"داعش" في موزامبيق: تهديد جديد يوسع دائرة الإرهاب وعمليات مكافحته

31 مارس 2021
تعاني المنطقة من أزمة إنسانية جراء الإرهاب منذ سنوات (ألفريدو زونيغا/ فرانس برس)
+ الخط -

تنص القاعدة في أفريقيا على أنه طالما بقيت العاصمة في أي بلد، أو منطقة الوسط فيه، بمنأى عن هجمات الإرهاب المتنقل، الذي يتربع على عرشه تنظيما "داعش" و"القاعدة"، فإن الوضع يظلّ مريحاً للسلطات الحاكمة. مثال على ذلك، التفجيرات الدموية التي تلحق بمقديشو، عاصمة الصومال، حيث تنشط حركة "الشباب"، مقارنة بخفوت وهج "بوكو حرام" ومجازرها. أما القاعدة الثانية، فهي أن الغرب يستنهض نفسه، في أفريقيا، في كلّ مكان حيثما تتعرض مصالحه لخطر شديد.

وكان يكفي لأخبار قطع الرؤوس وهمجية القتال، وعدّاد المفقودين والهاربين المتصاعد منذ أسبوع في شمال موزامبيق، جرّاء هجوم جديد، ومباغت، لـ"داعش"، عبر ذراعه المحلية، "أهل السنة والجماعة"، أو "الشباب" كما تعرف للسُكّان، أن تقترن باسم شركتي النفط والغاز الفرنسية والأميركية، "توتال" و"إكسون موبايل"، حتى يحظى الخبر بهذا الكم من التغطية الإعلامية، وبتدخل دولي قد يكون وشيكاً، وبدأ مع إعلان البرتغال إرسال "مدربين عسكريين". علماً أن مثل هذه الهجمات الإرهابية، والتي أصبحت تزداد وتيرتها في شمال القارة السمراء، وغربها، ووسطها، وجنوب شرقها، استغلت سنوات طويلة من التهميش للسُكان، والصراعات الإثنية والدينية والطائفية، وقلّة الموارد لأبنائها، في مناطق معروفة بغناها الطبيعي.

أصبح مقاتلو "داعش" قريبين جداً من مشروع "توتال"

وأصبح مقاتلو تنظيم "داعش"، في ما يعرف بـ"ولاية وسط أفريقيا"، أخيراً، على بعد 10 كيلومترات فقط، على أبعد تقدير، من شبه جزيرة أفونغي، في مقاطعة كابو ديلغادو، شمال موزامبيق. وتعتبر شبه الجزيرة هذه "حصناً منيعاً"، لأعمال المشروع الضخم التي تديره شركة "توتال" الفرنسية في المنطقة، لتسييل الغاز الطبيعي، والذي تقدر تكلفته بـ20 مليار دولار، ويتوقع أن يبدأ الإنتاج فيه في عام 2024. واضطرت الشركة إلى إجلاء موظفيها من المنطقة، إلى العاصمة المحلية بيمبا. وتنشط في المنطقة، للمفارقة أيضاً، العديد من شركات الأمن الخاصة، الدولية والأفريقية، لكنها جميعها لم تتمكن من رصد تحضر مسلحي "أهل السنة والجماعة" للهجوم على مدينة بالما الاستراتيجية، على ساحل المحيط الهندي.

هؤلاء المسلحون كان قد تسلّل بعضهم إلى المدينة قبل فترة قصيرة، وتغلغلوا بين سكّانها، قبل بدء هجومهم على بالما يوم الأربعاء الماضي، بمختلف الأسلحة، مخلفين مجزرة كبيرة، راح ضحيتها العشرات من قتلى ومفقودين، بالإضافة إلى هروب حوالي 35 ألف من سكانها المقدر عددهم بـ75 ألف نسمة، بحراً أو سيراً على الأقدام. وترك القتال العنيف في المدينة جثثاً مقطعة رؤوسها في الشوارع، فيما تواصلت المعارك بين القوات الحكومية والمسلحين حتى أول من أمس الإثنين، وبشكل متقطع يوم أمس الثلاثاء.

