تستعد حكومة "الوفاق" الليبية بالتنسيق مع عدة أطراف دولية وإقليمية لإطلاق عملية أمنية لضبط مشهد السلاح والمجموعات المسلحة في غرب البلاد، في خطوة أولى ضمن خطة أوسع سعت وزارة الداخلية بالحكومة لمناقشتها مع مسؤولين أميركيين منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2019، بحسب مصادر ليبية مطلعة.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت عدة مرات عن رغبتها في دمج أفراد المجموعات المسلحة في مؤسساتها الأمنية، واتهمتها بــ"استغلال النفوذ وابتزاز مؤسسات الدولة".
وفي أول إعلان لحكومة الوفاق عن العملية الأمنية المرتقبة، قال وزير الداخلية بالحكومة فتحي باشاغا إن وزارته تخطط لإطلاق عملية أمنية في غرب البلاد بهدف القضاء على المسلحين ومهربي البشر، الجمعة الماضي.
وأعرب باشاغا، في تصريح لوكالة أسوشييتد برس، عن عزمه على معالجة مشكلة المسلحين من خلال تحديد المجموعات المسلحة التي يجب نزع سلاحها وتسريح أفرادها والأخرى التي يمكن استيعابها في الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى تحالف بعض أمراء المجموعات المسلحة مع مسؤولين بطرابلس للسيطرة على مؤسسات الدولة. وفي تصريحات صحافية أخرى، الأحد الماضي، سمى الوزير العملية بـ"صيد الأفاعي"، دون أن يحدد الأطراف التي يعنيها.
وكشفت المصادر ذاتها المقربة من الحكومة في طرابلس، النقاب عن رعاية أميركية للخطة الأمنية الموسعة ووقوفها وراء الدفع بها، حيث عقد مسؤولون من السفارة الأميركية عدة لقاءات مع باشاغا بهدف تقويض سلطة "المليشيات"، لكنها أشارت إلى أن الحرب التي شنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس طيلة عام ونصف عرقلت تنفيذها.
ورغم عدم وضوح تفاصيل العملية الجديدة، إلا أن وزارة الداخلية كشفت أن العملية ستكون بــ"قيادة وطنية للتنسيق الإقليمي والتنفيذ المحلي"، مشيرة إلى أنها ستعلن عن "الغرفة الأمنية العليا"، في 17 من يناير/كانون الثاني الجاري.
جاء ذلك في بيان للوزارة، قالت فيه إن باشاغا التقى مسؤولي شركة "روز بارتنز" البريطانية، أمس الثلاثاء، لبحث إمكانية عقد شراكة معها للتعاون الأمني.
ووفق البيان، فإن من أولويات الغرفة الجديدة "تنفيذ مهام وزارة الداخلية وتحديد أولوياتها في المجالات الشرطية والأمنية"، وأنها "ستمكن الوزير من ممارسة مهام الحوكمة بالنيابة عن حكومة الوفاق الوطني ومحاسبة كافة مكونات الوزارة"، وتشكل الغرفة فروعاً لها في المناطق التابعة للوزارة لتسهيل عملية التواصل بين كافة مكوناتها.
ووفق المصادر ذاتها، فإن باشاغا ينتظر موافقة إقليمية ودولية حول عمليته المرتقبة لتبديد مخاوف الأطراف المتصارعة في الملف الليبي حول هدف العملية، وسط سعي لمشاركة كل تلك الأطراف في الإشراف عليها بشكل مباشر.
ومن بين تلك الأطراف القاهرة وأنقرة وباريس وروما ولندن، التي أكدت المصادر رضاها بشكل أولي على شكل وأهداف العملية، فيما تجري اتصالات بشأن مراحلها وكيفية تنفيذها، إذ تصر حكومة الوفاق على أن تكون مشاركة الأطراف عبر شركات على صلة بالشأن الأمني والعسكري في دولها.
والتقى باشاغا عددا من ممثلي الشركات الأمنية، طيلة الأشهر الماضية، ففي مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلنت الوزارة عن لقائه بمسؤولي شركة "أيديميا" الفرنسية بــ"هدف الاستفادة منها في تطوير وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية الليبية"، كما كان الجانب الأمني محور زيارة باشاغا للقاهرة، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو أيضا الملف الذي طغى على لقائه بالوفد المصري رفيع المستوى الذي زار طرابلس في نهاية الشهر الماضي.
وعلاوة على العلاقة المتينة بين طرابلس وأنقرة، أعلنت الوزارة عن توقيعها اتفاقاً للتعاون مع شركة "بايكار" للصناعات الدفاعية التركية، نهاية الشهر الماضي، وقبلها بأيام وُقع اتفاق للتعاون الأمني مع مسؤولين إيطاليين زاروا طرابلس.
واشنطن ترى في باشاغا الشخصية الأقوى في المشهد الأمني وتسعى من خلاله إلى ترتيب شكل وجود القوى الخارجية
وفيما تؤكد المصادر ذاتها على وجود ضوء أخضر أميركي وراء بدء تفعيل العملية، تشير أيضاً إلى أن واشنطن، التي لا تزال ترى في باشاغا الشخصية الأقوى في المشهد الأمني، تسعى من خلاله إلى ترتيب شكل وجود القوى الخارجية ومحاولة تقريب وجهات نظرها لتبديد مخاوفها المتأثرة بمواقفها في ملفات أخرى، آخرها ملف شرق المتوسط الذي شهد توتراً كبيرا في الآونة الأخيرة، مرجحة أن يكون الترتيب الأمني الجديد وحشد المواقف الإقليمية على صلة بموقف واشنطن من التوغل الروسي في ليبيا ومحاولة عزلها.
