في ظل تحذيرات دولية من وقوع كارثة في حال مضى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو اجتياح رفح الحدودية مع مصر، والتي يتكدس بها قرابة المليون ونصف المليون نازح فلسطيني، وإصراره هو ووزير دفاعه يوآف غالانت، على القيام بعملية عسكرية واسعة في المنطقة، تنتظر القاهرة وصول كبير مستشاري الرئيس الأميركي، جو بايدن، بريت ماكغورك، إلى مصر.
وكانت القناة 13 الإسرائيلية ذكرت، أمس الأول الأحد، أنه من المتوقع أن يصل ماكغورك إلى المنطقة، خلال الأيام المقبلة. وأوضحت أن "المحادثات في مصر ستتركز على ملفين أساسيين: قضية رفح، والتحرك (العسكري الإسرائيلي) المحتمل في المدينة الواقعة جنوبي قطاع غزة". ووضعت القناة الزيارة على خلفية رفض حكومة نتنياهو، إرسال وفد آخر للمشاركة في محادثات القاهرة، وتصاعد المخاوف من اجتياح رفح.
نتنياهو يتمسك بقراره اجتياح رفح
في هذا الإطار، أكد دبلوماسيون غربيون بالقاهرة، "فشل محاولات واتصالات جرت على مدار الأيام القليلة الماضية، في إثناء نتنياهو عن خططه، التي من شأنها أن تفجر المنطقة".
سيبحث ماكغورك في القاهرة ملف التحرك الإسرائيلي المحتمل في رفح
وقالت دبلوماسية أوروبية، مطلعة على جهود بلادها بشأن الوضع في قطاع غزة، إنه "كانت هناك جهود جادة من جانب عدد من الدول ذات الثقل في الاتحاد الأوروبي، لكنها فشلت أمام عناد رئيس حكومة الاحتلال، الذي أكد خلال الأيام الماضية، المضي قدماً في خطته التي يقول إنها تهدف لشل قدرات حركة حماس ومنعها من مهاجمة إسرائيل مجدداً".
تقرير إسرائيلي حول "خلل" في إدارة مصر للمنطقة الحدودية
وكشفت الدبلوماسية الأوروبية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل "أعدت تقريراً أطلعت عليه واشنطن وعددا من العواصم الأوروبية، تؤكد فيه أن إدارة مصر للمنطقة الحدودية بين سيناء وقطاع غزة، كان يشوبها الخلل طوال الفترة الماضية، بشكل سمح لحركة حماس بتكوين ترسانة عسكرية كبيرة مكنتها لاحقاً مما فعلته في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
وأوضحت أن "التقرير الذي أعدته الحكومة الإسرائيلية، وتقول إنه قائم على معلومات، لم يتضمن أدلة واضحة تؤكد رواية تل أبيب، لكنه تضمن اتهامات بوجود ثغرات في الإدارة المصرية للحدود، زاعمة أن تلك الثغرات لا تزال قائمة، وهو ما يستوجب القيام بعملية عسكرية واسعة في رفح، وكذلك في منطقة محور فيلادلفيا الموازي للحدود المصرية مع غزة".
ورجحت الدبلوماسية الأوروبية أن يكون "التحول النسبي في موقف إدارة بايدن، من الرفض القاطع للعملية العسكرية في رفح إلى السماح بها شريطة تقديم إسرائيل خطة واضحة ومحسوبة جيداً، تضمن عدم سقوط أعداد كبيرة من النازحين في المنطقة، إلى ذلك التقرير الذي روجته حكومة نتنياهو أخيراً".
وقالت إنه "رغم ما أوردته تل أبيب في التقرير بشأن الوضع على الحدود المصرية مع غزة، إلا أنها لم تتهم الإدارة المصرية بتعمد تقديم الأسلحة لحماس، لكنها أشارت لكون ذلك الخلل، ربما يعود إلى الإهمال والقصور البشري في أداء مهام تأمين الحدود".
وأشارت الدبلوماسية الأوروبية إلى أن "التقرير الإسرائيلي، الذي تم إطلاع بعض العواصم الأوروبية عليه أخيراً، بعدما طالبت حكومة نتنياهو بالتراجع عن اجتياح رفح يشير إلى أن القاهرة، لم تعبر لتل أبيب عن مخاوف خلال الاجتماعات الأمنية أخيراً، وعن رفض لعمليات عسكرية في محور فيلادلفيا، كون ذلك يتعارض مع اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين، لكنها أبدت مخاوف من تسبب ذلك في توافد النازحين إلى أراضيها، وهو ما قدمت إسرائيل تطمينات بشأن عدم حدوثه".
وبحسب الدبلوماسيين الغربيين بالقاهرة فقد أشارت الحكومة الإسرائيلية في التقرير إلى أنها "سبق وقدمت دعماً عسكرياً وأمنياً واستخبارياً لمصر، أثناء مواجهتها مع عناصر تنظيم داعش في سيناء، خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يتعارض مع ما يتم الترويج له بشأن رفض أية أعمال عسكرية في محور فيلادلفيا".