ويبقى الوضع ضبابياً في بالما، إثر إعلان تنظيم "داعش" مساء الإثنين سيطرته عليها. وذكر "داعش" في بيان، نشرته حسابات "جهادية" على تطبيق "تلغرام"، أن "جنود الخلافة شنّوا هجوماً واسعاً" الأربعاء الماضي على المدينة، حيث "استمرت الاشتباكات ثلاثة أيام، استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وتمّت مهاجمة ثكنات عسكرية ومقرات حكومية". وأسفر الهجوم، وفق البيان، عن "السيطرة على المدينة بما فيها، بعد قتل" العشرات من "الجيش الموزامبيقي والنصارى وبينهم رعايا دول صليبية، وإصابة العشرات"، عدا عن "السيطرة على مبان ومصانع وشركات وبنوك حكومية". ولاحقاً، نشر "داعش" عبر وكالة "أعماق"، شريط فيديو، يظهر فيه حوالي مائة مسلّح من مقاتليه، معظمهم من الشبّان، وقد عصبوا رؤوسهم بمناديل حمراء أو بكوفيات، مرتدين أزياء عسكرية أو ملابس مدنية. وأكد خبراء، لوكالة "فرانس برس"، أن الشريط صُوّر في موكيمبوا دي بريا، وهو ميناء آخر في المنطقة استولى عليه المتطرفون، من دون أن يتمكنوا من تحديد تاريخ التصوير.

وكان مقاتلو "أهل السنة والجماعة" قد أحكموا سيطرتهم على موكيمبوا دي بريا، في منطقة كابو ديلغابو، العام الماضي، بعد نشاط متزايد لهم منذ عام 2017، وموالاتهم "داعش" في 2019، ما استدعى من القوات الحكومية شنّ العديد من المعارك ضدهم، وطلبها الدعم من مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية. هكذا، لا يبدو الهجوم في بالما مفاجئاً، إلى الحدّ الذي لا يمكن معه التنبؤ مسبقاً بإمكانية حصوله، وتفادي وقوع مثل تلك المجزرة، وسقوط المدينة بهذه السرعة. فقد أكد ليونيل ديك، مدير "مجموعة ديك للاستشارات" العسكرية الأمنية الخاصة، والتي استعانت بها الشرطة الموزامبيقية أيضاً لمساعدتها في قتال المتمردين، أن "الهجوم لم يكن مفاجئاً"، مضيفاً في تصريح لـ"أسوشييتد برس": "توقعنا اجتياح بالما ما إن تهدأ الأمطار، مع بدء موسم القتال، الآن". هذه الشركات الأمنية الخاصة، للتذكير، متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المنطقة، وقد تعهدت الحكومة الموزامبيقية لـ"توتال" بعدم استخدامها لتأمين مشروع الغاز.

أعلنت البرتغال إرسال 60 جندياً إلى موزامبيق خلال الأسابيع المقبلة

وخلّفت المعارك بين قوات الحكومة والمسلحين من "أهل السنة والجماعة"، خلال السنوات الثلاث الماضية، في كابو ديلغادو، أكثر من ألفي قتيل، وأكثر من 670 ألف نازح، ما جعل المنطقة تعيش أزمة إنسانية شديدة الخطورة. في الوقت ذاته، تعول الحكومة على مشروع "توتال" لاستخراج الغاز، إذ إن معظم مشروعاتها الاقتصادية تعتمد على مردوده. لكن المقاتلين، الذين يعرفون محلياً باسم "الشباب"، كانوا قد طوّروا وسائل قتالهم، منذ أعوام. وبعدما كانوا يعدون بضع عشرات قبل عقدين، عندما تأسسوا على يد الشيخ الكيني "روغو"، في عام 2008، أصبحوا اليوم بحدود الـ800 مقاتل، بحسب تقديرات خبراء، إذ ركزوا وجودهم في شمال موزامبيق، وبنوا علاقات متينة مع السكّان في كابو ديلغادو، مستغلين ارتفاع نسبة الفقر لدى قبيلة "كيمواني" المسلمة.

