أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، اليوم الإثنين، إطلاق سراح الساعدي، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، مشيراً إلى أنه تم بناءً على قرار صادر عن النيابة العامة، ما يفتح باب التساؤل حول دلالات وتوقيت هذا القرار.
وفي تغريدة على حسابه الرسمي، أوضح الدبيبة أن "بناء الدولة لا يمكن أن يتحقق دون تحقيق المصالحة والعدل وإنفاذ القانون، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات"، مستطرداً بأنه "لا يمكن أن نتقدم للأمام دون تحقيق المصالحة، ولا إقامة الدولة دون تحقيق العدل وإنفاذ القانون، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، واتباع الإجراءات والأحكام القضائية".
وأردف: "على هذا الأساس تم الإفراج اليوم عن المواطن الساعدي القذافي تنفيذاً للإفراج الصادر في حقه من قبل النيابة العامة".
لا يمكن أن نتقدم للأمام دون تحقيق المصالحة ولا إقامة الدولة دون تحقيق العدل وإنفاذ القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واتباع الإجراءات والأحكام القضائية.
— عبدالحميد الدبيبة Abdulhamid AlDabaiba (@Dabaibahamid) September 5, 2021
وعلى هذا الأساس تم الإفراج اليوم عن المواطن "الساعدي القذافي"، تنفيذا للإفراج الصادر في حقه من قبل النيابة العامة.
المصالحة الوطنية
وكانت مصادر ليبية متطابقة قد أكدت، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، إطلاق سراح الساعدي، ومدير المكتب الخاص لوالده أحمد رمضان الأصيبعي.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن إطلاق سراح الساعدي جرى مساء أمس، الأحد، قبل أن يغادرا ليبيا بعد الإفراج عنهما بساعات، مؤكدة أن القرار جاء وفقاً لتنسيق بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في إطار برنامج المصالحة الوطنية الذي تشرف عليه السلطة التنفيذية ضمن مهامها في المرحلة الحالية.
كما أكدت المصادر أن السلطة التنفيذية ستشرف على إطلاق ثلاث شخصيات بارزة في منظومة حكم القذافي، ممن حصلوا على أحكام قضائية بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم، خلال المدة المقبلة، ضمن سعي للدفع بملف المصالحة الوطنية الذي يعد من أهم الاستحقاقات المناطة بالمجلس الرئاسي، وفقاً لخريطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي.
وبينما أكدت المصادر ذاتها أن الساعدي غادر ليبيا فور الإفراج عنه، لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من جانب أسرة القذافي وقبيلته.
وكان المكتب الإعلامي للحكومة قد أعلن، في وقت مبكر من اليوم الإثنين، الإفراج عن نجل القذافي، وأنه جرى بـ"التعاون بين مكتب النائب العام وجهاز الردع"، وأن عائلته تسلمته.
وأوضح بيان المكتب الإعلامي أنه "تنفيذاً لأحكام القضاء النافذة، أفرج، اليوم، عن الموقوف الساعدي معمر القذافي بعد عامين من قرار الإفراج عنه بالتعاون مع مكتب النائب العام وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وقد تسلمته عائلته وفقاً للإجراءات القانونية".
ونقل المكتب الإعلامي عن الحكومة التزامها بما تعهدت به بالعمل على الإفراج "عن جميع السجناء ممن تقضي أوضاعهم القانونية ذلك دون استثناء".
وعبرت الحكومة عن أملها في أن "تصب هذه الخطوة في مسار المصالحة الوطنية الشاملة، والتي أساسها إنفاذ القانون واحترامه".
وفي وقت لاحق، أعلن المجلس الرئاسي، في بيان، عن الإفراج عن أحمد رمضان الأصيبعي، مدير المكتب الخاص للعقيد الراحل معمر القذافي، مشيراً إلى أن الخطوة تأتي في إطار إرسال المصالحة الوطنية الشاملة.
وأكد المجلس عزمه على الإفراج عن السجناء السياسيين "الذين انتهت مدة محكوميتهم، أو الذين لم تتم إدانتهم قضائيا"، وفقاً للبيان.
