يخيّم الترقّب الحذر على الأجواء في الجنوب السوري، بعد الاشتباكات الدامية التي وقعت بين مسلحين من محافظة السويداء، وآخرين من بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، في ظلّ تبادل اتهامات بين الطرفين عن المسؤولية في تفجر الموقف بين المحافظتين الجارتين، والذي ينذر باتساع قد يفضي إلى السيناريو الأسوأ الذي حاول الأهالي تفاديه طيلة سنوات الصراع.
وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن قوات "اللواء الثامن" الذي يقوده القيادي السابق في "الجيش السوري الحر"، أحمد العودة، والتابع لما يسمّى بـ"الفيلق الخامس" الذي تشرف عليه روسيا، تقدّمت في أراضٍ داخل بلدة القريّا التابعة لمحافظة السويداء بعد تفجر الصراع يوم الثلاثاء الماضي. وأقامت هذه القوات، بحسب المصادر، متاريس عند المدجنة التي تبعد عن تخوم البلدة نحو ألف متر، ونصبت أسلحة متوسطة عند هذه المتاريس، منها "هاون" و"دوشكا"، لافتة إلى أن مليشيا "الدفاع الوطني" في بلدة القريّا تعيش حالة استنفار. وأكدت المصادر أنه "لم يحصل إطلاق نار بين الطرفين" حتى عصر أمس الخميس، لكن "الوضع متأزم، وجرى إجلاء نسبة كبيرة من الأطفال والنساء من البلدة، تحسباً لأي عمل عسكري مقبل". وأشارت المصادر إلى وجود ضغط من الجانب الروسي على العودة من أجل سحب قواته من القريّا بهدف التوصل إلى حلول سلمية، موضحة أن "الشيخ الروحي للدروز في فلسطين موفق طريف يقود جهود الوساطة مع الجانب الروسي لتفادي السيناريوهات الأسوأ".
تقدّمت قوات "اللواء الثامن" في أراضٍ داخل بلدة القريّا التابعة لمحافظة السويداء بعد تفجر الصراع
وأكدت المصادر أن أهالي السويداء "يحمّلون قوات النظام المسؤولية بسبب تقاعسها عن حماية المحافظة، على الرغم من الوعود المتكررة من مسؤولين كبار في النظام"، لافتة إلى أنه "لم تكن هناك مساندة من قبل قوات النظام والمليشيات الرديفة لها، وخصوصاً مليشيا الحزب القومي السوري". وتحدثت المصادر عن وجود "حالة احتقان شعبي كبيرة في السويداء"، موضحة أن الأهالي رفضوا مشاركة ممثلي النظام في تشييع قتلى الاشتباكات. كما أشارت إلى مشاركة "حركة رجال الكرامة"، أبرز الفصائل المحلية في محافظة السويداء، في الاشتباكات "دعماً للشباب في بلدة القريّا لاستعادة أراضيهم التي استولى عليها عناصر أحمد العودة"، مضيفة أن الأخير "استخدم الصواريخ، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المسلحين المدافعين عن البلدة".
وكانت مليشيا "الدفاع الوطني" ومليشيات أخرى، منها "رجال الكرامة"، شنّت فجر الثلاثاء الماضي، هجوماً على نقاط عسكرية متقدمة عدة لـ"اللواء الثامن" غربي بلدة القريّا جنوب السويداء، من الجهة الشرقية لمدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي. واستمرت المواجهات طيلة يوم الثلاثاء، وأسفرت عن مقتل نحو 15 مسلحاً، وإصابة العشرات من المهاجمين، في حين قُتل مسلح واحد من قوات العودة الذي يُنظر إليه باعتباره "رجل روسيا" في محافظة درعا. وجاءت الاشتباكات بعد احتقان بين المحافظتين، اللتين شهدتا خلال العام الحالي حالات خطف متبادلة، دفعت الأوضاع مراراً إلى حافة الانفجار.
وحمّل العميد إبراهيم جباوي، وهو قيادي سابق في فصائل المعارضة السورية في درعا، في حديث مع "العربي الجديد"، مليشيات "الدفاع الوطني" في السويداء مسؤولية ما جرى بين المحافظتين، معرباً عن اعتقاده بأن أجهزة النظام الأمنية والإيرانيين أوعزوا إلى هذه المليشيات بالهجوم على مناطق في ريف درعا الشرقي المتاخم لريف السويداء الغربي "بهدف إثارة الفتنة، وهو هدف دائم للنظام". وأشار جباوي إلى أن "اللواء الثامن" في "الفيلق الخامس" كان بحالة "دفاع عن النفس"، لافتاً إلى أن المهاجمين وصلوا إلى تخوم مدينة بصرى الشام معقل "اللواء الثامن"، مذكراً ببيان أصدره أهالي درعا أول من أمس الأربعاء، ناشدوا فيه العقلاء في محافظة السويداء بـ"وضع حدّ للشبيحة وعناصر الدفاع الوطني".
