أخفق مجلس الأمن الدولي، أول من أمس الجمعة، في الاتفاق على تمديد الآلية الدولية لإدخال المساعدات إلى سورية عبر معبر باب الهوى، على الحدود السورية - التركية، بعدما تحوّلت جلسة المجلس إلى ساحة صراع دبلوماسي بين روسيا والدول الغربية، وأحبط كل طرف مشروع القرار الذي تقدّم به الآخر.
لكن المشاورات استمرت بحثاً عن توافق بين الجانبين، وإلا البحث عن بدائل لهذه الآلية، وسط تحذيرات واسعة من أن توقف المساعدات ستكون له آثار كارثية على ملايين السوريين، في شمالي البلاد، والذين يعتمدون بشكل شبه كلّي على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
ابتزاز روسي في مجلس الأمن
واستخدمت روسيا الفيتو ضد مشروع القرار الغربي الذي يدعو إلى تمديد الآلية لمدة عام، قبل أن تحبط الدول الغربية المشروع الروسي الذي سعى إلى تمديد الآلية 6 أشهر فقط. وعقب الفشل بالتوصل إلى اتفاق، أكد نائب السفير الروسي ديمتري بوليانسكي، للصحافيين، أن روسيا لن تدعم كذلك مقترح التمديد لتسعة أشهر الذي تقدّمت به البرازيل والإمارات، وهي تتمسك كلّيا بمشروعها المتعلق بالتمديد لستة أشهر فقط، مؤكداً تمسك بلاده أيضاً بضرورة أن يكون النظام السوري هو المستفيد الأول من التمديد لآلية نقل المساعدات.
ووصفت منظمات غير حكومية ما انتهت اليه مداولات مجلس الأمن بأنها "مدمرة". وقال مدير الاستجابة لدى منظمة "أنقذوا الأطفال"، تامر كيرولوس، إن "فشل المجلس في تجديد التفويض لمرور المساعدات، يعرّض حياة مئات الآلاف من الأطفال للخطر"، فيما اعتبر الرئيس التنفيذي لمؤسسة "ميرسي"، شادا دوين ماكينا، أن الصراعات السياسية طغت على الاحتياجات الإنسانية الضرورية للسوريين المعرضين للخطر.
تحذيرات واسعة خرجت من أن توقف المساعدات ستكون له آثار كارثية على ملايين السوريين
كما نددت منظمة "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) بـ"الابتزاز الروسي" في قضية المساعدات الإنسانية. وقالت المنظمة، في بيان صدر عنها أول من أمس، إن "ابتزاز روسيا يزداد بالتزامن مع انتهاء تفويض دخول المساعدات، وربط استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم النظام السوري ومحاولة تعويمه سياسياً، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات النظام وسجونه، وزيادة إثراء شبكة الفساد وأمراء الحرب، تحت بند حزم التعافي المبكر، في تحايل واضح على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار".
وتُدخل الأمم المتحدة المساعدات الإنسانية للسكان في شمال غربي سورية عبر معبر باب الهوى، وهذه المنطقة تقع خارج نطاق سيطرة النظام، إذ تخضع لسلطة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا. ويستفيد 2.4 مليون سوري شهرياً من مساعدات تُدخلها الأمم المتحدة، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وعبرت الحدود خلال العام الحالي وحده أكثر من 4600 شاحنة مساعدات، حملت غالبيتها مواد غذائية، بحسب "أوتشا".
تشكيك دولي بمساعدات النظام السوري "العابرة للخطوط"
وتدفع روسيا في اتجاه تفعيل ما يسمى "المساعدات العابرة للخطوط" كبديل عن المساعدات العابرة للحدود، والذي يعني أن يتسلم النظام كل المساعدات الدولية، ويتولى هو توزيعها على كل البلاد، بما فيها غير الخاضعة لسيطرته. وخلال الشهور الأخيرة، قام النظام بتسهيل نقل قدر ضئيل من "المساعدات العابرة للخطوط"، للتدليل على حسن نيّته، لكن المنظمات الدولية والمحلية، والأوساط الغربية وأوساط المعارضة، تشكك كثيراً بمدى أهلية النظام لتولي هذه المهمة، وتؤكد أنه يستهدف الاستيلاء على هذه المساعدات، لدعم خزينته وأنصاره، وحرمان مناطق المعارضة المنكوبة منها.
وتشير المعطيات إلى أن مساعدات برنامج الأغذية العالمي الآتية من دمشق تكفي فقط لأقل من 50 ألف شخص، بينما تؤمن الأمم المتحدة مساعدات تكفي لحوالي 1.4 ملايين شخص تصل عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. وقد وثقت العديد من التقارير استغلال النظام السوري للمساعدات الإنسانية بمختلف الطرق.
وحتى قبل تعثر التمديد لآلية المساعدات الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة، كانت تدور مع كل عرقلة روسية للتمديد، نقاشات حول ضرورة إيجاد بدائل لهذه الآلية، كي لا تبقى المساعدات تحت رحمة روسيا والنظام السوري.
