كشفت خلافات تحت قبة البرلمان المصري حول قانون الإيجارات القديمة عن مخاوف داخل أروقة النظام من أن فرض القانون الجديد، الذي يهدد عشرات الملايين من المستأجرين بالطرد من منازلهم، سوف يؤدي إلى مآلات تؤثر على النظام ذاته.
يأتي هذا مع تأكيد تقارير لأجهزة أمنية أن التوقيت الذي تسعى فيه الحكومة لإقرار القانون سيئ، من جهة الظروف الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، نتيجة تأثيرات الحرب على أوكرانيا وحالة التضخم العالمي.
وذكرت مصادر خاصة تحدثت مع "العربي الجديد" أن تقريراً لجهة أمنية أفاد بأن الضغط أكثر على الناس، خصوصاً في ظل الظروف الحالية، من شأنه أن يهدد بتفجر الوضع في الشارع، مذكرة بتظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، التي دعا لها المقاول والممثل المصري المقيم بالخارج محمد علي.
العبث بالمتطلبات الأساسية للناس مصدر تهديد
وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن هناك جناحاً داخل النظام يعي تماماً أن العبث بالمتطلبات الأساسية للناس في البلاد، مثل رغيف الخبز والمأوى، يشكل مصدر تهديد خطيراً.
وأشارت المصادر إلى أن قضية "الإيجارات القديمة" تشكل حالة ظاهرة من الانقسام المجتمعي، فالملاك يشعرون بالظلم الواقع عليهم نتيجة تدني إيجارات العقارات التي يمتلكونها، ولهم الحق في ذلك، والمستأجرون أيضاً، الذين تقدر أعدادهم بعشرات الملايين، يشعرون بالتهديد، وأن مصير الطرد في انتظارهم، ولهم الحق أيضاً بهذا الأمر.
وأوضحت أنه لذلك فإن النظام السياسي المصري يواجه مشكلة خطيرة، تتطلب عدم التعجل ودراسة الأمر جيداً قبل الشروع في أي إجراء قد يهدد سلامة المجتمع.
وفي السياق، علمت "العربي الجديد" أن خلافات حادة نشبت خلال مناقشات تعديل قانون الإيجارات القديمة في مصر حول مدة تحرير عقود الإيجار لأغراض السكن، وسط تمسك الحكومة، ممثلة في وزارتي العدل والتنمية المحلية، بقصرها على 5 سنوات حداً أقصى، ومطالبات بعض النواب بمدها إلى 7 سنوات على أدنى التقديرات مراعاة لأوضاع المستأجرين.
وأفادت مصادر برلمانية خاصة بأن اللجنة الحكومية-البرلمانية المعنية بمناقشات قانون الإيجارات القديمة "لم تحسم الخلاف بشأن المدة المقررة لإخلاء (طرد) المستأجرين في التشريع المقترح". وبينت أن "اللجنة ستواصل اجتماعاتها في وزارة العدل يوم الأحد المقبل، للانتهاء من ملامح المسودة الأولى لتعديلات القانون".
اجتماع للبرلمان مع ملاك ومستأجرين
وقالت المصادر إن "مجلس النواب سيعقد جلسة للحوار المجتمعي فور الانتهاء من المسودة الأولية للقانون، في حضور مجموعة من الملاك والمستأجرين لعرض مقترحاتهم إزاء مواده، لا سيما المتعلقة بنسبة الزيادة السنوية على القيمة الإيجارية، إلى حين تحرير العقد بين الطرفين، وإمكانية إخلاء الوحدة السكنية قبل انقضاء مدة التحرير بصورة رضائية".
نشبت خلافات حادة حول مدة تحرير عقود الإيجار لأغراض السكن
وأضافت أنّ "من الأهداف الرئيسية لفتح ملف هذا القانون الشائك في الوقت الراهن هو إدخال ما يزيد على 9 ملايين وحدة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة في المنظومة الجديدة لتسجيل العقارات والأراضي في مصر، والهادفة إلى تخصيص رقم قومي لكل عقار، وآخر للأرض المقام عليها، وثالث لكل وحدة داخل العقار، في إطار حصر الثروة العقارية داخل البلاد".
وتابعت المصادر أن "المنظومة الجديدة تستهدف تسجيل جميع العقارات في مصر خلال خمس سنوات، وإلزام جميع المواطنين بتوثيق وحداتهم في الشهر العقاري (جهة تابعة لوزارة العدل منوط بها توثيق العقارات)، بما في ذلك الخاضعة منها لأحكام قانون الإيجارات القديمة، فور انقضاء المدة المحددة لتحرير عقودها بين الملاك والمستأجرين".
إخضاع الإيجارات القديمة لضريبة التصرفات العقارية
وأشارت إلى أنه "من ضمن الأهداف أيضاً إخضاع الإيجارات السكنية القديمة لضريبة التصرفات العقارية، بواقع 2.5 في المائة من قيمتها الشرائية، في حال بيعها من قبل المالك بعد تحرير العقد مع المستأجر، ما يدر أموالاً طائلة على خزينة الدولة، نتيجة ارتفاع رسوم التوثيق من جهة، وسداد ضريبة التصرفات من جهة أخرى".
وأوضحت المصادر أن "التعديلات المقترحة على قانون الإيجارات القديمة ستقضي بسحب جميع الوحدات السكنية المغلقة، من جراء وفاة المستأجر أو سفره إلى خارج البلاد، وإعادتها إلى المالك مباشرة عن طريق لجان مشكلة لحصر هذه الوحدات في جميع المحافظات، وتكون تبعيتها لوزارة التنمية المحلية".