وبعد بيان المجلس الرئاسي بشأن الإفراج عن الأصيبعي، أعلنت المتحدثة الرسمية باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، خلال مؤتمر صحافي مساء اليوم الاثنين من طرابلس، عن عزم المجلس الرئاسي والحكومة "الإفراج عن المزيد من المسجونين الأيام المقبلة".
وأوضحت وهيبة أن الإفراجات الأخيرة جاءت "تنفيذا لأحكام قضائية وتشمل الجميع في كل ربوع ليبيا وليست حكراً على فئة معينة، وهي جزء من عملية المصالحة"، مضيفة أنه "لا يمكن أن تجري عملية مصالحة مع وجود مظلومين في السجون، سواء استكملت محكوميتهم أو أحيلوا للقضاء دون البدء في محاكمتهم".
وتابعت "المجلس الرئاسي يركز على هذه المسألة لتأسيس أرضية للمصالحة من خلال احترام حقوق الإنسان أو تحقيق العدالة وتسوية أوضاع المسجونين وإطلاق سراحهم"، مشيرة إلى أن هذه الخطوات "تعد مصالحة ناجحة وليس مجرد شعارات".
وفي الأثناء نشر المركز الإعلامي لوزارات وهيئات ومؤسسات حكومة ليبيا، على حسابه الرسمي على "فيسبوك"، صورة لطائرة هيلوكوبتر تقل رمضان إلى منطقته، في الرحيبات غرب البلاد، قبل أن تنشر فيديو يظهره، وهو جالس على كرسي، بين أهالي منطقته الذين وصلوا إلى منزله للترحيب به.
وفي السياق، أشاد نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، اليوم الإثنين، بجهود مؤسسة القضاء ووزارة العدل في "تعزيز فرص تحقيق السلام الدائم في البلاد، خصوصاً النظر في أوضاع السجناء"، في إشارة إلى قرار الإفراج عن الساعدي والأصيبعي.
وأشار اللافي، في تغريدة على حسابه الرسمي، إلى أن المجلس الرئاسي أكد لوزارة الدفاع، منذ إبريل/نيسان الماضي، على ضرورة "الإسراع في إطلاق سراح المسجونين قسراً، ومن ليست لديهم قضايا، وإحالة الموقوفين على ذمة قضايا إلى القضاء في أسرع وقت".
إطلاق سراح عدد من المساجين خلال هذه الايام، جاء تتويجاً للقاءات عديدة مع السيدة وزير العدل، والسيد النائب العام، وعدد من الجهات الأخرى، وهو أول خطوة نخطوها في اتجاه المصالحة الوطنية الشاملة. بعد ذلك سيتفرغ الليبيون للبناء والتنمية والتطوير.
— عبد الله اللاّفي Abdullah Al-Lafi (@ALafidpc) September 5, 2021
وأشار اللافي إلى أن المجلس الرئاسي سيواصل عمله على إطلاق المزيد من السجناء ضمن جهوده إلى إعادة الثقة بين جميع الأطراف، وتعزيز فرص تحقيق السلام الدائم في البلاد.
دلالات الإفراج
وحول دلالات الإفراج، يرجح الناشط السياسي الليبي من مدينة سرت معتز الخطري أن للخطوة علاقة بالمرحلة الحالية التي أصبحت كل مستجداتها مرتبطة بالانتخابات الوطنية المقبلة.
ويرى الخطري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "خطوة الإفراج عن الساعدي لا تتعلق بأسرة القذافي وأبنائه، بل بأنصار النظام السابق جميعا"، لافتاً إلى أن "قرار الإفراج شمل الأصيبعي أيضاً، وهو الشخصية المهمة والمقربة من القذافي، والتي كانت على صلة برموز النظام".
ضغط روسي
ويعتقد الخطري أن الخطوة جاءت "استجابة لضغط من إحدى الدول، خصوصاً من جانب روسيا، التي لا تزال تعول على علاقتها بأنصار النظام السابق وتطالب بضرورة السماح لهم بالمشاركة في السلطة". كما يرى أن "شخصيات في المشهد تحاول الاستفادة من قرار الإفراج لصالحها ضمن مساعيها لحشد أنصار وترتيب قاعدة انتخابية استعدادا للترشح للانتخابات".