من جهته، رجّح "تجمع أبناء حوران" أن تتجه الفصائل المحلية في السويداء إلى التصعيد، مشيراً إلى أن النظام السوري و"حزب الله" اللبناني والمليشيات الإيرانية تقدم الدعم العسكري بالأسلحة والعناصر لصالح فصائل السويداء في سبيل تأجيج الصراع بين المحافظتين، وفق "التجمع".
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن النظام السوري لم يحاول على الإطلاق التدخل لتطويق الأحداث بين درعا والسويداء التي لا يزال يفرض سيطرته عليها، بل ربما دفع باتجاه خلق هذا العداء بين الدروز والسنّة لإبقاء الجنوب السوري بحالة توتر. وإثر مرور يوم كامل على الاشتباكات، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن "مصدر رسمي في محافظة السويداء" قوله، إنه "سيتم دراسة القيام بإجراءات من الجيش العربي السوري، لوضع حدّ للاعتداءات التي يقوم بها مسلحو ما يسمى "الفيلق الخامس" ضد أهالي قرية القريّا بريف السويداء". وأشار المصدر إلى "أن منطقة بصرى الشام الواقعة في المنطقة الشرقية من محافظة درعا، فيها مجموعات مسلحة خضع مسلحوها لتسويات، لكنهم تقدموا باتجاه أراضي قرية القريّا بريف السويداء، وتمركزوا بداخل المنطقة لمسافة ألفي متر تقريباً". وزعم المصدر أن "مجموعة من أهالي القريّا اندفعت بحماس، وذهب الأهالي إلى أراضيهم التي فيها مسلحو الفيلق الخامس الذي يتزعمه المدعو أحمد العودة من أجل استعادتها واستثمارها، لكن مسلحي الفيلق الخامس الذين في المنطقة منعوهم، ما أدى إلى اندفاع عدد من شباب القريّا للحاق بهم لمساعدتهم والفزعة لهم".
النظام السوري لم يحاول على الإطلاق التدخل لتطويق الأحداث بين درعا والسويداء
ومنذ بدء الثورة السورية في ربيع العام 2011، حاولت محافظة السويداء "النأي بنفسها" عما يجري في سورية، كون الدروز من الأقليات في البلاد (حوالي 900 ألف شخص وفق إحصائيات غير رسمية). وسعت شخصيات درزية عدة لدفع المحافظة للثورة ضد النظام، لكنها فشلت، لعل أبرزها الشيخ وحيد البلعوس، الذي أسس "حركة رجال الكرامة"، وقتل في انفجار بسيارة مفخخة في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 بضواحي السويداء، في حادث دلت المعطيات على أن النظام يقف وراءه.
ودفع النظام السوري بضباط دروز إلى واجهة العمل المسلح ضد السوريين، في محاولة لـ"توريط" الطائفة في الصراع، لعل أبرزهم العميد عصام زهر الدين (قتل في دير الزور عام 2017) والذي كان قبل عام 2011 ضابطاً مغموراً، إلا أنه ارتكب مجازر أثناء الثورة بحق المدنيين في ريف دمشق ودير الزور والحسكة.
وتعد محافظة السويداء المعقل الرئيسي للدروز في سورية، إلا أن عدداً منهم ينتشرون في مناطق عدة في محافظة القنيطرة، وفي حي جرمانا الدمشقي، وفي بلدة صحنايا جنوب دمشق، وفي قرى عدة في محافظة إدلب شمال غربي سورية. وخلال العام الحالي، ظهرت في محافظة السويداء احتجاجات بسبب سوء الأحوال المعيشية، سرعان ما تراجعت بسبب خشية الأهالي من تكرار السيناريوهات الدموية التي نفذها النظام بحق المدن والبلدات السورية طيلة 9 سنوات متواصلة.
وكانت محافظة السويداء قد عاشت يوماً داميا في منتصف عام 2018، حين هاجم مسلحو تنظيم "داعش" قرى في ريفها الشرقي، ما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين، وخطف العشرات الذين لقي بعضهم حتفهم بعد ذلك، بينما أفرج عن الباقين ضمن صفقة بين "داعش" والنظام، لم تُعرف تفاصيلها حتى الآن.