وحول تفاصيل العملية، تتوافق معلومات المصادر حول مشاركة ممثلي تلك الشركات في وضع خُطَط تنفيذ العملية التي ستتشكل من عدة مراحل، أولاها إعادة رسم المشهد الأمني في العاصمة طرابلس وما حولها من خلال تفكيك عدد من المجموعات المسلحة الكبيرة ودمجها بشكل فردي في مؤسسات وزارة الداخلية وفق هيكلة جديدة للوزارة.
ومن بين تلك المجموعات المسلحة "قوة التدخل السريع"، التي تتمركز في حي أبوسليم، ولواء النواصي، الذي يتمركز في حي زاوية الدهماني، ولواء ثوار طرابلس، الذي يتخذ من معسكرات في تاجوراء مقرا له، والكتيبة 55 مشاة، والتي تتمركز في منطقة المعمورة، غرب طرابلس، وقوة تسيطر على جهاز المباحث الجنائية بمدينة صرمان، غرب طرابلس، وقوة الإسناد الأمني بمدينة الزاوية، غرب طرابلس، إضافة لمجاميع مسلحة أصغر موزعة في مناطق أخرى، من بينها غريان، غرب طرابلس.
وتمتلك الوزارة تقارير تثبت ارتباط عدد من تلك المجموعات المسلحة بشبكات تهريب الوقود والبشر، في مناطق خارج طرابلس، وتحديداً في بني وليد والفربولي والزاوية وصرمان وزليتن، وفق المصادر ذاتها.
وتبدو "قوة الردع الخاصة" الكيان المسلح الوحيد في العاصمة طرابلس خارج خطط الوزارة بسبب انضباطه وحياده، لكن مسؤولي الوزارة يأخذون على قادة قوة الردع علاقتهم بالتيار السلفي كونه عقيدة يمكن أن تجمعه بتيارات سلفية أخرى في مناطق بعيدة، ولا سيما الموجودة في معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وسبق أن اصطدمت خطط وزارة الداخلية مع عدد من المجموعات المسلحة، من بينها لواء النواصي، الذي وصفه باشاغا، في تصريحات خلال العام الماضي، بــ"المليشيا"، و"الخارجة عن القانون"، كما طالب قائد لواء ثوار طرابلس، هيثم التاجوري، خلال تصريحات تلفزيونية، الشهر الماضي، وزارة الداخلية بإشراكه في خططها وإلا رفضها.
وتوفر المرحلة الأولى من الخطة أرضية صلبة لتمدد سيطرة قوات الوزارة إلى مناطق أخرى، من بينها محيط مدينة بني وليد، المرتبط بخطوط وطرق صحراوية رابطة بوسط الجنوب، وتحديدا مناطق الجفرة الاستراتيجية، وهي المرحلة التي لا تزال تشكل توجسا لدى بعض الأطراف الاقليمية التي اطلعت على تفاصيلها.
وتعطي استراتيجية وزارة الداخلية عبر استخدام الشركات الأمنية في عمليتها هامشاً من حرية الحركة للوصول إلى أهدافها، يبدو أنها تستفيد فيها من الوجود الروسي عبر شركة فاغنر الأمنية التي تدعم معسكر شرق البلاد، رغم تأكيد الوزارة أن عمليتها ستجري بتنسيق إقليمي، لكن "التنفيذ محلي".
مسؤولون فرنسيون قاموا بجس نبض عقيلة صالح حيال إمكانية تولي باشاغا رئاسة الحكومة الموحدة حال ولادتها، دون أن تفصح عن رد فعل صالح
وفي سياق آخر، أفادت وسائل إعلام ليبية مقربة من رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، الذي يجري هذه الأيام زيارة غير معلنة للعاصمة الفرنسية، بأن مسؤولين فرنسيين قاموا بجس نبضه حيال إمكانية تولي باشاغا رئاسة الحكومة الموحدة حال ولادتها، دون أن تفصح عن رد فعل صالح.
ولطالما تحدثت تقارير إعلامية عن سعي باشاغا لتسويق نفسه لدى العديد من العواصم لتولي السلطة التنفيذية الجديدة التي يسعى ملتقى الحوار السياسي لتشكيلها، ووفق المصادر نفسها، فإن حراك باشاغا يأتي ضمن شراكة قوية بين عدد من قادة الحكومة، من بينهم السراج ومعيتيق، اللذين سعيا لربط خطوط اتصالات بمعسكر شرق البلاد، عبر اتفاق نفطي أشرف عليه معيتيق في سبتمبر/أيلول الماضي، وعبر اتصالات أخرى من جانب السراج عبر الإيطاليين.
وخلال السنوات الماضية، عرقل السلاح وانتشار المجموعات المسلحة العديد من المبادرات والمساعي الدولية والأممية لوضع لبنات في طريق المصالحة وتسوية الخلافات، وأخيراً تعثرت مسارات الحل التي تشرف عليها البعثة الأممية بشكل كبير، لكن مراقبين للشأن الليبي يرون أن العرقلة الأولى تتمثل في فرض شرعية أي حكومة جديدة في ظل انتشار المجموعات المسلحة، سواء الموالية لحكومة الوفاق أو لمعسكر شرق البلاد.