- الإحصائيات تشير إلى أن نسبة ذوي الإعاقة في قطاع غزة كانت 2.6% قبل العدوان الأخير، مع قصص تعكس الحاجة الماسة للدعم والمساعدة، مثل الطفلة التي تأكل يديها بسبب الجوع ورضا أحمد الذي يحلم بكرسي متحرك.
- قصة "محمد"، طفل التوحد الضائع خلال النزوح، تجسد الألم والخوف الذي يعيشه الأطفال في ظل الحروب، مؤكدة على الحاجة الملحة للتضامن الإنساني والدعم لإعادة الأمل والاستقرار إلى حياة الأفراد والأسر المتأثرة.
تعدّدت أوجه المعاناة في ظلّ حرب الإبادة الجماعية، وطاولت الجميع بدرجاتٍ متفاوتةٍ، لكن أقلّ هذه الدرجات مُهلكٍ ومُتعبٍ للحدّ الذي لا يمكن لمفردات اللغة وصفه، لذلك تفكر الكاتبة كثيرًا في تلك الفئات الأقلّ حظًا في الظّروف العاديّة، فما بالكم بمثل هذه الظروف الكارثية.
يعاني ابن صديقة والدة الكاتبة من اضطراب التوحّد الشديد، الذي يحتاج إلى رعايةٍ نفسيّةٍ، وتدريبٍ مُستمرٍ ومكثّفٍ، وحميةٍ غذائيةٍ خاصّةٍ به، والتزامٍ بأخذ الدواء بالوقت المحدد، وهذا كلّه للمحافظة على استقرار حالته، وتقليل سلوكياته الخطرة والمؤذية له ولمن حوله، ماذا تفعل هذه الأم الآن؟! لا طعام يناسب حالته الصحية، ولا حتّى ما لا يناسبه، فنحن في مجاعةٍ حقيقةٍ لا مجازًا، لا دواء، وخاصّةً أدوية الأعصاب التي يحتاجها، لا أمان، ولا قدرة ذهنية لديه لفهم ما يجري حوله!
بلغت نسبة ذوي الإعاقة في قطاع غزّة قبل العدوان الأخير 2.6% من مجمل سكان القطاع، نحو 60 ألف فلسطينيٍ
طفلةٌ أخرى رأتها الكاتبة سريعًا في إحدى زياراتها لمراكز الإيواء، كانت يداها مليئتين بالجروح وأثار العضّ، صدمني المشهد ووقفت عاجزةً عن النّطق، قالت أمّها بأن طفلتها تعاني من إعاقةٍ عقليّةٍ، وعلى إثرها فإنها تعاني من اضطراباتٍ في الأكل والّنهم الزائد، تكمل الأم بأنّه رغم الوضع الاقتصادي الصّعب في الأصل، وعمل الأب بنظام اليومية، إلّا أنّه كان يعمل بكدٍّ يوميًا حتّى يجعل الطعام متوفرًا دائمًا لابنته، الآن هم نازحون، لا يجدون أقلّ ما يسدّون به رمقهم، لذا تأكل الطفلة يديها..
أما رضا أحمد، الشاب ذو الـ 18 عاماً، تحدثت الكاتبة معه أثناء تجولها بين الخيام، يقول إنّ كلّ أمنياته هي الحصول على كرسيٍّ متحركٍ، لتخفيف المشقة على والدته، وحمامٍ قريبٍ من الخيمة، وطعامٍ جيدٍ يأكله غير المعلبات، فمنذ قرابة الأربعة أشهرٍ لم يتناول رضا صنفًا جديدًا من الطعام، فكلّ ما يأكله هو وعائلته معلبات الفاصولياء والفول والبازلاء .. يعاني رضا من شللٍ دماغيٍّ منذ الطفولة، وأدّى ذلك إلى شللٍ نصفيٍّ في الأطراف السفلية.
عمة الكاتبة منال، الموجودة في شمال القطاع حتّى الآن، مريضة سكّر منذ سنواتٍ طويلةٍ، بترت قدمها اليسرى بسبب مرضها، كما بتر إصبعان من قدمها اليمنى، لذا فهي تحتاج إلى عنايةٍ كبيرةٍ في الأيّام العادية، كانت تتناول الطعام الصحّي، وتنوع أصنافه للحفاظ على صحتها، كما تتناول أدويةً كثيرةً، أما بعد الحرب، وبعد بقائها في الشمال وحدها مع زوجها المريض في بيتٍ صغيرٍ من دون توفر الطعام أو العلاج، فقد خسرت أكثر من عشرين كيلو غراماً من وزنها، من قلّة الغذاء، فهم لا يأكلون سوى الخبيزة، إن وجدت طبعاً، وفي حال عدم توفرها فإنهم يأكلون الحشائش غير المجدية نفعاً لصحتها..
بلغت نسبة ذوي الإعاقة في قطاع غزّة قبل العدوان الأخير 2.6% من مجمل سكان القطاع، نحو 60 ألف فلسطينيٍ، كما تنص التقديرات الأولية لتداعيات عدوان الاحتلال الحالي على احتمال زيادة أعداد ذوي الإعاقة في قطاع غزّة، بما لا يقل عن 12 ألف مصابٍ في حال توقف العدوان فورًا. هذه النسبة المرتفعة من ذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة والاضطرابات العصبيّة في قطاع غزّة تجعل من مهمة رصد قصصهم وحياتهم في ظلّ حرب الإبادة مهمةً مستحيلةً. رغم ذلك تستوقفني قصة "محمد"، الذي لا تُفارقني صورته كلما أغمضت عيوني: في الشهر الأول للحرب، وفي أشدّ أوقات موجات النّزوح نشرت أخت محمد صورته على وسائل التواصل، راجيةً من رآه أن يُساعدهم على إيجاده، محمد طفلٌ يعاني من التوحّد، وهو غير ناطقٍ، ضاع في ظلّ النزوح والقصف ونيران المدفعيّة، أين محمد الآن؟ لا أدري، هل وجده أحد؟ هل بقي هائمًا يبحث عن أمه حتّى أصابته رصاصة قناصٍ أو شظايا صاروخٍ؟ ما حجم الخوف الذي عاشه محمد؟ هل ما زال حيًا، أم مات وحيدًا خائفًا وجائعًا؟