يحاول النظام السوري ترويج التطورات الأخيرة في درعا، جنوبي البلاد، كانتصار لسياسته و"حكمته"، فيما تروج وسائل إعلامه لبدء صفحة جديدة مع المحافظة التي انطلقت منها شرارة الثورة قبل أكثر من 10 سنوات، وسط تخوفات من أبناء المحافظة من النوايا الحقيقية للنظام تجاههم.
ويتخوف أبناء محافظة درعا، خاصة أولئك الذين وقعوا اتفاقات تسوية، ومن ضمنهم المتخلفون عن الخدمة العسكرية أو المنشقون عن قوات النظام، من احتمالية الانتقام منهم، كما حصل مع زملاء لهم عاشوا تجارب مماثلة سابقًأ.
وفي إطار سعيه إلى التقرّب الدعائي من المحافظة، زار وفد برئاسة حسين عرنوس، رئيس الوزراء لدى النظام السوري، أمس الخميس، محافظة درعا من أجل "الاطلاع على احتياجات المحافظة الخدمية والتنموية، والبدء بخطة لتحسين مستوى الخدمات، وتعزيز التنمية في مختلف القطاعات، وذلك بعد إنجاز التسويات في عدد من مناطق المحافظة"، وفق وكالة أنباء النظام "سانا".
وأضافت الوكالة أن الوفد التقى "الفعاليات الشعبية والنقابات المهنية وأعضاء مجلس الشعب عن المحافظة، وأعضاء مجلس المحافظة، ومديري المؤسسات الخدمية، ورؤساء مجالس المدن"، موضحاً أن "الحكومة تحرص على إعادة تأهيل المرافق الخدمية المتضررة جراء الإرهاب، والبدء بخطة تنموية تشمل مختلف القطاعات بخطوات مدروسة وبرنامج زمني محدد، وفق الإمكانات المتاحة".
ووافق عرنوس على إضافة 3 مليارات ليرة إلى الاعتمادات المخصصة للمحافظة في موازنة 2022، كما وافق على تخصيص مليار ونصف المليار ليرة للوحدات الإدارية لتحسين الخدمات حتى نهاية العام الجاري.
وطلب عرنوس من مديري المؤسسات الخدمية استكمال تنفيذ مشروعات "قيد التنفيذ" المدرجة في خطة العام الحالي. في المقابل، طالبت الفعاليات المحلية التي التقاها عرنوس بزيادة مخصصات المحافظة من المشتقات النفطية، وخاصة المازوت الزراعي، وتحسين واقع الخدمات، وترميم المدارس المتضررة، وإيلاء الجانب التربوي والتعليمي المزيد من الاهتمام، ودراسة إمكانية إحداث جامعة، وتزويد المشافي بحاجتها من الأدوية والتجهيزات الطبية، ودعم قطاع النظافة بالآليات.
واختتم الوفد جولته بزيارة معبر نصيب الحدودي، حيث اطلع على "أعمال تأهيل المباني الإدارية والمركز الصحي ومركز الجمارك والسوق الحرة"، فيما قال عرنوس إنه "يجرى العمل على إعادة معبر نصيب كما كان قبل الحرب في سورية مع نهاية الشهر الأول من العام المقبل".
وخلافاً لهذه الأجواء "الاحتفالية" التي يشيعها النظام ووسائل إعلامه، فإن أبناء المحافظة، التي عانت من إهمال خدامتي متعمد طيلة السنوات الماضية، يترقبون بتوجّس سلوك النظام في المحافظة خلال الفترة المقبلة، خاصة على صعيد التعامل الأمني مع المواطنين، وسط تساؤلات حول مصير سياسية الاعتقالات والاغتيالات التي دأبت على تنفيذها أجهزة أمن النظام خلال السنوات الماضية، إضافة إلى تساؤلات أخرى حول مصير المعتقلين لدى النظام، إذ من المفترض أن يكون مصيرهم مرتبطاً بالتسويات التي حصلت، إلا أن النظام رفض الالتزام بأي تعهدات بشأنهم.
وتتزايد المخاوف مع بدء سريان المهلة التي حددتها اللجنة الأمنية في محافظة درعا، خلال عمليات التسوية الأخيرة، والمحددة بثلاثة أشهر بالنسبة للمنشقين عن قوات النظام قبل التحاقهم بالخدمة العسكرية.
