تواجه حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلافات متصاعدة مع الأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي، بعضها معلن، كخلافها القديم مع مجلس النواب، والجديد مع المجلس الأعلى للدولة، والآخر مكتوم كعلاقتها المتوترة مع المجلس الرئاسي.
وكشف الموقف المصاحب لزيارة وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إلى ليبيا، يوم الخميس الماضي، النقاب عن خلاف قد يكون بين وجهي السلطة التنفيذية في ليبيا: المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
تباينات بين المجلس الرئاسي والحكومة
وظهر ذلك في تباين ردود فعل الطرفين حول تصرّف ديندياس عندما وصل إلى مطار معيتيقة في طرابلس، ورفض النزول من الطائرة على خلفية رفضه أن يتم استقباله من قبل وزيرة الخارجية في حكومة طرابلس نجلاء المنقوش، ليحوّل وجهته من هناك إلى بنغازي التي التقى فيها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وجاء موقف ديندياس على خلفية رفض اليونان مذكرة تفاهم وقّعتها حكومة الدبيبة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع تركيا، والتي تتيح للأخيرة الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في مناطق الحدود البحرية المرسمة بين البلدين عام 2020، إذ استندت اليونان في عدم صحة مذكرة التفاهم إلى ادعاء أن الحكومة الليبية "منتهية الولاية".
واستهجنت خارجية حكومة الوحدة موقف ديندياس، واستدعت السفير اليوناني إيوانيس ستماتيكوس في طرابلس. في المقابل، أكد رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي حرصه على "استمرار وتعزيز العلاقات الودية مع اليونان، وتجنّب كل ما يعرقلها ويكدر صفوها، أو يدفع إلى أي حوادث دبلوماسية أو خطوات تصعيدية".
وتعليقاً على ذلك، اعتبر الباحث في الشأن السياسي والدستوري محمد محفوظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موقف المنفي "متوقع". وأضاف أن "المنفي تربطه مصالح شخصية باليونان، فهي موطن عمله السابق كسفير، وله أملاك هناك، حيث تقيم عائلته، ويقضي كل عطلاته، وبالتالي فهو لا يريد أن يخسر هذا الوضع والمكانة، حتى لو كان الأمر على حساب مصالح ليبيا".
ورأى محفوظ أن الموقف اليوناني "لا يتعلق بالدبيبة، بل بإهانة حصلت لليبيا كدولة، بعيداً عمن يرأس مجلس الوزراء". ومن هذا المنطلق، اعتبر الباحث السياسي أن موقف المجلس الرئاسي ورئيسه خصوصاً "مخز جداً، ومتوقع من شخصيات ضعيفة لا يهمها إلا البقاء في السلطة، بعيداً عن مصلحة الدولة العليا".
ولم يعتبر محفوظ ما حدث بين الدبيبة والمنفي "خلافاً"، وحتى وإن وجد خلاف فهو "ليس سياسياً، بقدر ما هو خلاف مصالح"، على حد وصفه، مستبعداً أي تبعات له بين الطرفين.
الدبيبة وحيداً في مواجهة مجلسين
ومع عدم تصاعد الموقف بين الحكومة والمجلس الرئاسي، إلا أن الأمر مع مجلس الدولة ورئيسه خالد المشري مختلف، بحسب محفوظ، الذي قال إن "الدبيبة يقف وحيداً في مواجهة مجلسي النواب والدولة، خصوصاً بعد الموقف الواضح الذي بدأ يصدر من المشري، ومعالم الصفقة السياسية الجديدة التي من أبرز عناوينها تغيير المناصب السيادية والحديث حتى عن تغيير حكومة".
محمد محفوظ: الدبيبة تجاهل المشري أثناء تشكيل الحكومة وفي شؤون أخرى
وتابع محفوظ أن "الخلاف بين المشري والدبيبة ليس جديداً ولا وليد اللحظة، فالمشري يطمح لنصيب في السلطة التنفيذية الجديدة، سواء أن يكون رئيسها أو أن يحظى بحصة منها، والدبيبة تجاهل المشري أثناء تشكيل الحكومة وفي شؤون أخرى، وبالتالي كان المشري مبادراً ومسارعاً في الموافقة على تكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة في البداية (من قبل مجلس النواب)، لكن الضغوط عليه في غرب البلاد جعلته يتراجع عن هذا الدعم، لكنه بقي على موقفه من الدبيبة".
