خلافات الحكومة الباكستانية وحزب خان تكبر

23 سبتمبر 2024
جنود باكستانيون على الحدود مع أفغانستان، أغسطس 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

قليلاً ما تتحدث الحكومة والجيش الباكستانيان عما يجري في شمال وجنوب غرب البلاد، تحديداً في المقاطعات القبلية وإقليم بلوشستان. لكن سكّان تلك المناطق، ومن لهم علاقات بها، يعرفون جيداً أن الوضع بدأ يخرج عن سيطرة الجيش وأجهزة أمن الدولة، التي بدأت تعجز عن فرض سيطرتها على بعض المناطق الحدودية مع أفغانستان. وتعترف الحكومة الباكستانية يومياً بأن أعداداً كبيرة من المسلحين تعبر الحدود الأفغانية، وتنفذ هجمات داخل الأراضي الباكستانية، ما يؤكد أن هناك أراضي خارجة عن سيطرة القوات المسلحة الباكستانية.

قبل شهر، كانت المصادر القبلية تتحدث عن أن عناصر قوات الجيش والشرطة لا يمكن لهم الخروج من الثكنات بعد صلاة المغرب، وأنهم ليسوا آمنين حتى داخلها، حيث ارتفعت وتيرة الهجمات بالصواريخ على تلك الثكنات والمراكز أيضاً. وتتحدث المصادر الآن عن إخلاء قوات الجيش والشرطة الكثير من المراكز الأمنية في منطقة القبائل وعلى الحدود مع أفغانستان بسبب كثافة هجمات المسلحين، واتباعهم تكتيكات صعبة واستخدامهم أسلحة متطورة خلّفتها القوات الأميركية في أفغانستان.

يقول الزعيم القبلي في مقاطعة شمال وزيرستان عبد الوهاب خان، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع سيئ جداً بالنسبة للجيش الباكستاني، الذي أخلى بعض مراكزه في منطقة القبائل بحكم الهجمات المتزايدة عليها، وليس هذا في منطقة القبائل وحدها، بل إن الظاهرة تتمدد إلى المناطق المحاذية للقبائل، مثل تانك ولكي مروت وديره إسماعيل خان، مشيراً إلى أن الشرطة في تلك المناطق لا يمكن لها أن تواجه حركة طالبان. ولفت إلى أنه رغم أن الجيش الباكستاني يمتلك معدات عسكرية كبيرة، فإنه بدأ يخلي مراكزه أيضاً.

أرشد خان: الحكومة تشير إلى أنها لن تلاحق المسلحين قضائياً إذا وصل الطرفان إلى التوافق، مقابل إلقاء السلاح

يضيف خان أن الخلافات الأخيرة بين الشرطة والجيش، التي أدّت إلى اعتصام عناصر الشرطة للمطالبة بخروج الجيش من منطقة القبائل، زادت الطين بلة. ويوضح: "في السابق، كنا نشاهد أربعة أو ستة مسلحين على دراجات نارية يعبرون بسرعة الطرق الرئيسية إلى المناطق القبلية والجبلية، لكن الآن نراهم يخرجون بالعشرات وبالسيارات، ويقيمون الحواجز الأمنية بحثاً عن موظفي الحكومة الباكستانية وأجهزة الأمن، والجيش لا يستطيع أن يتقدم أو يذهب إلى هناك". ويتابع: "أحياناً يكونون موجودين طوال الليل، ويفكّون الحواجز قبيل الصباح. ثم إن الجيش الباكستاني معظم عناصره من إقليم البنجاب أو السند أو جلجت، بينما عناصر طالبان من أبناء المنطقة، ويعرفون الطرق، والناس يتعاونون معهم أكثر مقارنة بتعاونهم مع الجيش. كما أن الجيش لا يستطيع أن يتعامل مع القبائل بحسب ما يريد خشية انقلابها عليه".