وفي عام 2017، بدأ المسلحون يشنون هجمات على موكيمبوا دي بريا. ومنذ إعلان ارتباطهم بـ"داعش"، أصبحت أساليب قتالهم أكثر دموية وعنفاً، وشاركوا خلال عام 2020 في أكثر من 400 حادث أمني، أي أكثر من ضعف العدد الذي رصد لهم في عام 2019. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، هاجم مقاتلو "أهل السنة والجماعة" قرية صغيرة بالقرب من بالما، ما اضطر شركة "توتال" إلى إجلاء موظفيها لوقت قصير من المنطقة. ووضعت الولايات المتحدة في وقت سابق من شهر مارس/ آذار الحالي، هذه الجماعة على لائحتها للإرهاب، معلنة إرسال خبراء عسكريين لتدريب الجيش الموزامبيقي. وصنّفت وزارة الخارجية الأميركية زعيم الجماعة، التي قالت إن اسمه أبو ياسر حسن، ضمن الإرهابيين الدوليين المطلوبين، إلا أنه بحسب تقارير عدة، فإن لا قائد معروفاً وواحداً لهذه الجماعة.

ومن دون سيطرة الحكومة على بالما، يصعب على شركة "توتال" الفرنسية استكمال مشروعها. لكن الغيث الأول جاء من الدولة المستعمِرة السابقة لهذا البلد الأفريقي لقرون طويلة، البرتغال، إذ أعلن وزير خارجيتها أوغوستو سانتوس سيلفا، أول من أمس، أن بلاده قرّرت إرسال 60 جندياً إلى موزامبيق خلال الأسابيع المقبلة، موضحاً أن هؤلاء الجنود "سيدعمون الجيش الموزامبيقي عبر تدريب قوات خاصة". كذلك أكدت الولايات المتحدة "التزامها العمل بشكل مشترك مع حكومة موزامبيق" لمكافحة الإرهاب وهزيمة "داعش". كما صدرت إدانة أممية عن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دو جاريك، لموجة العنف الجديدة، مشيراً خصوصاً إلى مقتل عدد من المواطنين من الذين علقوا في فندق "أمارولا" قبل تمكنهم من الهروب.

وبالإضافة إلى الأزمة الإنسانية الكارثية التي تخلفها سيطرة المتطرفين على بالما، وتمددهم في شمال موزامبيق الذي قد يصبح منطقة معزولة، والتأثير الاقتصادي لذلك على هذا البلد، الذي يعد من أفقر دول العالم، لا سيما مع تعرض مشروع "توتال" لنكسة قوية (كانت "إكسون موبايل" قد أجلّت إعلانها النهائي عن الاستثمار في المنطقة)، تبدو مخاطر تمدد الإرهاب في المنطقة جلية، بعد منطقة الساحل والقرن الأفريقي، وفي مناطق أخرى يتنافس فيها "داعش" مع تنظيم "القاعدة، إذ يبدو استقطاب المتطرفين للشباب، الذين يتلقفون أيديولوجيتهم المتشددة، كبيراً. وفي شمال موزامبيق، الغنية ليس فقط بالغاز، بل بالمعادن الثمينة أيضاً، والتي لا يستفيد منها السكان المحليون، تعد كابو ديلغادو، غنيمة قوية للمسلحين، حيث ينشط أيضاً تهريب المخدرات والخشب، مع ما يستتبع ذلك من الحصول أيضاً على ممر إضافي لتهريب السلاح، والعمل بأريحية أكثر للتوسع إلى جنوب أفريقيا.

وسط ذلك، تبدو التساؤلات الأكثر إلحاحاً، حول إمكانية تدخل عسكري دولي، للدول الكبرى، فيما بعضها، كفرنسا، يزداد تورطاً بعمليات عسكرية لـ"محاربة الإرهاب"، في أفريقيا، لم تنته منذ سنوات، ووسط تراجع أميركي في المنطقة، قد تسعى دول أخرى، كروسيا، إلى ملء فراغه. كما أن التساؤلات تدور أيضاً حول كيفية معالجة السلطة في موزامبيق، والرئيس فيليبي نيوسي، الأزمة، مع استدعاء دول غربية، أو طلب دعم دول أخرى من جنوب أفريقيا، مع ما يثيره ذلك من علامات استفهام حول فشل سياسات مكافحة الإرهاب في المنطقة منذ سنوات، وخصوصاً في دول عرفت حروباً الأهلية لعقود، وفقراً مدقعاً، على غرار موزامبيق.
(العربي الجديد، فرانس برس، أسوشييتد برس)

المساهمون