ترشح سيف الإسلام
وسبق أن أبدى سيف الإسلام، نجل القذافي، رغبته في خوض غمار الانتخابات، خلال لقاء أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في الثلاثين من يوليو/تموز الماضي، إلا أن مساعد وزير الخارجية الأميركي بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى جون هود، أكد أن "العالم لديه مشكلة في ترشح سيف الإسلام"، مشيراً إلى أنه "يخضع لعقوبات الأمم المتحدة وعقوبات أميركية".
وأضاف هود، في مقابلة خاصة مع قناة "الحرة" الأميركية قبل أيام، أن "من يترشح للانتخابات الرئاسية أمر يقرره الشعب الليبي، لكن ستكون لدينا إلى جانب المجتمع الدولي الكثير من المشاكل إذا كان رجل مثله رئيساً لليبيا".
والشهر الماضي، أصدر مكتب المدعي العام العسكري الليبي أمراً بإلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي لـ"تورطه في جرائم قتل واستعانته بمرتزقة".
وأوضح المدعي العام أن الأمر جاء بناء على "التحقيقات الجنائية" التي تجرى بشأن ملف قضية متعلقة بواقعة جرائم القتل المرتكبة من قبل مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية أثناء هجوم مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.
ولا يرجح الخطري أن تقدم أي شخصية من الدائرة المقربة من القذافي، بمن فيهم أبناؤه، على الترشح للانتخابات المقبلة، موضحاً أن "القاعدة الشعبية لأنصار النظام السابق تشهد انقسامات منذ سنوات على خلفية مواقفها من بعض الرموز البارزة، كسيف الإسلام، وأحمد قذاف الدم المقيم في مصر، وغيرهما".
ويرى الناشط السياسي الليبي أن عدم الاهتمام من قبل أنصار النظام السابق، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الليبية، بخطوة الإفراج عن الساعدي والأصيبعي "دليل على عمق الانقسام".
العفو العام
وجاء قرار إطلاق سراح الساعدي والأصيبعي بعد لقاءين منفصلين لوجهاء قبيلة القذاذفة، من سرت وسبها، أولهما مع الدبيبة، في مكتبه الحكومي في العاصمة طرابلس، والثاني مع وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، في مدينة مصراته.
وقال باشاغا، على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، إنه استقبل وفدا من القبيلة، أمس الأحد، لـ"بحث إمكانية الدفع باتجاه إطلاق كافة المحتجزين منذ العام 2011 وفق الإجراءات القانونية، وذلك في إطار المساعي للمصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي".
وشدد باشاغا على ضرورة "ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش بين الليبيين"، مؤكداً على ضرورة التزام كافة الأطراف بمسؤولياتها لـ"تحقيق العدالة والسلام والعفو العام عن كافة المساجين والمحتجزين والأسرى من مختلف الأطراف، والمضي قدماً نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد مئة وعشرة أيام".
اعتقال الساعدي
وإثر سقوط نظام والده عام 2011، فر الساعدي إلى دولة النيجر، قبل أن تسلمه الأخيرة لسلطات الحكومة الليبية المؤقتة عام 2014، ويُقدم للمحاكمة على عدة تهم وجهت إليه، من بينها قتل اللاعب الليبي بشير الرياني عام 2006، قبل أن تحكم محكمة استئناف طرابلس ببراءته من التهم المنسوبة إليه في إبريل/نيسان من عام 2018.
من هو الأصيبعي؟
ويعد الملازم أحمد رمضان الأصيبعي من أبرز رموز نظام حكم القذافي، إذ أدار المكتب الخاص له لعدة سنوات، وعرفت عنه شدة قربه منه حتى سقوط نظامه عام 2011، وقدم للمحاكمة بعدما قبض عليه في أغسطس/آب من العام ذاته، في منزله في منطقة الرحيبات، غربي البلاد.
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن الأصيبعي خضع للتحقيق من قبل العديد من الجهات الأمنية الليبية في ملفات كبرى، من بينها قضية اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر عام 1978 أثناء زيارته لليبيا، وكذلك قضية تفجير طائرة البانام الأميركية عام 1988، التي اتهم نظام القذافي بالتورط فيها.