ويوضح خان أن "الجيش الباكستاني لا يمكنه حلّ المعضلة الأمنية عبر الخيار العسكري، خصوصاً أنه يواجه مسلحين في منطقة القبائل التي يستمدون قوتهم منها، وتلك القبائل معروفة بأنها أقوى في القتال، وهي لا تساعد من يأتي من الخارج، بغض النظر عن كونه من الجيش أو غير ذلك، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو الحديث مع المسلحين، إذ إن هزيمتهم والقضاء عليهم بالسلاح في ظلّ الوضع السائد أمر غير ممكن".

الحوار يفجر الصراع

بات الحوار محط خلاف بين الحكومة الباكستانية المركزية (برئاسة شهباز شريف) وبين حكومة إقليم خيبربختونخوا شمال غربي البلاد، والتي يترأسها حزب عمران خان (حركة الإنصاف). ترى الحكومة المركزية أن الحوار مع حركة طالبان الباكستانية ليس إلا مضيعة للوقت والجهد، خصوصاً أنه لا يمكن لها المساومة على الثوابت، منها عدم التنازل لأي جماعة مسلحة لا تعترف بدستور البلاد.

في المقابل، ترى حكومة خيبربختونخوا أن الحوار هو الحلّ الأول والأخير، ولا تمكن معالجة المعضلة الأمنية من دونه ومن دون الحديث مع حركة طالبان الباكستانية. وأكد رئيس وزراء حكومة إقليم خيبربختونخوا علي أمين كنده بور، في 12 سبتمبر/أيلول الحالي، أنه سيتحدث مع الحكومة الأفغانية بشكل مباشر لحل الأزمة الأمنية، مؤكداً "إننا، بصفتنا قبائل، دائماً نحل المشاكل عبر الحوار والمجلس القبلي المسمى بجرغه"، مشدداً على أن الحكومة الإقليمية وحدها تتفاوض مع أفغانستان لحل القضية.

هذا الكلام أثار غضب الحكومة الباكستانية. وقال وزير الدفاع خواجه أصف، في بيان عقب تصريحات كنده بور: "تلك خيانة، ونحن لن نسمح لأحد بأن يقوم بمثل هذا العمل من دون إذن الحكومة المركزية". كما أكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن "أي عمل فردي في هذا الخصوص والحديث مع كابول أو حركة طالبان الباكستانية يعتبران خيانة".

عبد الوهاب خان: الجيش الباكستاني أخلى بعض مراكزه في منطقة القبائل

لكن كنده بور أصّر على موقفه، والتقى قنصل حركة طالبان الأفغانية في مدينة بيشاور المولوي محب الله، للتباحث حول الموضوع ولوضع آلية للحديث مع كابول أولاً، ثم مع طالبان الباكستانية ثانياً، وهو ما أعاد تأجيج غضب الحكومة الباكستانية. وردّاً على ذلك، رفعت الاستخبارات الباكستانية دعوى ضد كنده بور في محكمة لمكافحة الإرهاب، ولكنه ظلّ متمسكاً برأيه. وحظي كنده بور بدعم من زعيم "حركة الإنصاف"، رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، الذي شدّد على أن الحديث مع كابول أولاً ثم مع "طالبان" الباكستانية هو الحل الأنسب للمعضلة الأمنية، معتبراً أن الوضع الأمني في باكستان لن يتحسن طالما يتواصل التوتر في العلاقات بين كابول وإسلام أباد.

وتعليقاً على القضية، يقول المحلل السياسي الباكستاني أرشد خان، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الباكستانية المركزية تنظر إلى القضية بمنظار وطني، وفي ظلّ التجارب السابقة، هي ترى أن "طالبان" باكستان لا تعترف بالدستور الباكستاني ولا تحترم سيادة البلاد، بينما تصّر حكومة كابول على التعامل معها واتباع سياسة الأخذ والعطاء، وهو ما ترفضه إسلام أباد، التي تشير إلى أنها لن تلاحق المسلحين قضائياً إذا وصل الطرفان إلى التوافق وستسمح لهم بالعيش السلمي مقابل إلقاء السلاح. ويرى أن كابول لا تريد ذلك كما يبدو، بل تريد أن تتحاور إسلام أباد مع "طالبان" الباكستانية، على غرار ما حدث بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

