تشهد حملة الدعاية للانتخابات البرلمانية المبكرة في الجزائر، والمقررة يوم السبت المقبل، تجدد الدعوات السياسية للدفع باتجاه إقرار مصالحة اقتصادية وسياسية بين الدولة ورجال أعمال وسياسيين موقوفين في السجون في قضايا فساد ونهب للمال العام، مقابل رد الأموال المنهوبة.
وتواجه هذه الدعوات رفضا قاطعا من قبل قوى سياسية تعتبر أن هذه الخطوة قد تضع الدولة محل ابتزاز ومساومة من قبل هؤلاء .
وعاد رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد إلى طرح فكرة التفاوض مع رجال الأعمال والسياسيين الموجودين في السجون، من خلال وضع آلية لتحقيق مصالحة اقتصادية من شأنها خلق استقرار في البلد وجذب الاستثمارات إليه.
وقال بلعيد في ندوة صحافية: "إنه مع خيار التفاوض الذي يعيد الأموال الموجودة في الخارج، لإعادة ضخها في السوق الوطنية"، مضيفًا أن وجود هؤلاء الأشخاص في السجن لن يفيد طالما لم تتمكن الجزائر من استعادة ملايين الدولارات.
وأكد بلعيد أن آلية المصالحة الاقتصادية لها جوانب إيجابية أخرى متعلقة بتشجيع المستثمرين الأجانب للقدوم إلى الجزائر، قائلًا "كيف يمكن أن نقنع اليوم المستثمرين الأجانب بالقدوم للعمل في الجزائر بهذه الوضعية، إذا كان الإعلام يقدم رجال أعمال كانوا في السابق يأخذون أوسمة كمسيرين ناجحين، ويقدمون اليوم كلصوص؟".
وأضاف أنه يقترح أن تشمل المصالحة الاقتصادية الشق السياسي أيضا، لتشمل المسؤولين الموجودين في السجن الذين تولوا مسؤوليات في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، معتبرا أن هناك مسؤولين أجبروا على الفساد، مشيرًا إلى أن هناك ولاة ومسؤوليين محليين يرفضون التوقيع على قرارات تخص الاستثمار نتيجة مخاوف من ملاحقتهم قضائيا، على غرار زملاء لهم تمت متابعتهم لأنهم طبقوا أوامر في عهد النظام السابق، قائلًا إنه لا يمكن الانطلاق في بناء اقتصاد أو جزائر جديدة في ظل مناخ يسوده الرعب.
وأصدر القضاء الجزائري، منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2019، سلسلة إدانات بحق عدد من رجال الأعمال المعروفين، الذين كانوا يشكلون الذراع المالي لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بينهم زعيم الكارتل المالي علي حداد، ورضا كونيناف، ومحي الدين طحكوت، ومحمد بايري وغيرهم، إضافة إلى عدد كبير من الوزراء بلغ عددهم 30 وزيرا، أبرزهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.
لكن قوى سياسية تبدي رفضا قاطعا لفكرة المصالحة مع رجالات الكارتل والمسؤولين الفاسدين، معربة عن استغرابها مثل هذه الدعوات.
ووصف رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان، في مؤتمر صحافي أمس الأحد، هذه الدعوات بالانحراف والدفاع عن العصابات، قائلًا "نرفض المصالحة الاقتصادية مع العصابة، ولا بد من استرجاع الأموال المنهوبة"، مشيرًا إلى أنه ليس من الأخلاق عقد مصالحة مع أشخاص موجودين في السجن بسبب الفساد، موضحًا أن التصالح يعني المشاركة في الجريمة.
وتبدي حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، نفس الموقف الرافض لفكرة المصالحة الاقتصادية مع رجال الكارتل المالي، وقال رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، في منتدى إعلامي عقده أمس الأحد، إن أي فتح لأبواب التفاوض مع المسؤولين ورجال الأعمال المسجونين في قضايا الفساد، يعني التشجيع على الفساد مجددا، مضيفا أن هذه الخطوة تضعف الدولة وتجعلها محل ابتزاز من قبل المسجونين المتورطين في نهب المال العام، مشيرًا إلى أن الدولة لا تستطيع حاليا تحمل تبعات هذه الخطوة، وستفكر بذلك عندما تكون قوية، بحسب قوله.
وبرزت مواقف ثالثة تقترح الذهاب إلى استفتاء شعبي ومساءلة الجزائريين بشأن إمكانية إجراء مصالحة مع رجال الكارتل المالي الموجودين في السجون، وقال الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الطيب زيتوني إن الحديث عن المصالحة الاقتصادية مع ناهبي الاقتصاد الوطني يقتضي تنظيم استفتاء شعبي.
وشكك زيتوني، خلال تجمع انتخابي نظمه بولاية الجلفة وسط البلاد، في مدى إمكانية استعادة الأموال المنهوبة من خلال آلية المصالحة الاقتصادية، وقال: "أشك في ذلك، لا يمكن التأكد من مدى نجاح هذا المقترح لاستعادة الأموال المنهوبة، خاصة أن العصابة (وصف يطلق على مجموعات مالية وموالين للنظام السابق) لا تزال موجودة في الإدارة وتشجع تهريب أموال الشعب إلى الخارج".
من جهته، عبر رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، عن رفضه أي مصالحة مع رجال الأعمال الفاسدين، وقال في مؤتمر صحافي عقده اليوم الإثنين، "إنني لست مع العفو عن رجال الأعمال المسجونيين المدانيين في قضايا فساد بعد إعادتهم الأموال المنهوبة، بل أنا مع تطبيق عقوبات إضافية تعزيرية في حقهم ليكونوا عبرة للناس"، مضيفا أن"العقوبة التعزيرية يقررها القضاء عندما يكون مستقلا تكون بسنة أو سنتين أو أكثر أو أقل، لأن من أخذ مال الأمة بغير حق يجب أن يرجع المال دون شرط".