لا تبدو قوات النظام السوري حتى الآن جادة في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والذي توسّعت طموحاته من حقل الشاعر للغاز والنفط، الواقع شمالي مدينة تدمر في ريف حمص الشمالي، إلى قرية جحار، حيث ثاني حقل للغاز في سورية، انتهاء بالهجوم على مطار التيفور العسكري، على الرغم من إرسالها أخيراً تعزيزات عسكريّة من الفرقة 18 للانتشار على الطريق العام حمص - تدمر.
وبخلاف حقلي الشاعر وجحّار، فإنّه من غير المتوقّع أن تمتد مطامع التنظيم للسيطرة على المطار العسكري، مع أنّ الأنباء تحدّثت عن هجوم بعمليّة تفخيخ استهدفت الباب الرئيس، وسط قصف بعدد من الصواريخ والقذائف، لكنّ من المستبعد أن يكون المطار العسكري، الواقع على بعد 85 كليومتراً من ريف حمص الشرقي، و25 كيلومتراً من حقل الغاز، الهدف الرئيس لـ"داعش"، نظراً لكونه يقع في بادية تمتدّ على مساحات صحراويّة شاسعة، وقوّة تحصين من خلال تمركز عدد من القطع العسكرية للنظام في محيطه.
ويُعدّ التيفور من أكبر المطارات العسكريّة في سورية، ويمتلك قاعدة جويّة عسكريّة ضخمة، كما يحتوي على 54 هنغاراً إسمنتياً، وطائرات حديثة من طراز "ميغ 29" و"ميغ 27"، و"سوخوي 35"، وله مدرج رئيس وآخر فرعي بطول 3,2 كليومترات، ويؤوي عشرات الآليات العسكريّة والدبّابات من طراز "تي 82"، وسرباً احتياطيّاً مؤلّفاً من 24 طائرة جاهزة للتحليق الفوري من المدرج الاحتياطي الفرعي.
وانطلاقاً من كون المطار "قوّة لا يُستهان بها"، فمن غير المتوقّع أن يدخل التنظيم في معركة كبرى، قد لا تدرّ عليه المكاسب التي يطمح إليها في هذا الوقت، كما في حال سيطرته على الحقول النفطيّة، والتي لم تستغرق أكثر من أسبوع، في حين أنّ معركة السيطرة على المطار قد تمتدّ لأشهر.
ويهدف التنظيم من خلال سيطرته على الحقول النفطيّة، إلى ضمان العامل الاقتصادي، في ظلّ أعداد المقاتلين المتزايدة والمنضمّة إلى صفوفه، فضلاً عن زيادة ثروته. وفي سياق متّصل، يشير تقرير شركة استشارات الطاقة الدوليّة إلى أنّ التنظيم يحقّق مكاسب ماليّة، تُقدّر بمليوني دولار يومياً من بيع النفط العراقي والسوري بطرق غير مشروعة، وتصل إيراداته من بيع النفط إلى 800 مليون دولار سنوياً، ولن يكون لـ"داعش" مشكلة في تصريف إيرادات الحقلين، في ظلّ الحدود المفتوحة والممتدّة حتى محيط العاصمة العراقيّة بغداد.
ويظهر سير المعارك، أنّ "داعش" صرف النظر عن معارك السيطرة على المطارات حالياً، إذ كان متجهاً للسيطرة على مطار دير الزور العسكري، شرقي البلاد، ومطار كويرس في ريف حلب الشرقي، قبل أن يغيّر مسار المعارك باتجاه مدينة عين العرب. وليس مستبعداً أن يأتي فتح جبهة جديدة الآن باتجاه ريف حمص الشرقي، لصرف الأنظار قليلاً عن مدينة عين العرب، في ظلّ الحشد الدولي، ودخول مقاتلين من البشمركة و"الجيش الحر" إليها أخيراً، وهو ما أحدث تطوراً نوعياً، إثر استخدام قوات البشمركة صواريخ بعيدة المدى، مكّنتها من قصف قواعد للتنظيم في قرى تبعد نحو ستة كيلومترات، شرقي المدينة، للمرّة الأولى، منذ اندلاع المواجهات في عين العرب قبل نحو ستّة أسابيع.
في المقابل، فإنّ رحى المعارك لم تظهر من جانب قوات النظام ضد مقاتلي "داعش"، إذ إنّه في المرّة الأولى التي سيطر فيها التنظيم على حقل الشاعر، استمرت المعارك لنحو أربعة أيام متواصلة، قتل فيها أكثر من 270 جندياً لقوات النظام، ونحو 40 عنصراً من التنظيم.