مصر تملك منطقة عازلة على حدودها مع غزة
وكان ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، التي تتبع رئاسة الجمهورية، قال تعليقاً على ما تداولته بعض وسائل الإعلام الدولية لما يوصف ببدء مصر إنشاء جدار عازل على حدودها مع قطاع غزة، أخيراً، إن "لدى مصر بالفعل، ومنذ فترة طويلة قبل اندلاع الأزمة الحالية، منطقة عازلة وأسوارا في هذه المنطقة، وهي الإجراءات والتدابير التي تتخذها أية دولة في العالم للحفاظ على أمن حدودها وسيادتها على أراضيها".
وكان رشوان وصف، في بيان سابق، تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، أشاروا فيها لوجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها من الأراضي المصرية إلى قطاع غزة، بأنها "مزاعم وادعاءات باطلة".
دبلوماسي أوروبي: هناك مخاوف حقيقية من اتساع الصراع في الشرق الأوسط
وقال دبلوماسي أوروبي آخر، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده "كانت حريصة على الاستماع للمسؤولين المصريين مؤخراً بشأن ما أثير في وسائل الإعلام، سواء المصرية أو الدولية، في ما يخص اتفاقية السلام مع إسرائيل ومستقبلها".
وأضاف: "تلقينا ردوداً قاطعة في هذا السياق، تشير إلى تمسك مصر بالاتفاقية، بل والتأكيد على دورها كوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنها تريد أن تضمن عدم تعرض أمنها لمخاطر لن يكون بمقدورها مواجهتها في الوقت الحالي نظراً للأزمة الاقتصادية التي تواجهها".
وبحسب الدبلوماسي فإن "مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى، أكد أن اتفاقية السلام مع إسرائيل، خارج نطاق أي تصعيد أو تباين بين الجانبين، إذ أكد في الوقت نفسه على حجم التنسيق بين القاهرة وتل أبيب، ورعاية مصر للوساطة من أجل التوصل لاتفاق يقضي بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، ويوقف إطلاق النار، ويعمل على معالجة جذور الأزمة، حتى لا تتعرض المنطقة لخطر أكبر".
مخاوف من اتساع الصراع في الشرق الأوسط
في المقابل، أكد دبلوماسي أوروبي ثالث أن "هناك مخاوف حقيقية من اتساع الصراع في الشرق الأوسط". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك المخاوف، باتت تمثل دافعاً لرفض مزيد من الإجراءات العسكرية من جانب إسرائيل، خاصة ما نراه غير مبرر أو يمكن الاستعاضة عنه بإجراءات بديلة".
وأضاف أن "المخاوف الأوروبية في الوقت الحالي، ترجع لكون استمرار أمد الصراع أكثر من ذلك، ومع دخول شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الثاني من شهر مارس/آذار المقبل) الذي له طابع خاص في العالم الإسلامي والعربي، قد يجعل المصالح الأوروبية أهدافاً واضحة للتخريب من جانب الغاضبين".
وتابع: "كذلك الوضع في البحر الأحمر قد ينزلق إلى غلق الممر التجاري الأهم بشكل كامل" مشدداً على أن "التقديرات الأوروبية، ترى في هذا السياق، أن اندلاع حرب واسعة على الجبهة اللبنانية لم يعد أمراً بعيد الحدوث".
وقال الدبلوماسي الأوروبي إن "حدوث عمليات قتل واسعة في رفح، حال نفذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية كبيرة هناك، قد يكون بمثابة إشارة بدء انفجار الوضع على صعيد الجبهة مع حزب الله، وكذلك في البحر الأحمر من جانب الحوثيين". وأشار، في الوقت ذاته، إلى "مخاوف أوروبية من كون اتساع الصراع واستمرار الأزمة، يسمح باتساع دور ونفوذ روسيا في الشرق الأوسط".
وأوضح أن الأيام الأخيرة "شهدت مشاورات أوروبية أميركية بشأن ضرورة الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية، لإثنائه عن اجتياح رفح أو تنفيذ عمل عسكري واسع النطاق يطيل أمد الصراع". وكشف أن "الإدارة الأميركية، أطلعت الأوروبيين، على إجراءات قالت إن من شأنها أن تضمن فرض قيود على الأعمال العسكرية ضد المدنيين في غزة، كما فعلت ضد قيادات للمستوطنين في الضفة".
وكشف الدبلوماسي الأوروبي أن الإدارة الأميركية "أعدت تقريراً بعدة وقائع، صورتها عدسات الكاميرات أخيراً في الحرب المندلعة في غزة وأثارت الرأي العام العالمي، وطلبت من الحكومة الإسرائيلية تقديم ردود واضحة بشأنها خلال 40 يوماً، مع إبداء استعدادها لإقرار عقوبات على الجنود المتورطين فيها وقادتهم".