مثّلت إضافة الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني، بنداً يتعلق بتنفيذ متطلبات المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بإجراء استفتاء شعبي لسكان المناطق المختلطة قومياً، بشأن بقائهم تحت إدارة بغداد أو التحاقهم بسلطة أربيل، علامة فارقة بالنسبة للأكراد الذين اعتبروها مكسباً سياسياً لهم واستجابة لشرط التصويت على حكومة السوداني التي حصلت على ثقة البرلمان في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومع مرور نحو 9 أشهر على تأليف حكومة السوداني، يؤكد مسؤولون أكراد مضيّ الحكومة في تعهداتها حيال تنفيذ ما يعتبرونه استحقاقاً. لكن في المقابل، فإن قوى داخل "الإطار التنسيقي"، تدفع إلى تمييع الملف والمماطلة فيه، في تكرار لسيناريو حكومة نوري المالكي الأولى (2006 ـ 2010) الذي وعد أيضاً بتنفيذ الاستفتاء الشعبي وفقاً لهذه المادة الدستورية.
خلاف بغداد وأربيل
والمادة 140 في الدستور الذي كتب عقب الغزو الأميركي للعراق 2003، وتم التصويت عليه عام 2005، تضع آليات عديدة لحسم خلاف إدارة المناطق مختلطة القومية وجميعها في الجزء الشمالي من العراق، وذلك بعد إقرار كيان إقليم كردستان كإدارة ذاتية شبه مستقلة عن بغداد، تشمل مناطق كركوك وسنجار وزمار وآمرلي وخانقين ومخمور، وبلدات أخرى يقدر عدد سكانها بأكثر من مليوني عراقي من العرب والأكراد والتركمان وأقليات دينية، أبرزها المسيحيون والأيزيديون والشبك والكاكائيون والفيلية.
وتنص المادة 140 على إجراء استفتاء شعبي لسكان تلك المناطق حول رغبتهم في البقاء مع إدارة بغداد أو الالتحاق بمدن الإقليم. لكن منذ عام 2005، لم تنفذ تلك المادة، لأسباب سياسية وأمنية، أبرزها عمليات التغيير الديمغرافي التي طرأت عليها، خصوصاً كركوك التي تسكنها ثلاث قوميات رئيسية هي العرب والتركمان والأكراد.
مسؤول في مكتب السوداني: ضغوط على رئيس الوزراء لتنفيذ المادة 140
في السياق، كشف مسؤول عراقي في مكتب السوداني لـ"العربي الجديد" عن وجود ضغوط على رئيس الوزراء حيال المضي فعلاً في تنفيذ المادة 140 من الدستور، خصوصاً بعد تخصيص مبالغ مالية تصل إلى 200 مليار دينار (153.4 مليون دولار) في الموازنة المالية لهذا العام لتنفيذ اشتراطات المادة الدستورية، مثل وقف التغيير الديمغرافي وتعويض المرحّلين منهم، وأيضاً إخراج الساكنين في تلك المناطق وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية.
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "قوى داخل الإطار التنسيقي، اعتبرت المضي في تنفيذ هذه المادة سيكلف العراق سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لحساب إقليم كردستان، بسبب ازدياد مساحة الإقليم التي قد تصل إلى 22 في المائة من مساحة العراق (تشكل حالياً 18 في المائة)".
ولفت إلى أن "ائتلاف دولة القانون وحركة صادقون وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى وحركة حقوق، أبرز الرافضين للمضي في تنفيذ المادة التي يعتبرونها أقرت في عام 2005 بضغط أميركي".
في المقابل، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم بإقليم كردستان، وفاء محمد كريم، لـ"العربي الجديد"، إن "من ضمن شروط القوى الكردية لتشكيل حكومة السوداني هو العمل على تفعيل المادة 140 من الدستور، خصوصاً أن المحكمة الاتحادية أكدت سريان مفعول هذه المادة حتى اللحظة".
وأضاف كريم: "هناك حالياً لجنة حكومية مختصة لتفعيل هذه المادة، وهذه اللجنة تعمل منذ أشهر على دراسة كافة الخطوات والإجراءات الفنية والإدارية والقانونية لتفعيل هذه المادة، لكن في المقابل هناك أطراف سياسية تعمل على عرقلة المادة 140 من أجل تحقيق أهداف سياسية واستمرار عمليات التغيير الديمغرافي في بعض المناطق المشمولة بهذه المادة".
مطلب الاستفتاء الشعبي
ويُعتبر إجراء استفتاء شعبي آخر خطوات تنفيذ المادة، بعد معالجة آثار التغيير الديمغرافي الذي يتبادل فيه ممثلو العرب والأكراد والتركمان السياسيون الاتهامات بين وقت وآخر بالتورط فيه.