وظلّ جيش النظام يشنّ هجمات معاكسة، حتى تمكّن بعد نحو أسبوع من استعادة السيطرة الكاملة على جبل وحقل الشاعر وطرد التنظيم إلى خارج هذه المناطق، في ظلّ استماتة من الجانبين، بينما تمكن مقاتلو "داعش" في المرة الثانية من السيطرة على الحقل الذي يضم ثلاثة آبار نفط وغاز، بعدما تمكّن بادئ الأمر، من ضمان بئري 107 و111، ليستولي لاحقاً على البئر 106، ومن ثم السيطرة على قرية جحّار، حيث يوجد ثاني حقل للغاز في سورية، ويُعتبر من أكبر وأغزر الحقول.
ويؤكّد موقع "سايت"، المواكب لمواقع الحركات الجهاديّة، أنّ التنظيم نشر على الانترنت 18 صورة على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر فيها راية "الدولة الإسلاميّة" مرفوعة على حقل جحّار للغاز، إلى جانب عدد من العربات وأسلحة تمكّن المقاتلون من الاستيلاء عليها. كما تجزم مصادر متطابقة، مقرّبة من تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، بتقدّمه في منطقة جزل في بادية حمص، والتي تحتوي على حقول غاز يصل إنتاجها اليومي إلى أكثر من 4 ملايين متر مكعب من الغاز النظيف يومياً، وشركة مهر لضخّ الغاز، وقرابة تسعة حواجز مدعومة بالعتاد الثقيل.
وتشير المصادر كذلك، إلى سيطرة التنظيم على طريق تدمر التياس، ليقطع طرق إمداد النظام، في حين تقتصر ردود فعل قوات النظام حتى الآن على استقدام تعزيزات عسكريّة، مؤلّفة من دبّابات ومجنزرات ومدافع ثقيلة من الفرقة 18 المجاورة لمطار التيفور العسكري، ونشرها على طريق عام حمص تدمر، من منطقة التياس حتى منطقة الدورة الزراعيّة بالقرب من مدينة تدمر.
ويكتفي النظام، عبر وسائله الرسميّة، بالإشارة إلى أنّ "المنظومة الكهربائيّة تعاني في الأيام الأخيرة، من عدم الاستقرار وزيادة في ساعات تقنين الكهرباء في جميع المحافظات والمناطق بسبب الاعتداءات المتكرّرة، التي طالت أخيراً حقول وأنابيب الغاز، عصب توليد الطاقة الكهربائيّة، فضلاً عن الاعتداءات والتخريب الذي يطال محطات توليد وتحويل الكهرباء"، من دون أي إشارة إلى طرد مقاتلي "داعش" للقوات النظامية من مواقع نفطيّة عدة في ريف حمص الشرقي.
ويبدو أنّ قوات النظام كانت تحاول من خلال تكثيفها القصف الجوي على معاقل "داعش" في ريف حماه الشرقي، الحدّ من توسّعه في المنطقة، بعد أن بات يسيطر على مناطق صحراويّة واسعة هناك، معززاً تواجده بسيطرته على قرى رسم الغجية والمزاريع والزعبة وأم توينة، ليبسط بذلك سيطرته على جنوب أوتوستراد الرقّة، وصولاً إلى مشارف المبعوجة في ريف حماه الشرقي.
وكان التنظيم قد شنّ أخيراً هجوماً على عدّة حواجز للنظام قرب مدينة السلمية، وسيطر على حاجز الدلاك، شرقي المدينة، والذي كانت قوات النظام تمنع من خلاله، إدخال المواد الإغاثيّة إلى مناطق الريف الشرقي لحماه.
وفي ظلّ ضربات التحالف الدولي، اتّبع التنظيم استراتيجيّة تقوم على تغيير أماكن سكن المقاتلين ومواقعهم العسكريّة، وتواجدهم بشكل مجموعات صغيرة، وتغيير مواقع قياداته في قرية قسطل إلى مكان غير معلوم، وإخفاء أسماء الكثير من قياداته. وحدث ذلك كلّه قبل أن تفاجئه قوات النظام، المكتفية بالقصف الجوي والبري، بشنّ هجوم هو الثاني من نوعه خلال أربعة أشهر على حقل الشاعر، لكنّ دخول التنظيم هذه المرّة، يحمل في طيّاته أهدافاً أكبر، مع اتساع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها، وازدياد قوّته في ريف حماه الشرقي، والحفاظ على طرق إمداده نحو محافظة الرقّة. ويكفي أن يسيطر سيطرة شبه مطلقة على حقول النفط والغاز في سورية، لينذر بكارثة هي الأسوأ حتى الآن، سيكتوي بنارها كل من قوات النظام والمعارضة في آن معاً.