيادة جديدة لحلف شمال الأطلسي بعض مسؤوليات البنتاغون، فيما يتعلق بتنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وزادت الدول الأوروبية من إنفاقها العسكري، استباقاً لعودة ترامب إلى معزوفته السابقة، بشأن التزامات دول ناتو بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي. لكنها كانت مدفوعة أيضاً بشكل خطير بالتهديدات الروسية، والشعور بأن ضمان الأمن الأوروبي يتطلب أن تكون أقل اعتماداً على الولايات المتحدة. وسبق أن ضغط ترامب على دول "ناتو" لزيادة إنفاقها الدفاعي، وقد يتسارع هذا الضغط في حال فوزه بولاية ثانية. وعلى الرغم من أن هذا قد يخلق فرصاً للمصنّعين الأوروبيين في قطاع الدفاع، إلا أنه قد يجبر الحكومات الأوروبية على إعادة تخصيص الأموال بعيداً عن الأولويات الاقتصادية الأخرى، مما يزيد من الضغط على الميزانيات. ويقول نائب رئيس اللجنة البرلمانية الألمانية للشؤون الخارجية، توماس إرندل، لصحيفة واشنطن بوست، إن "جو بايدن هو على الأرجح آخر رئيس عبر الأطلسي بالمعنى التقليدي، من حيث شخصيته وحياته المهنية، لهذا السبب يجب على أوروبا أن تتحمل المزيد من المسؤولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأمن".
وفي حين تراجع الحديث عن جيش أوروبي موحد، تصاعدت الضغوط على الدول الأوروبية من أجل "الاستقلال الاستراتيجي"، عبر تعزيز إنتاج الأسلحة، وإضفاء الطابع الرسمي على الشراكات الأمنية الإقليمية. وأبرمت برلين ولندن، الأسبوع الماضي، اتفاقاً تاريخياً سيشهد تشغيل طائرات عسكرية ألمانية من قاعدة في اسكتلندا، وتطوير مشترك لطائرات بدون طيار وأسلحة بعيدة المدى. لكن وسط هذه الجهود، يعترف المسؤولون الأوروبيون بأن فقدان الدعم الأميركي في مجال الدفاع من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة لأوروبا، حيث أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا إلى أي مدى سيكافح الأوروبيون للوقوف بمفردهم.
توترات دبلوماسية مع حلفاء تقليديين
كما قد تنطوي رئاسة ترامب على توترات دبلوماسية مع بعض حلفاء واشنطن التقليديين، وتقدم شخصيات من اليمين المتطرف في أوروبا. وتقول مديرة معهد كارنيغي في أوروبا روزا بلفور للصحيفة: "ما نوع أوروبا التي ننظر إليها بعد فوز ترامب؟"، مضيفة: "يمكن له عبر العمل مع قادة اليمين المتطرف التأثير على جدول أعمال أوروبا التي من المحتمل أن تكون في حالة من الفوضى بشأن أوكرانيا". ولدى ترامب شخصيات مفضلة في أوروبا، بينهم رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان، الذي كان قد قال عنه أخيراً إنه "شخصية غير مثيرة للجدل لأنه يقول هذه هي الطريقة التي ستكون عليها (البلاد)، وهذه هي النهاية". وكان أوربان أعلن، في تصريح صحافي الأحد الماضي، أن أوروبا سيتعين عليها إعادة التفكير في دعمها لأوكرانيا إذا فاز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، مضيفاً أن القارة "لن تستطيع تحمّل أعباء الحرب بمفردها".
ويعارض أوربان تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، ويقول إنه يعتقد أن ترامب يشاركه وجهة نظره وسيتفاوض على تسوية سلام بشأن أوكرانيا. ويقول: "نحتاج (في أوروبا) إلى إدراك أنه إذا صار رئيس أميركا مؤيداً للسلام، وهو أمر لا أؤمن به فحسب، وإنما أقرأ الأرقام بتلك الطريقة أيضاً، إذا حدث ما نتوقعه وأصبحت أميركا مؤيدة للسلام، فلن تتمكن أوروبا من الاستمرار في تأييد الحرب". ويقول بيتر كريكو، مدير العاصمة السياسية، وهي مؤسسة فكرية مقرها بودابست، للصحيفة: "سيواجه ترامب صعوبة في إيجاد علاقات جيدة مع الحكومتين الألمانية أو الفرنسية، لذلك سيبحث عن أبواب خلفية، وسيكون أوربان سعيداً بأن يكون واحداً منها". كما يمكن لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن تكون حليفاً أفضل لترامب. لكن مثل هذه الشراكة ليست مضمونة، إذ يشير مسؤولون إيطاليون إلى أن ميلوني مؤيدة قوية لأوكرانيا وتتمتع بعلاقة جيدة مع بايدن، كما أن انخفاض الإنفاق الدفاعي لإيطاليا سيؤدي إلى اصطدام ميلوني وترامب.
قد تؤدي رئاسة ترامب إلى تقدم شخصيات داخل اليمين المتطرف في أوروبا
وبالنسبة إلى العلاقة مع باريس، فإنه وبعد أن بدأ شهر العسل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وترامب في عام 2017 في باريس بمأدبة عشاء في برج إيفل واستعراض عسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو/تموز، عادت الخلافات لتنفجر بينهما، إلى درجة أن ترامب ندد بـ"غباء" ماكرون. ولفتت نيكول باشران، المتخصصة في العلاقات الفرنسية الأميركية، في تصريح لوكالة فرانس برس، إلى أن "أيّا منهما لم يعد في الوضع الذي كان فيه في 2017. فترامب، إن فاز، سيكون منتشياً بنصره، وسيشعر بأنه لا يقهر في وجه ماكرون الذي أضعفته مشاكل سياسية داخلية". وفي خطاب في جامعة السوربون في إبريل/نيسان الماضي، اعتبر ماكرون أن "الولايات المتحدة الأميركية لها أولويتان، أولاً الولايات المتحدة الأميركية، وهذا من المسلّمات، وثانياً مسألة الصين"، مشيراً إلى أن "أوروبا ليست ضمن أولوياتها الجيوسياسية للسنوات والعقود المقبلة". وقال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين للوكالة: "لا نظن أن ترامب لديه سياسة كاملة سيطبّقها في حال فوزه".