تتمسك روسيا بضرورة أن يكون النظام هو المستفيد الأول من التمديد لآلية المساعدات
وتسمح الآلية الحالية لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، بتنسيق العمل الإنساني وإدارته من مكتب في غازي عنتاب جنوبي تركيا، وبتقديم الأمم المتحدة ومنظماتها الدعم الإنساني للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام بشكل مباشر من دون التنسيق مع النظام السوري· كما تقوم الأمم المتحدة بدعم باقي المناطق، بما فيها الخاضعة لسيطرة النظام. وبلغ حجم الدعم الذي قدمته الأمم المتحدة في جميع مناطق سورية عام 2021 أكثر من 2.1 مليار دولار، وهذا الرقم يغطي نصف الاحتياجات الإنسانية، بحسب الخبراء.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت حركة نقل المساعدات إلى شمال غربي سورية أسرع من المعتاد، إذ كانت لدى منظمات الإغاثة مخاوف بشأن احتمالات غلق المعبر الوحيد لتلك الإمدادات، وهو ما دفعها إلى إرسال شحنات إضافية لتوفير فائض بسيط.
البدائل المطروحة للآلية الأممية
ومع إمكانية تعطل هذه الالية، برزت العديد من الأفكار لتأمين البدائل، بما فيها تحقق قدر من الاكتفاء الذاتي والاستثمار في الموارد وفي الطاقات الذاتية للمجتمع المحلي، إضافة إلى إمكانية تقديم بطاقات لها قيمة نقدية للمستفيدين من المساعدات.
ورأت السفيرة الأميركية في مجلس الأمن، ليندا توماس غرينفيلد، التي زارت معبر باب الهوى في شهر يونيو/حزيران الماضي، أنه إذا لم يتم تبنّي قرار للأمم المتحدة، "فإن الحدود لن تُغلق وسنواصل العمل مع المجتمع الإنساني لإيجاد سبل لمواصلة تقديم المساعدة الإنسانية مباشرة إلى الشعب السوري".
غير أن نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، مارك كتس، ذكر في تصريحات صحافية، يوم الثلاثاء الماضي، أن وقف العمل بآلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية سيكون كارثياً في غياب أي بدائل حقيقية. وأشار كتس، إلى أن مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات باتت أكثر تسييساً هذا العام من السنوات السابقة، في ظل التوترات الشديدة للغاية في حرب أوكرانيا، ورافضاً في الوقت ذاته الإفصاح عن خطط الأمم المتحدة بشأن البدائل المطروحة لإيصال المساعدات إلى مناطق شمال غربي سورية.
أحد الحلول استمرار إدخال المساعدات عن طريق تركيا من دون مجلس الأمن أو توزيع بطاقات
ورأى الباحث أيمن عبد النور، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك الآن حلّين في حال فشلت جهود التمديد للآلية الحالية: الأول استمرار إدخال المساعدات عن طريق تركيا من دون مجلس الأمن، وعلى هذا تمّت إضافة تركيا إلى الدول "المتشابهة التفكير" قبل عدة أشهر. أما الحل الثاني، فهو توزيع بطاقات لها قيمة مالية ليستفيد منها النازح بالشراء من خلال السوق المحلية، إضافة إلى إمكانية استخدام ورقة الضغط على النظام من خلال تقليص المواد المسلّمة إليه.
لكن الباحث شادي عبد الله، رأى أن أي خطط بديلة لن تكون بالفاعلية نفسها للآلية الحالية التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تؤمّن أكثر من 60 في المائة من المساعدات لنحو أربعة ملايين شخص في الشمال السوري. ولفت عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن اعتماد أي آلية جديدة، حتى لو جزئية، ربما يحتاج إلى عام كامل.
يشار إلى أنه توجد ثلاث آليات معتمدة لإدخال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سورية. وتقوم الآلية الأولى على إدخالها إلى داخل مناطق النظام، ضمن المحافظة التي تملك فيها الأمم المتحدة مستودعات ومكاتب، مثل مدينة حلب والعاصمة دمشق، ويتم التوزيع عن طريق "الهلال الأحمر السوري" و"الأمانة السورية للتنمية"، المرتبطين بالنظام، وتمت أخيراً إضافة بعض المنظمات التي يقبلها النظام.
أما الآلية الثانية، فتتم عبر الخطوط من داخل سورية وتعبر بين مناطق سيطرة مختلفة بين النظام والمعارضة. وهذه الطريقة يتحكم بها النظام أيضاً من خلال إجراءات بيروقراطية عديدة، مثل تأخير منح الموافقات والتحكم بالمواد الموافق عليها. أما الآلية الثالثة، عبر الحدود، والتي تمّت من خلال قرار مجلس الأمن للمساعدات عبر الحدود، فتسمح للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بإدخال المساعدات الإنسانية من خارج سورية وتنفيذ مشاريع في مناطق خارج سيطرة النظام، من دون موافقة النظام.
ومنذ خسارته السيطرة على مناطق شمال غربي البلاد، قطع النظام عن هذه المناطق إمدادات الكهرباء والمياه، وعرقل المساعدات وهاجمت قواته المخيمات والمنشآت الطبية والمدارس، تاركاً عبء تقديم الخدمات على كاهل المنظمات الدولية.