وأعطت اللجنة للمنشقين وعوداً بعدم الملاحقة الأمنية بموجب أوراق التسوية التي يحملونها، كما لن يتعرضوا للمساءلة والاعتقال في حال التحاقهم بالخدمة العسكرية قبل انتهاء تلك المدة، وهي ذات الوعود التي أطلقتها النظام السوري خلال تسوية 2018، لكنه لم يف بها.
وعبّر أحد المنشقين عن قوات النظام الموقعين على التسوية، في تصريحات لموقع "تجمع أحرار حوران"، عن خوفه على مصيره في حال التحق بقوات النظام، خاصة مع عدم وجود ضامن للوعود التي أعطيت لهم، إضافة إلى تنصل اللجان المركزية والوجهاء من الإجابة عن أسئلتهم والاكتفاء بإعادة طرح وعود النظام التي لم لا يثق بها أحد.
وأوضح أنه خلال التسوية سُئل عن "أسباب فراره من خدمته العسكرية، وفيما إذا انضم لفصائل المعارضة خلال سيطرتها على المحافظة، وما هي المعارك التي شارك بها ضد جيش النظام"، مؤكداً أنه لا ينوي الالتحاق بالخدمة العسكرية لدى النظام، لأنه لا يثق به ولا بوعوده، فيما يتخوّف من اعتقاله كما حصل مع الكثير من الضباط والمجندين المنشقين منذ عام 2018 عند إجراء عملية التسوية، مشيراً إلى أن الكثير من الذين التحقوا بالخدمة جرى اعتقالهم وإخفاء مصيرهم، كما قضى عددٌ منهم تحت التعذيب.
من جهة أخرى، رأى منشق آخر من غرب درعا أن لا خيار لديه سوى الالتحاق بالخدمة على الرغم من عدم اقتناعه بهذه الخطوة، خاصة بعد خضوع المنطقة لسيطرة الأفرع الأمنية الضالعة في عمليات الاغتيال، ولا سيما أن هذه العمليات تنفذ بالتواطؤ مع عدد من أبناء المحافظة، مرجحاً تصفية كل عسكري منشق غير ملتحق بالخدمة بحلول نهاية المهلة المتفق عليها.
وكان مئات المنشقّين قد سلّموا أنفسهم لقوات النظام عقب سيطرتها على محافظة درعا في مطلع أغسطس/ آب 2018، وذلك بعد صدور مرسومي عفو عن المنشقّين، لكنّ النظام لم يلتزم بهذا المرسوم، واعتقل أكثر من 300 منشق ممن سلّموا أنفسهم، وزجّ بهم في سجونه.
وسجل مكتب توثيق الانتهاكات في "تجمع أحرار حوران" وفاة 37 شخصاً من المنشقين من أبناء محافظة درعا تحت التعذيب في معتقلات النظام منذ سيطرة النظام على المحافظة.
ومع انسحاب معظم مجموعات "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام من المنطقة الغربية في درعا، طلبت الفرقة من العاملين في الكتائب العسكرية المحلية من أبناء المنطقة الغربية الالتحاق بمقرات الفوج في العاصمة دمشق، الأمر الذي رفضه غالبيتهم، معتبرين ذلك نقضاً لاتفاقية التسوية والمصالحة التي تمت عام 2018، والتي قضت بأن تؤدي هذه المجموعات المحلية المنخرطة ضمن "الفرقة الرابعة" مهامها ضمن محافظة درعا دون مغادرتها لمحافظات أخرى.
ويشير الناشط محمد الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "العشرات من هؤلاء المقاتلين يعيشون اليوم في حالة ضياع ولا يعرفون ماذا ينتظرهم، حيث لا يستطيعون التحرك خارج المنطقة رغم إجرائهم التسويات وتسليم أسلحتهم، وذلك خشية أن يتم اعتقالهم على الحواجز والنقاط العسكرية التابعة لقوات النظام والأجهزة الأمنية"، فيما يسعى البعض منهم إلى مغادرة المنطقة عبر طرق التهريب باتجاه الشمال السوري، ومنه إلى تركيا، أو باتجاه لبنان ومنها إلى دول أخرى، أو إلى ليبيا أو إلى أي دولة أخرى، خوفاً من اعتقالهم أو إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية خارج محافظتهم، والزج بهم في جبهات القتال.