أكاش أحمد: حكومة خيبربختونخوا تعرف أن الجيش لن يفوز بحرب مع المسلحين، لذا قرّرت الحديث مع كابول

لكن الإعلامي الباكستاني أكاش أحمد يعتبر، من جهته، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موقف الحكومة الإقليمية في خيبربختونخوا محاولة لتحسين الوضع، حيث إن الإقليم متضرر بشكل مباشر، وهو يشكل خط النار الأول في مواجهة المسلحين، موضحاً أن كل من يعرف المنطقة والوضع الديمغرافي فيها لهذه القبائل، والوضع بين باكستان وأفغانستان، سيعرف أن الجيش النظامي لن يفوز بحرب كهذه، لذا فإن حكومة الإقليم قرّرت الحديث مع كابول، بينما الحكومة المركزية لها حساباتها وهي تنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، وقد تكون مستعدة لتقديم تنازلات مقابل الحفاظ على مصالحها الكبيرة، بينما الحكومة الإقليمية، التي تضم أبناء المنطقة، تريد حلاً سريعاً لوقف حمام الدم.

خطوة ساعدت الحكومة الباكستانية

في خضم الجدل المتواصل بين الحكومة الباكستانية المركزية والحكومة الإقليمية بشأن الحوار مع كابول وحركة طالبان الباكستانية، خيّمت على الساحة قضية تعامل قنصل طالبان الأفغانية في مدينة بيشاور المولوي محب الله مع النشيد الوطني الباكستاني، ما زاد الضغط على كنده بور والقنصل الأفغاني الذي كان يعتبر جسراً بين الحكومة الإقليمية في باكستان وكابول.

وحدث أن محب الله، الذي ظهر إلى الواجهة بعدما كانت حكومة إقليم خيبربختونخوا تعول عليه للتحاور مع كابول و"طالبان" الباكستانية، قد حضر اجتماعاً دينياً تشرف عليه الحكومة المحلية في إقليم خيبربختونخوا. وأثناء النشيد الوطني الباكستاني، لم يقف محب الله ورفاقه احتراماً للنشيد، بحجة أن فيه موسيقى وهم لا يحترمونه. هذه الخطوة أثارت ضجة كبيرة في باكستان. وبينما دافعت المؤسسة الدينية الباكستانية عما قام به محب الله، وكذا حزب عمران خان والحكومة المحلية في خيبربختونخوا، أثيرت القضية بشكل كبير في وسائل الإعلام الباكستانية التي اعتبرته خيانة لباكستان، كما طلب الإعلاميون والساسة والنشطاء من الحكومة الباكستانية طرد قنصل طالبان من البلاد، في حين اكتفت الخارجية الباكستانية بتقديم احتجاج للسفارة الأفغانية لدى إسلام أباد.

وجعلت الخطوة القنصل الأفغاني تحت ضغط كبير حيال الوساطة بين حزب خان و"طالبان" الباكستانية. وقال في تصريح إن الحديث بين "طالبان" باكستان والحكومة الباكستانية، وكذا الحديث بين إسلام أباد وكابول، هو من شأن الحكومات المركزية، وإنه لا جدوى من الحديث مع الأحزاب أو حكومات إقليمية. ومع أنه لم يرفض حتى الآن الوساطة، إلا أنه وبسبب الضغوط الكبيرة عليه، لم يعد بإمكانه القيام بالدور الذي كان يسعى إليه. في المحصلة، فإن الفجوة بين الحكومة الباكستانية المركزية وحزب خان تزداد، وهي تخطت السياسية الداخلية ووصلت إلى المساس بالسياسة الخارجية. ولعل سبب تفاقم الصراع هو فشل المفاوضات بين حزب خان والمؤسسة العسكرية وإصرار كل طرف على موقفه.

المساهمون