وقالت المصادر إن "إخلاء الوحدات السكنية المؤجرة يستلزم تشكيل لجان في كل محافظة لدراسة الحالات المختلفة للمستأجرين، وتخصيص الحكومة أموالاً من عوائد التصالح في مخالفات البناء لتعويض المتضررين منهم، شرط أن يثبت عدم امتلاكهم وحدات بديلة، إلى جانب منحهم الأولوية في الحصول على وحدات الإسكان الاجتماعي التابعة للدولة".
ويترافق تعديل قانون الإيجارات القديمة مع مواجهة البلاد موجة من غلاء الأسعار طاولت جميع السلع الأساسية بنسب مرتفعة، ما يضرب استقرار المجتمع المصري في مقتل، باعتبار أن تحرير العلاقة الإيجارية سيكون على حساب طبقات مطحونة، تضررت كثيراً من انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بفعل قرار تحرير سعر الصرف في 2016، وما تلا ذلك من موجات تضخم كبيرة.
القانون يواجه رفضاً شعبياً واسعاً
ونأى البرلمان المصري بنفسه عن التعرض لأزمة الإيجارات القديمة على مدى ست سنوات، لأن تعديل القانون يواجه رفضاً شعبياً واسعاً، بوصفه يعرض شريحة المستأجرين، الأكثر عدداً، للضرر بصورة أكبر، نتيجة سحب الوحدات منها لصالح الملاك من دون توفير بدائل لها، في ظل ارتفاع أسعار العقارات في مصر بصورة غير مسبوقة.
وحذرت "رابطة المستأجرين القدامى" نواب البرلمان، في وقت سابق، من "عواقب تعديل القانون، بغرض تخيير المستأجر بين الطرد مباشرة، أو زيادة القيمة الإيجارية حتى تحرير العقد بين الطرفين".
وأشارت إلى "قبولها بمقترحات زيادة القيمة الإيجارية بنسب مقبولة، من دون تحرير العقد الموقع بين المالك والمستأجر الأصلي، بما يمهد لطرد الملايين من المستأجرين من مساكنهم".
تستهدف المنظومة الجديدة لتسجيل العقارات إلزام جميع المواطنين بتوثيق وحداتهم في الشهر العقاري
في المقابل، يشكو ملاك العقارات الخاضعة لأحكام قانون الإيجارات القديمة من ضعف القيمة الإيجارية، والتي تبلغ في بعض الأحياء الشعبية 5 جنيهات (الدولار يساوي 15.7 جنيهاً) فقط شهرياً.
وينص القانون القائم على "عدم انتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر، أو تركه العين (المكان) المؤجرة، إذا بقي فيها زوجه (الزوج أو الزوجة)، أو أولاده، أو أي من والديه اللذين كانا يقيمان معه حتى الوفاة أو الترك".
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد صرح بأن "الحكومة عازمة على اقتحام العديد من الملفات الموروثة والشائكة، والتعامل معها وصولاً إلى حلول جذرية بشأنها، ومنها ما يتعلق بملف قانون الإيجارات القديمة". وأوضح مدبولي، أخيراً، أن "التعديلات المرتقبة ستنص على فترة انتقالية لتوفيق الأوضاع بين الملاك والمستأجرين قبل تحرير عقد الإيجار، مع مراعاة الشرائح الاجتماعية الأكثر احتياجاً".
وتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، العام الماضي، عن أهمية تعديل قانون الإيجارات القديمة. وقال إنّ "هناك وحدات سكنية في مناطق وسط القاهرة لا يتعدى إيجارها الشهري 20 جنيهاً، بينما قيمتها تصل إلى ملايين الجنيهات. وإذا كان من حق المستأجر أن يعيش فيها، فمن حق مالكها أيضاً أن يستمتع بقيمتها".
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، وافق مجلس النواب بصفة نهائية على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن "الإجراءات التي يتطلبها التعامل مع تداعيات فيروس كورونا".
وقضى القانون بتعديل بعض أحكام الإيجارات القديمة في ما يتعلق بالأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكن، إيذاناً بطرد الآلاف من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والنقابات والأحزاب من أماكنها الحالية، فضلاً عن إخلاء الصيدليات والأنشطة التجارية الخاضعة، بموجب العقود، لإدارة مجموعة من الأشخاص.
ونص مشروع القانون على إخلاء الأماكن غير السكنية المؤجرة للأشخاص الاعتبارية خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات، مع زيادة القيمة الإيجارية للأماكن الخاضعة لأحكام القانون بواقع خمسة أمثال القيمة القانونية السارية، على أن تزداد سنوياً، وبصفة دورية، بنسبة 15 في المائة من آخر قيمة قانونية مستحقة لها.
كما ألزم المستأجر بإخلاء المكان المؤجر، ورده إلى المالك أو المؤجر (بحسب الأحوال) في اليوم التالي لانتهاء المدة المبينة في القانون. وفي حال امتناع المستأجر عن ذلك، يكون للمالك أو المؤجر أن يطلب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة، الكائن في دائرتها العقار، بطرد الممتنع عن الإخلاء، من دون الإخلال بالحق في التعويض إن كان له مقتضى.
وينص الدستور المصري، في المادة 78، على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية".
إلا أن الحكومة المصرية لم تراع ذلك عند وضعها قانون الإيجارات القديمة، بحسب ما أكده حقوقيون، بل إنها تعرض ملايين السكان في البلاد إلى خطر الطرد من مساكنهم، من دون إيجاد حلول بديلة تضع في الاعتبار الحالة الاقتصادية للسكان، والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، عند التفكير في تعظيم موارد الدولة.