كشفت مصادر دبلوماسية مصرية معنية بمتابعة الملف الليبي، عن عدم حماسة القيادة السياسية في القاهرة لإجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا، في الموعد المحدد لها في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، مشيرة إلى أنه ينتظر أن تطرح رؤية مصرية جديدة بشأن الاستحقاقات الانتخابية الليبية خلال مؤتمر باريس الذي ينعقد غداً الجمعة.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن مشاورات مصرية أميركية جرت في العاصمة واشنطن على هامش الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي، أبدت فيها القاهرة قلقها من إجراء الانتخابات في ظل وجود القوات التركية، والمقاتلين السوريين التابعين لها في ليبيا، مضيفة أن وزير الخارجية سامح شكري أبلغ نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أن إجراء الانتخابات بهذه الصيغة، في وجود القوات التركية يعني أن النتيجة ستكون معلومة سلفاً، بحد تعبير المصادر.
تتضمن الرؤية المصرية إرجاء التصويت على منصب رئيس الدولة
كما كشفت المصادر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيشارك بنفسه في المؤتمر الدولي الذي سينطلق في باريس، غداً الجمعة، موضحة أنه من المقرر أن يطرح رؤية مصرية بشأن الاستحقاقات الانتخابية الليبية، تراعي الحفاظ على الموعد المحدد، وفي نفس الوقت يكون هناك ضمانات خاصة بعدم التأثير على مسارها. وأضافت المصادر أن السيسي بحث الرؤية المصرية خلال اتصاله مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، مساء الثلاثاء الماضي. كما بحثها في اتصال سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتتضمن أن يتم الحفاظ على يوم 24 ديسمبر المقبل موعداً لإجراء هذه الانتخابات، نظراً لرمزيته كتاريخ تم التوافق عليه دولياً، ولكن لا يكون يوم تصويت، بحيث يتضمن خطوة من خطوات العملية الانتخابية على أن يتم إرجاء التصويت على منصب رئيس الدولة، ليتم خلال موعد لاحق، وتحديداً لحين الحصول على ضمانات دولية بشأن عدم تأثير تركيا على مسار الانتخابات المقررة.
وبحسب المصادر فإن عدم حسم القاهرة لبعض الأمور المتعلقة بمستقبل ليبيا، مع المكونات الليبية، يعد سبباً رئيسياً في موقفها غير المتحمس لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد. ولفتت إلى أن أبرز تلك الترتيبات تتعلق بعدم حسم بعض الملفات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ليحظى بالدعم المصري في ظل اقترابه من الترشح للمنصب، خصوصاً في ظل تعويل القاهرة كثيراً على الملف الليبي ليكون قاطرة للاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة.
وقالت المصادر إن ذلك يأتي "في الوقت الذي عادت فيه الإمارات لضخ دعم مالي لصالح (قائد مليشيات شرق ليبيا اللواء متقاعد) خليفة حفتر"، مضيفة أن "الإمارات تدرك صعوبة المرحلة الانتخابية، وهي تراهن على أكثر من حصان وتدعمهم، وليس لها مرشح واحد، إلا أن أكثرهم دعماً من جانب أبو ظبي هو حفتر". وكشفت أن "الزيارة السرية التي قام بها صدام نجل خليفة حفتر، إلى تل أبيب، والتقى خلالها برئيس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولتا، كانت بترتيب إماراتي كامل".
وكان السيسي أجرى، مساء الثلاثاء الماضي، اتصالاً هاتفياً بالمنفي أكد خلاله دعم مصر لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في 24 ديسمبر المقبل، بناء على القوانين التي أقرها مجلس النواب. وعبر السيسي عن دعم بلاده الكامل للمسار السياسي لتسوية الأزمة الليبية في كافة المحافل الثنائية والإقليمية والدولية، والحرص على تعزيز التنسيق الوثيق مع الجانب الليبي خلال الفترة الحالية لضمان توحيد المؤسسات الليبية. ونقل المتحدث باسم الرئاسة المصرية عن السيسي قوله إن إجراء الانتخابات في موعدها يعد خطوة هامة وفارقة للانتقال بليبيا إلى واقع جديد، ونظام سياسي مستدام، يستند إلى إرادة الشعب الليبي باختيارهم الحر. وأوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن الطرفين استعرضا، خلال المكالمة الهاتفية، جهود استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، وتأكيد السيسي دعم مصر الكامل لجهود سحب المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، وذلك في إطار تحقيق المصلحة العليا للدولة الليبية وإنهاء كافة أشكال التدخلات الأجنبية بها. من جانبه أعرب المنفي وفق الرئاسة المصرية، عن تقديره لجهود القاهرة في توحيد المؤسسة العسكرية.
دعت مكونات سياسية وعسكرية واجتماعية ليبية لإعادة النظر بالقوانين الخاصة بالانتخابات
في المقابل، أكدت مجموعة من المكونات السياسية والعسكرية والاجتماعية الليبية أهمية إجراء الانتخابات في موعدها وعدم السماح بعرقلتها، شرط إعادة النظر بالقوانين الخاصة بها. وشددت تلك المكونات، في البيان الختامي لاجتماعها في طرابلس أمس الأول، على أن التمسك بالانتخابات يجب أن يكون على أساس قاعدة دستورية متفق عليها، ويجب التعامل معها على أنها حزمة متكاملة دون انتقائية، مشيرة إلى أن الانتخابات الرئاسية دون دستور هي بناء للديكتاتورية مهما كانت النتائج. وأوضحت أن رفض قوانين الانتخابات لا يعني رفض مبدأ الانتخابات، لافتة إلى أن من أصدر القوانين "المعيبة" هو من يعرقل الانتخابات. وحمل البيان المفوضية العليا للانتخابات وبعض أعضاء مجلس النواب مسؤولية العواقب الخطيرة التي قد تنتج جراء الاستحقاق الانتخابي.
من جانبه، دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري، أمس الأول، إلى الاعتصام أمام مقر المفوضية، قائلاً إن ما يحدث الآن من قبول بعض الدول لقوانين الانتخابات المعيبة يشبه ما حدث قبل 4 إبريل/نيسان، في إشارة إلى الحملة العسكرية التي شنها حفتر على العاصمة طرابلس في إبريل 2019. وقال المشري: "نرفض رفضاً قاطعاً اللجوء إلى العنف، ونحن نلجأ إلى الشارع والمؤسسات المدنية لإيصال صوتنا"، مضيفاً: "ندعو إلى عدم المشاركة في هذه الانتخابات سواء كناخبين أو مرشحين". واعتبر أن "السماح للمجرمين بالترشح وممارسة العمل السياسي في ليبيا يعادل السماح للنازية بممارسة العمل السياسي في ألمانيا والفاشية في إيطاليا".