وعلى الرغم من ذلك، فحكومة الدبيبة "ما زالت شرعية وتحظى بالاعتراف الدولي، وليس بالإمكان إزالتها إلا بالانتخابات، أو بتفاهم مجلسي النواب والدولة، شرط وجود الدعم الدولي"، بحسب رأي محفوظ، الذي شدّد على أن الاعتراف الدولي هو المحدد الحقيقي لمن يمسك بالسلطة.
ولفت محفوظ إلى أن "مسألة توحيد المناصب السيادية والسلطة التنفيذية التي يسعى إليها مجلسا النواب والدولة ستُقصي الاستحقاق الانتخابي، لأنها حق أريد به باطل، وفي ظل هذا العبث، بات من الترف الحديث عن الانتخابات". واعتبر أن سياسة المجلسين "مزينة بشعارات برّاقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وأعتقد أنها لن تؤدي إلى انتخابات بقدر ما هي صفقة سياسية جديدة يراد منها بقاء المجلسين".
في المقابل، قال الأكاديمي والمحلل السياسي فرج دردور إن "سبب الخلاف هو أن المجلس الرئاسي يمسك بالعصا من المنتصف، ويريد الظهور بمظهر البعيد عن التجاذبات، والشخصية التي تتبع السياسة الهادئة، حتى يضمن بقاءه في موقعه".
وأضاف دردور لـ"العربي الجديد": "لهذا نلاحظ أن إجراءات مجلس النواب في تجديد السلطة التنفيذية تستهدف الحكومة فقط وليس الرئاسي، على الرغم من أن الحكومة والمجلس الرئاسي جاءا إلى السلطة التنفيذية في مجموعة انتخابية واحدة، وبناء على الاتفاق نفسه، وللمدة نفسها، وهذا يرجع أيضاً إلى أن الحكومة هي من تملك المال وتنفيذ القرار".
وحول الموقف اليوناني، رأى دردور أن حكومة طرابلس "قامت بدورها الحقيقي"، موضحاً أنه "في الأعراف الدبلوماسية لا يمكن لوزير خارجية دولة أخرى أن يتجاوز الحكومة ويذهب للقاء الرئيس، وبالتالي موقف الحكومة كان قوياً، وليست اليونان أو غيرها من يحدد لليبيين من هي الحكومة الشرعية، مع العلم أن سفير اليونان موجود في طرابلس ويعمل ضمن منطقة حكومة الوحدة".
وعن خطوات المشري وصالح الأخيرة، بشأن توحيد المناصب والسلطة التنفيذية، قال دردور إن "ما يقومان به ليس طموحاً سياسياً، بقدر ما هو تسلط وتشبث بالسلطة أي كان شكلها ومن دون أدوات شرعية".
فرج دردور: المجلس الرئاسي يمسك بالعصا من المنتصف
واستبعد دردور أن يكون خلاف مجلسي الرئاسة والنواب مع الدبيبة متأتياً من طموحات صالح والمشري السياسية، بل من "رغبتهما في إقصاء الحكومة، وبقائهما في السلطة"، وذلك عبر "السيطرة على المناصب السيادية ووزارات الحكومة المقبلة، بالإضافة للهيمنة على السلطة القضائية".
ولفت الأكاديمي والمحلل السياسي إلى أنه "بهذا السيناريو ستصبح الانتخابات عبارة عن شعارات، لأن جميع الأجسام التشريعية والتنفيذية والقضائية ستكون منسجمة بسبب المحاصصة التي ينتهجها المجلسان، وبالتالي لن تحدث أي نقلة، لأن من يسيطر على هذه المؤسسات هما صالح والمشري وأحلافهما".
والحل وفق دردور يكمن في "تحييد المجلسين، واختيار آلية جديدة تحترم إرادة الشعب وتذهب به للانتخابات"، وبعدها بحسب توقعاته "ستتوحد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية بكل أريحية، ومن دون أن تكون تابعة لهذا الطرف أو ذاك".