غياث السورجي، العضو البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني الحاكم في مدينة السليمانية، أوضح، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تفعيل المادة 140 هو الحل الوحيد لإنهاء كافة المشاكل بخصوص كركوك وباقي المناطق المتنازع عليها، ولهذا هناك إصرار سياسي كردي على تفعيل هذه المادة خلال المرحلة المقبلة، وهذا وفق اتفاق سياسي على هذا التوجه".
واعتبر السورجي أنه "لا يمكن تعطيل فقرات الدستور العراقي وفق الأهواء والمصالح السياسية لبعض الجهات والشخصيات السياسية، ولهذا سنعمل على تفعيل هذه المادة، ونعتقد أن الفرصة الحالية يمكن أن تحقق لنا تفعيل هذه المادة بعد سنوات طويلة من التعطيل".
وأضاف أن "أبرز شروط الاتحاد الوطني الكردستاني للمشاركة في الحكومة تنفيذ المادة 140، إلى جانب عودة النازحين، فهناك خشية من أن عدم عودة النازحين سيؤدي إلى حدوث تغيير ديمغرافي في تلك المناطق".
من جهته، اعتبر القيادي في الجبهة التركمانية بكركوك النائب السابق نيازي معمار أوغلو، لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية الكردية تسعى من أجل إعادة السيطرة من جديد على كركوك والمناطق المتنازع عليها، بحجة تفعيل المادة 140 من الدستور العراقي، لكن هذا الأمر مرفوض من قبل الأطراف السياسية والشعبية في كركوك".
وأضاف معمار أوغلو أن "الأطراف السياسية والشعبية ترفض جعل مصير كركوك وكافة المناطق المتنازع عليها، ضمن الاتفاقات السياسية، فإقليم كردستان يريد السيطرة على تلك المناطق لإكمال عمليات التغيير الديمغرافي التي عمل بها خلال السنوات الماضية، ولهذا فإن أي حراك بهذا الخصوص سيلاقي رفضاً شعبياً وسياسياً كبيراً".
نيازي معمار أوغلو: القوى الكردية تعمل للسيطرة على كركوك والمناطق المتنازع عليها
وشدّد القيادي التركماني على أن "جميع المناطق خارج حدود إقليم كردستان يجب أن تبقى تحت إدارة الحكومة المركزية في بغداد، ويكون الوجود الأمني فيها محصوراً بقوات الجيش والشرطة من أجل الحفاظ على السلم المجتمعي، وعدم إعادة القضايا التي تثير زعزعة الأمن والاستقرار في كركوك وكافة المناطق المتنازع عليها".
أما الشيخ محمد العبيدي من المجلس العربي في كركوك، فشدّد على أن "من حق العرب والتركمان البقاء تحت ظل السلطة المركزية في بغداد"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "تقسيم كركوك بين إدارتين أمر غير وارد.
الاستفتاء لا يمكن أن يحدد تاريخ وحاضر مدينة متنوعة مثل كركوك، وسيكون بداية مشاكل وفتن قومية كبيرة وكذلك المناطق الأخرى. بغداد مظلة جامعة أفضل من حكم إقليم تأسس على أساس قومي".
قضية المادة 140
لكن المحلل السياسي ماهر جودة، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخلاف على البند الدستوري بين بغداد وأربيل لا يمكن حله بسهولة، ويحتاج إلى توافق سياسي عابر ما بين كل الأطراف السياسية، وهذا التوافق غائب حتى الساعة".
وكشف أن "تفعيل المادة 140 قضية خلافية حتى داخل البيوتات السياسية (السنّية، الشيعية، الكردية)، فلكل كتلة رؤيتها الخاصة بشأن هذه المادة، كما أن هناك أطرافاً سياسية قدّمت تنازلات بشأن تفعيل هذه المادة من أجل المضي في عملية تشكيل الحكومة، وهذا الأمر طبعاً يحصل مع تشكيل أي حكومة جديدة".
وأضاف: "نعتقد أن حل قضية تفعيل المادة 140 من الدستور وحل الإشكاليات بخصوص المناطق المشمولة بهذه المادة يحتاج إلى توافق سياسي جامع ودعم دولي لهذا الحراك، لكن هذين العاملين الأساسيين غير متوفرين حالياً، ولهذا لا أمل قريباً بتفعيل هذه المادة، وأي حديث بخصوص ذلك مجرد أمنيات".
يشار إلى أن قوات البشمركة انتشرت في كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، التي تعتقد أنها مشمولة بالمادة 140 من الدستور بين عامي 2003 و2017، بعد أن أمر رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي بدخول الجيش الاتحادي إليها، على خلفية استفتاء الانفصال الذي أجري في إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017، وشملت به مناطق متنازعاً عليها.
ويعدّ ملف المناطق المتنازع عليها من أعقد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، والتي تثير حساسية المكونات (العرب، الأكراد، التركمان) في تلك المناطق، والتي لا تقبل بأي تفاهمات تمس حقوقها، الأمر الذي يعقّد إمكانية إبرام تفاهمات جديدة، ويضع تلك المناطق، خصوصاً كركوك، على حافة مشاكل وأزمات سياسية.